التأمين التعاوني إلى أين
إن غياب ثقافة التأمين التعاوني و التوعية به لدى الأفراد و المؤسسات و التعامل الخاطئ معه لمؤشر خطر و انتكاسة على المدى البعيد للمجتمع عامة مؤسسات و أفراد و شركات

الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده وبعد
بين يدي الموضوع
نظراً للنتائج المؤثرة المستقبلية على الفرد و على المجتمع ككل من التطبيق لفكرة التأمين التعاوني فإن الحاجة ماسة لتناوله و الحقيقة أننا في حاجة لبحث ثري من متخصصين و مفكرين و خبراء وفقهاء لتناول الموضوع بتوسعية أكثر و ننوه هنا أن تناولنا للموضوع و الذي أعتبره سطحياً سيتناول شق التأمين الطبي نظراً لوقوعه تحت بعض مهام عملنا كما أن الموضوع يمثل وجهة نظر كاتبه و لا يؤخذ منه من قريب أو بعيد أي حكم شرعي أو قانوني ؛ أعتذر عن إدراج كلمات إنجليزية و لكنها قد تكون ضرورية لاعتماد الأطراف على تداولها بينهم

مع الشكر

أطراف عقد التأمين الطبي

و إن كان كل طرف له صفة تعاقدية منفصلة فللدقة صح أن نقول أطراف العملية التأمينية وهم

شركة التأمين insurance co) ) ؛ مقدم خدمة التأمين الطبي ( medical-health care- provider) ؛ المؤمن عليه ( Insured person) ؛ يضاف إليهم أحياناً شركة إدارة المطالبات و إعادة التأمين ( claim administrator & reinsurance co يشرف على الجميع جهة مثل هيئة الضمان الصحي بالسعودية مثلا

تغالطني في العدد باغالطك في الكيل ( المدخلات )

من المؤسف أن يكون هذا المثل يصلح أن يكون عنوانا لما يتم في الغالب الأعم في سير العملية التأمينية و أصل هذا المثل أن طحانا يبيع طحينه بالكيلة فكان المشتري يعد و ينقص العدد و الطحان يرى ذلك و يعرف أن المشتري يأخذ عشرة مثلا و يعد سبعة و لا يبالي بل يضحك منه لأنه أصلاً قد غير من سعة حجم الكيلة التي يكال بها فجعله ثلثي ما يجب وهذا ما ينطبق على مجريات التعاقد و العقود بين أطراف العملية التأمينية

فشركات التأمين ( بعضها ) عند تعاقدها مع مقدم الخدمة يتذاكى مديرها أو القائم بالتعاقد لفرض أبخس الأسعار و إلزام مقدم الخدمة بأقصى حدود الإجراءات سواء عند تقديم الخدمة و طلب الموافقة الـ ( approval ) ثم التعنت في قبول المطالبة الـ ( claim ) و إمطاره بوابل من الـ ( rejection's ) المرفوضات و التي يكون الأغلب الأعم فيها تعنتاً لا مبرر له ( أحيانا ترفض المطالبة لخطأ حسابي بسيط في فاتورة )؛ و يفخر مسئول التعاقد بما أبرمه و ما توصل إليه من سعر بخس بل أحياناً ما ينشر ذلك على مستوى الشركات المنافسة ومن جانبه مقدم الخدمة فإنه يقبل السعر و الشروط على كل الأحوال و يعلم ماذا يفعل ليعوض ذلك بل و يزيد ولسان حاله يقول ( أحشف و سوء كيلة ؟؟!!) و الحشف التمر الردئ يعني ألا يكفي أن تبيعني حشفا ( السعر البخس ) و أيضا سوء كيلة ( المرفوضات ) و أصبحت العملية هي تسابق و استعراض للفهلوة ( مصطلح متطور للنصب و السرقة) فيقوم مقدم الخدمة بـ

- - عمل خدمات وهمية وتوقيع المريض عليها أو تقليد توقيعه

- عمل خدمات غير مغطاة من شركات التأمين (- not covered) لإرضاء المريض و تدوين الخدمات المغطاة وتوقيع المريض عليها

- - النصابون المحترفون يقومون بأخذ بطاقات المرضى و سحب مافيها من رصيد و خاصة إذا قاربت البطاقة على الانتهاء و ارضاء المريض إما بخدمات كمالية أو أدوية و مستلزمات من الصيدلية

- - اللصوص المتمرسون ( ومنهم أطباء للأسف ) يقومون بالاتفاق مع مديري بعض المؤسسات و الشركات المغطاة لسحب جميع بطاقات المؤمن عليهم و ( حرقها – فرقعتها ) أي إنهاء رصيدها

  • بقي المؤمن عليه و المتبادر إلى الذهن أنه المظلوم في هذا الأمر و لكن ( لا يصعب عليك ) هو الآخر بدوره يأخذ نصيبه من الكعكة ( الحرام ) فهو يريد خدمات غير مغطاة و أدوية غير مغطاة بل و يريد خدمة لكل أفراد عائلته الغير مؤمن عليهم و أحياناً الأصدقاء و المعارف فبوليصته هو أيضا قد تذاكى مبرموها فحددوا له الأمراض التي يجب أن يمرضها بل وحد المرض الذي يجب أللا يتعداه و الأدوية الموجودة بـ ..العطارة !
  • المخرجات ( garbage in garbage out )


كان يعلمنا ذلك في الجامعة الأستاذ الدكتور محمد عبد العزيز أبو رمان رحمه الله فكان يقول ماذا تنتظر من المخرجات غير القمامة و مدخلاتك قمامة فإذا كانت تلك مدخلات العملية التأمينية لا شك أن نتائج ذلك كله ينتج عنها ما يلي:

- 1)تدني مستوى الخدمة المقدمة

- 2) خسارة حقيقية و غير حقيقية لشركات التأمين

- 3) عزوف الأفراد عن التعاقد إللا في حال الإلزام ( الأنظمة الرسمية ) فيلجئون لأقل الشركات و أدنى الفئات كأداء شكلي

- 4) خروج مقدمي الخدمة الجيدين الملتزمين و كذلك الشركات المحترمة من المنافسة بل من السوق تفسيراً لقاعدة ( العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق )

- 5) الخسارة الكبرى هي خسارة المجتمع من أمر كان بالإمكان توجيهه لمصلحة الجميع - شركات تأمين – مقدمي خدمة – مؤمن عليهم

- إذاً فالجميع جنى على نفسه واستعجالهم للمنفعة و لو بدون وجه حق حرمهم منها كلية

الحلول**

من وجهة نظري أن الحل تعاوني كما أن التأمين تعاوني بمعنى أنه لا بد من تعاون جميع الأطراف المعنيين بل و الآخرين ماداموا يشملهم المجتمع ولا بد من تأصيل نقاط أساسية

1) 1) نشر ثقافة التأمين التعاوني و نشر الوعي لدى المجتمع و الأفراد

2) 2) السعي لتبسيط إجراءات الموافقات و صرف مستحقات مقدمي الخدمة دون تعنت أو إبطاء كذلك السعي لتبسيط تقديم الخدمة للمؤمن هليه


3) 3) أن لا يقتصر دور شركات إعادة المطالبات و كذلك هيئة الضمان الصحي على سداد المستحقات المتأخرة فقط بل لا بد أن يكون من اختصاصها النظر في المرفوضات و الخلافات في القيمة المستحقة

4) 4) توحيد الأسعار و التعاقدات لجميع شركات التأمين و عقود المؤمن عليهم و مقدمي الخدمة حسب الفئات الموجودة

5) 5) لا مانع من دمج الشركات خاصة الصغيرة لمواجهة الأعباء الضخمة

6) 6) إنشاء جهات رقابية كأقسام جديدة في شركات التأمين لمراقبة سير العملية عند مقدمي الخدمة و هذا من شأنه توفير فرص عمل جديدة

7) 7) تغليظ العقوبات على القائمين بعمليات النصب و التحايل من مقدمي الخدمة و كذلك المؤمن عليهم بالغرامة و الإيقاف حسب نوعية التحايل

8) 8) تدخل الحكومات ليس بالرقابة فقط و لكن بدعم من ينهار من الشركات – خاصة الملتزمة - للخسارة المحققة عندهم ماداموا ملتزمين بأداء واجباتهم و التحقق من ذلك و أتت الخسارة دون إهمال أو تسيب

9) هذا لا يعفي الحكومات خاصة القادرة من توفير الرعاية الصحية لمواطنيها و المقيمين على أراضيها مجانا أو بأسعار رمزية

.. هذا كما يقال غيض من فيض ومعذرة للقصور في التناول و أختم بأن أذكر الجميع كل من أراد الزيادة و الكثرة و التشبع بما لا يحل له بقول الحق عز و جل

{ قل لا يستوي الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبيث }

وكتبه: عبد المنعم شوقي عبد المنعم .. الرياض 17ذو الحجة 1431هـ ...23نوفمبر 2010م