لم يكن لفظ التنمية الاقتصادية شائعاً في الكتابات الإسلامية الأولى، إلا أن المعنى قد استخدم كثيرا بألفاظ مختلفة منها: العمارة والتمكين والنماء والتثمير، وقد ورد بعض هذه الألفاظ ومترادفاتها في القرآن الكريم وفي بعض الأحاديث النبوية الشريفة، وظهرت بوضوح في كتابات الأئمة والعلماء وخطبهم في عصور الإسلام المبكرة والوسيطة.
ويعتقد أكثر كتاب التنمية في الاقتصاد الإسلامي، إن القيم التي يربي الإسلام أبناءه عليها، ملائمة لتحقيق التنمية الاقتصادية، ولعل أول من أشار إلى هذه النقطة بصورة عملية ومنظمة «مالك بن نبي» في كتابه: «المسلم في عالم الاقتصاد» الذي ركز فيه على دور الإنسان في المجتمع المسلم كلبنة أولى لعملية التنمية.
هذا فيما يتعلق بالحوافز الذاتية التي تجعل الإنسان يسعى لتحقيق التنمية من خلال المنهج التربوي الإسلامي، أما في مجال الحوافز الأخروية والروحية، فنجد أن هناك آيات كثيرة، وأحاديث ترغب في العمل وتحث عليه.
ومن الحوافز الأخروية قول الله تعالى «ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون» (الأحقاف: 19) وقوله تعالى «إنا لا نضيع اجر من أحسن عملا» (الكهف 30) وكذلك قوله تعالى «إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه» (فاطر: 10) ومن ذلك قول النبي «ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة».
وفي مجال الحوافز الدنيوية، فقد وردت أحاديث كثيرة، فمثلا في مجال الأعمال المخصوصة كالزراعة، جاءت أحاديث تجعل العمل الزراعي في الأراضي غير المملوكة سبباً في التملك، وهذا الحافز يتسم مع طبيعة الإنسان المجبولة على حب المال والتملك. ومن ذلك قول النبي «من أحيا أرضا ميتة فهي له، وما أكلت العافية منه له به صدقة».
للتنمية الاقتصادية في الإسلام مفهوم شامل يستوعب كل ما يؤدي إلى الحياة الطيبة للإنسان الذي كرمه الله تعالى، وجعله خليفته في الأرض، وأمره بإصلاحها ونهاه عن السعي فيها بالفساد والخراب والدمار وإهلاك الحرث والنسل.
وقد حاول بعض الكتاب استنباط مفهوم للتنمية في الإسلام، استنادا إلى نصوص أو معان قرآنية، فقيل أن التنمية هي طلب عمارة الأرض، وذلك من قوله تعالى «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» (هود 61) وقيل أن التنمية تعني «الحياة الطيبة»، إشارة إلى معنى الآية الكريمة:
«من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» (النحل: 97) وقيل هي نقل المجتمع من الوضع الذي لا يرضاه الله، إلى الوضع الذي يرضاه.
على أننا نلحظ في كثير من آيات القرآن حرص الإسلام البالغ على تنمية الإنسان وتنمية موارده الاقتصادية ليعيش حياة طيبة كريمة، هانئة مليئة بالانجاز والعمل وهو العمل الصالح الذي يؤتي ثماره مرتين: مرة في الحياة الدنيا، ومرة في الحياة الآخرة، وهي الحياة التي ترتفع بالمسلم من حد الكفاف إلى حد الكفاية والرفاهية.
لقد وضع الإسلام للتنمية حسابا خاصا، فجعلها في حكم الواجب، وقد فسر علماء التفسير قول الله عز وجل «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» (هود: 61) على أنها تفيد الوجوب، فالسين والتاء في «استعمركم» للطلب، والطلب المطلق من الله يكون على سبيل الوجوب، وفي تلك الآية يقول الإمام الجصاص: «أن في ذلك دلالة على وجوب عمارة الأرض بالزراعة والغرس والأبنية».
احمد حلمي سيف النصر نقلا عن موقع البنك العربي