بقلم عماد سيد
أتابع وأنا أكظم غيظي عشرات الأحداث المتوالية والتي لا يمكن أن تجمعها مصادفة في بلادنا .. والمراقب والعارف للكيفية التي تدار بها الأمور - أو قل تحديداً الجهة التي تدير الأمور - في بلادنا إذا ما وضع الصور الصغيرة إلى جانب بعضها تتبدى له مع الوقت ملامح ما ستكون عليه الصورة الكاملة في بلادنا.

قبل عدة أشهر التقى وزراء الإعلام العرب واتفق أغلبهم - بقيادة مصر بالطبع - على ضرورة "تنظيم الفضاء الإعلامي" في أوطاننا التعيسة .. وبالطبع كان يقصد بذلك السيطرة على ما أفرزته تقنيات الاتصالات الحديثة من فضائيات تبث عبر أقمار غير خاضعة لأجهزة الدولة وعبر أجهزة محمول واردة من الخارج بها إمكانيات لا تستطيع الدول السيطرة عليها وإعلام إلكتروني اخترق الحجب الكثيفة التي أسدلتها الأنظمة على البلاد .. وبالطبع من المستحيل أن تنقل الينا محاضر هذه الجلسات كاملة، كما هو مستحيل أن تنقل لنا محاضر جلسات وزراء الداخلية العرب، ولكن يبدو أن هناك اتفاقاً غير مكتوب على ضرورة التصدي لهذا المارد الذي بدأ ينطلق من عقاله .. وما قضية "طل الملوحي" السورية أصغر مدونة معتقلة في العالم العربي وإغلاق المواقع في البحرين والسعودية وأزمة البلاك بيري ببعيدة.

ولأننا كمواطنين في العالم العربي لا تنقل لنا الصورة كاملة أبداً ولا حتى نصفها فقد تعودنا أن نستشرف المستقبل من القدر الضئيل الذي يتسرب -بحكم طبائع الأمور- إلى الإعلام، وكان من هذه الصور أو المشاهد المتفرقة مشهد وقف برنامج الصحفي اللامع إبراهيم عيسى على قناة اون تي في بدعوى تفرغه لتطوير صحيفة الدستور التي أقيل منها ليتفرغ لكتابة روايته الجديدة!، ثم وقف برنامج القاهرة اليوم بدعوى وجود خلافات مادية لشركة أوربت مع مدينة الإنتاج الإعلامي ثم منع الناقد الرياضي علاء صادق من الظهور على شاشات التليفزيون لمطالبته وزير الداخلية بالاعتذار لرجل الأمن المصري الذي تعرض للضرب من بعض الجماهير التونسية ثم إقالة ابراهيم عيسى من رئاسة مجلس تحرير الدستور ووقف بث قناة البدر، ثم وقف بث قنوات الناس والحافظ والصحة والجمال، وتوجيه إنذارين لقناتي أون تي في والفراعين، والضغوط المستمرة على صحيفة الشروق بسبب مقالات الروائي العالمي علاء الأسواني وما تعرض له إبراهيم المعلم من تحرشات ومضايقات مستمرة للضغط عليه في هذا الشأن ثم حوار مضحك لبعض الأشخاص على أحد البرامج الحكومية يأحب أن أسميه "مصرهم النهاردة" حول مخاطر الفيس بوك وضرورة حظره بدعوى أن الشباب المصري مغرر بهم من قبل تيارات داخلية وخارجية تستغلهم للعمل كجواسيس على بلادهم وكأن هذا الشباب مجموعة من الخراف تساق بعصا صغيرة، وأخيراً - وبالطبع ليس بآخر - قرار الجهاز القومي "لتنظيم" الاتصالات بضرورة حصول مزودي خدمة الأخبار القصيرة على المحمول على ترخيص ببث هذا المحتوى على أن تتم مراجعته من قبل مراقبين حكوميين يدفع مزود الخدمة راتبهم!

وكانت جريدة واشنطن بوست قد نشرت تقريراً حول أزمة الإعلام في مصر أشارت فيه إلى أن مصر بدأت في اتخاذ أسلوب جديد للسيطرة التليفزيون المصري وعلى جميع البرامج الحوارية والإخبارية في القنوات ذات البث المباشر، وتناول التقرير الذي جاء بعنوان "مصر تتأخد خطوات جديدة للسيطرة علي الإعلام قبل الانتخابات" بعض الإجراءات التي تسعى مصر لاتخاذها لتنظيم قطاع الاتصالات منها إلغاء تراخيص الشركات الخاصة التي تقدم خدمات البث المباشر في مصر ، الأمر الذي يتطلب منهم الحصول على تراخيص جديدة من التلفزيون الحكومي.

وأكد التقرير أن التدابير التي اتخذتها الحكومة المصرية يمكن أن يكون محاولة من جانب السلطات لتشديد قبضتها على حرية تداول المعلومات والتضييق على وسائل الإعلام التي تتناول المشهد السياسي في مصر حيث تتزايد حدة التوتر قبل الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية العام المقبل، هذا إلى جانب مخاوف متنامية من انفجار شعبي إثر تصاعد الاستياء من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة نسبة الفقر، وارتفاع أصوات رجال المعارضة والناشطين الشباب التي تطالب بزيادة مساحة الديمقراطية وتحاول الوقوف أمام مشروع التوريث.

ولا شك في أن النظام المصري يخشى من أمرين أولهما الفتنة الطائفية والتي تسببت الإدارة الحمقاء للأزمة في تصاعدها وتزايد الاحتقان الداخلي بين أبناء الوطن وبالتالي اتخذ قراره باعتماد السياسة الغبية "تجفيف المنابع" بحظر بعض الفضائيات التي تناولت الموضوع أو تهديد بعض الصحف للتوقف عن نشر بعض المقالات أو الأخبار المتعلقة بالموضوع، والأمر الآخر هو المعارضة أو بالتحديد جماعة الإخوان المسلمين الذين ما إن تشم الحكومة رائحتهم في أي شيء حتى تتقافز ولا تهدأ إلا بعد أن تتفتق قريحة السادة المنظرين عن قوانين تحد من تحركاتهم ، لذلك جاء قرار "تقنين" مسألة الرسائل القصيرة على المحمول حيث اتنشرت شائعات بأن الإخوان بصدد شراء Bulk SMS أو حزمة من الرسائل القصيرة تمهيداً لاستخدامها في الدعاية الانتخابية لمرشحيهم في انتخابات مجلس الشعب أو إعلام المواطنين بتجاوزات "ستحدث" خلال المسرحية المسماة بالانتخابات البرلمانية من تزوير وبطاقات انتخابية دوارة واغلاق لمراكز الاقتراع ورشاوي مالية وعلب كنتاكي وغيرها مما اعتدنا سماعه في مثل هذه الأيام.

واعتقد أنه من الصعوبة بمكان ألا يتم تفسير كل الأحداث التي وقعت في فترة لا تتعدى شهرين إلا بأن الحكومة تستشعر الخطر من حجم انتشار المعلومات في المجتمع المصري رغم محاولاتها المكثفة لمنع ذلك بتصوير كل معلومة متداولة تتعلق بالأمن القومي للدولة، فكان لابد لها من أن تتحرك بسرعة لسد كافة المنافذ التي يمكن أن تنفذ منها المعلومات إلى رجل الشارع العادي، لكن المشكلة في رأيي أنه على الرغم من وجود العديد من الوزراء من ذوي الخلفيات العلمية والتكنولوجية إلا أنهم يأبون إلا أن يتعاملوا مع المواطن المصري إلا بمنطق وعقلية الستينيات وهي احتقار عقليته و الترهيب والاعتقال والتهديد والضرب والسحل وغيرها دون ان يدركوا بأن ذلك يدفع المواطن دفعا إلى واقع افتراضي يبتعد فيه عن كل تلك الامور ويعيش بشخصية أخرى على الانترنت يطلق فيها العنان لأفكاره وأحلامه ويصرخ فيها بأعلى صوته مخرجا حنقه الدفين وغيطه وأساه على ما يحدث في بلاده وهو ما قد يمهد في وقت ما طال أو قصر أمده إلى انتقال هذه الحياه الافتراضية إلى الواقع ولكن بصورة لا اعتقد أبداً أنها ستكون مسالمة ولا اعتقد أنه سيمكن السيطرة عليها إلا بخسائر هائلة.

لا أعتقد أن ما سيأتي في قابل الأيام سيكون جيداً .. وأكاد أوقن بأننا سنصبح ذات يوم على خبر بعدم إمكانية الوصول إلى فيس بوك "لأسباب تقنية" وأن قناة "كذا" الإخبارية تم منعها بحجة تهديد الأمن الداخلي في مصر أو لوجوزد مشكلة في إيجارات الاستوديوهات والمكاتب أو أنهم لم يحصلوا على تصريح بالتصوير وأن صحيفة كذا بها أزمات وصراعات داخلية أدت إلى توقفها عن الظهور.

ولكن كيف سيستقبل المواطن المصري مثل هذه الأمور؟ اترك لكم الإجابة.

ملحوظة: الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي المنتدى وإدارته.