القيم الانسانية
أن عقل الإنسان وفكره وما ينتج عنهما من ابداع هو المصدر الاساسى لرأس المال الفكري ووهناك نوع اخر من انواع رأس المال يطلق عليه رأس المال الاجتماعى , وهو يعنى قدرة المجتمع على الارتقاء ذاتيا من خلال تكامل مجهودات وعطاء أفراده دون التزام بقوانين وانما نتاج اقتناع كامل بضرورة المساهمه فى نهضة المجتمع , على ذلك فان رأس المال الاجتماعي مصدره الاساسى هو التنظيم المبنى على القيم الانسانيه , والمتأمل لمسيره الحضاره الانسانيه على مر التاريخ سيرى ان المجتمعات التى استطاعت ان توجد منظومه مستنده على قواعد قيميه , كانت الأكثر حظا في التفوق على غيرها من المجتمعات المعاصره لها , وان كان هناك استثناء فى بعض مراحل التاريخ الانسانى فلا تعدو عن كونها شواذ القاعده , وحتى وقت ليس بالبعيد لم يكن فى محيط النظريات الاقتصادية الحديثه او القديمه اى تنظير يشمل مجموعة القيم والأخلاق الاجتماعيه كمساهم في عملية التنمية ، ولم تعترف تلك النظريات الا بالمعايير المادية البحتة فى صياغات التنميه مثل متوسط دخل فرد ، والناتج القومي الإجمالي ، ومقدرة الدولة على زيادة الإنتاج بمعدلات اعلي من معدلات النمو السكاني , وغاب فى الفكر الاقتصادى البعد الإنساني فى علاقته بالتنمية ، وعلى الرغم من ان المجتمعات المتقدمه قد اخذت بمبدأ القيم الاجتماعيه الا ان ربط تلك القيم بالنظريات والمذاهب الاقتصاديه قد تاخر كثيرا فى الادبيات الاقتصاديه , وان بدا فى الافق بعضا منها مثل ما يعرف بالمسئوليه الاجتماعيه للشركات والذى يعنى فى مجمله ان تلعب الشركات دورا فى تنمية مجتمعاتها من خلال ما تقدمه من مال او جهد او مشوره فى تنمية بعض الفئات الغير قادره او البذل لبعض المجالات التى تقصر عنها جهود الدوله اوالتناغم مع امال الامه فى اتمام مشروعات مصيريه تدفع بها قدما الى الامام , ولا يتوقف الامر عند الشركات فقط بل هو مزيجا متكاملا فى كل نواحى الحياه , تقوده مجموعة من القيم والأخلاق الاجتماعية بما يسهل عمليات التفاعل الاقتصادي والسياسي على المستوى المؤسسى والفردى بما يشكل بنية أساسية للعلاقات الاقتصادية والسياسية والتنظيميه ، حيث تتجسد القيم والأخلاق من خلال هياكل وبنى اجتماعية لصالح كل افراد المجتمع مدعمه لمصالحهم ومقويه لتماسكهم , فتصبح الحياه ليست قاصره على تبادل السلع فقط ، بل يشملها تعزيز دور الموطنين كافراد او جماعات فاعله فى مجتمعاتها , فتتراكم فى المجتمع قيم التنظيم والعدالة والشفافية واحترام الآخر والنفع العام والمحافظه على مكتسبات الامه , فيصبح المجتمع قادرا على التغلب على مشكلاته الواحده تلو الاخرى , ومن الطبيعى ان ينتج ذلك تقوية للثقة في عمليات ومؤسسات التبادل الاقتصادي وبالتالى يزيد من كفاءتها وسرعتها، كما أنه يخلق علاقة قوية بين الدولة والمجتمع يمكن من خلالها مد جسور التفاهم المؤسسي للاشتراك فى تحديد الأهداف والسياسات المتعلقه بالتنمية , فالتبرع بالأموال لدعم المؤسسات والجهات التي تفيد المجتمع وكذلك التطوع بالوقت والجهد للمشاركة في بناء المجتمع هي اليوم من المسلمات فى كثير من البلدان المتقدمه.
*خبير مالى واقتصادى وادارى .

أ . محمود أبو الوفا