يعتمد النموذج الخاص بتقييم بيئة العمل في المنشآت المشاركة في القائمة على ثلاثة أركان رئيسة، تؤثر بشكل مباشر في الرضا الوظيفي للموظف، وتتمثل هذه الأركان الثلاثة في الرضا عن التطور الشخصي للموظف، وهو في الغالب ناتج عن الدور الوظيفي الذي يلعبه الموظف في المنشأة وما يضيف ذلك له من نمو في القدرات الشخصية والعملية، ويؤثر في ذلك المستوى من الرضا مدى الأهمية التي توليها المنشأة لتدريب وتطوير الموظف وفقا لأفضل الممارسات الإدارية في مجال إدارة الموارد البشرية، وهذا لا يتعلق بحجم المبالغ التي تستثمرها المنشأة في التدريب والتطوير بقدر ما يتعلق بجودة ما يطلق علية الرعاية الوظيفية للموظفين من قبل المنشأة. الركن الثاني هو ما يتعلق بالجانب المادي الذي يتحصل عليه الموظف، والذي يعكس بالدرجة الأولى مدى شعور الموظف بعدالة الأجر الذي يتقاضاه مقارنة بأقرانه من الموظفين في داخل المنشأة وخارجها، إضافة إلى مقدار الجانب التحفيزي الذي يحصل عليه الموظف نتيجة تحقيقه للأهداف المأمول منه تحقيقها ويتعلق الركن الثالث والأخير بثقافة بيئة العمل في المنشأة وهي جوانب غير ملموسة ترتكز على الجو العام للمنشأة بما في ذلك طبيعة التعامل بين الموظف والقيادة الإدارية في المنشأة ومدى الاحترام والتقدير الذي يحصل عليه الموظف، إضافة إلى مدى مشاركته في اتخاذ القرارات المتعلقة بعمله.

ومن واقع تحليلنا لنتائج استبيان الرضا الوظيفي للموظفين السعوديين في القطاع الخاص والذي تم إجراؤه هذا العام ضمن التقييم الخاص بالمنشآت المشاركة في القائمة تبين أن أهم ثلاثة عوامل من حيث ارتباطها الوثيق بالرضا العام عن بيئة العمل للموظفين السعوديين في المملكة تتعلق بشكل خاص بالركن الثالث من أركان بيئة العمل المثالية، وهو الجانب المتعلق بثقافة بيئة العمل. ومن هذه العوامل مدى الأخذ بآراء الموظفين عند اتخاذ القرارات من جانب الإدارة، ومدى تشجيع القيادة الإدارية للمنشأة للجوانب المتعلقة بالابتكار والابداع في تنفيذ العمل، إضافة إلى مدى التقدير المعنوي الذي يحصل عليه الموظف من إدارة المنشأة نظير الجهود التي يقدمها بعيدا عن المردود المادي الذي يناله. وتأتي أهمية هذا الجانب على المستوى العام للرضا الوظيفي في المنشآت في المملكة إذا ما نظرنا إلى التركيبة السكانية للمملكة التي يمثل الشباب من سن 21 إلى 30 سنة نسبة كبيرة منها، حيث اتضح من واقع تحليل نتائج الاستبيان ضعف مستويات الرضا الوظيفي في أوساطهم مقارنة بالفئات العمرية الأخرى.

المنشآت المدرجة في القائمة تميزت بعملها بشكل متوازن في بناء الأركان الثلاثة لبيئة العمل فيها مع وجود النظرة الاستراتيجية التي توائم بين الأهداف العامة للمنشأة وبيئة العمل فيها. وأبرز ما يميز هذه المنشآت هو القيادات الإدارية المتميزة فيها، فمن واقع الأبحاث التي أجريناها خلال السنوات الأربع الماضية من عمر القائمة، تبين أن القيادة الإدارية هي العامل الحاسم نحو بناء بيئة العمل المثالية في المنشآت وتشكل هذه القيادة العامل المشترك بين المنشآت الرائدة في بناء بيئات العمل المثالية في المملكة، حيث تسهم في إرساء مبادئ الشورى والعدل والتحفيز المعنوي الفعال في بيئة العمل. وبالإضافة إلى القدرات القيادية العالية، تميزت بيئة العمل في المنشآت الرائدة بتبني الممارسات الحديثة في مجالات إدارة الموارد البشرية المختلفة بما في ذلك التدريب والتطوير المستمر للقدرات وإدارة الأداء الوظيفي والإدارة الاستراتيجية للرواتب والأجور والبدلات والمكافآت المالية وغير المالية. كما اشتركت المنشآت الرائدة بوجود مستوى عالِ من التواصل الداخلي بين الموظفين أنفسهم وبين الموظفين والإدارة من خلال تنفيذ عديد من برامج التواصل الداخلي المتميزة والمنظمة.

وختاما، مما لا شك فيه أن هناك عديدا من التحديات التي تواجهها منشآت القطاع الخاص في المملكة في طريقها نحو تطوير بيئة العمل فيها إلا أن على القيادات الإدارية في هذه المنشآت اتخاذ الخطوات الفعلية نحو السير في هذ الطريق إذا ما أرادت تحقيق مستويات الأداء المأمولة منها، فالكل يتفق على أن العنصر البشري هو أساس تحقيق كل نجاح بعد توفيق المولى ــ عز وجل.