[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]
هناك ابتكار مبدع، وابتكار ذكي، وابتكار غبي. الابتكار المبدع يتفوق على كل المستويات: يسبق المنافسين، ويؤسس لصناعة جديدة ويفتح أسواقًا وليدة، ويبدع تقنيًا، ويحقق أرباحًا ضخمة، والأهم هو أن يلبي احتياجات العملاء.

والابتكار الغبي قد يسبق المنافسين، ويفتح أسواقًا جديدة، وينطوي على إبداع علمي، ويحقق نتائج مالية سريعة، لكنه لا يلبي احتياجات العملاء، ولهذا نصمه بالغباء. فما فائدة أن تسبق المنافسين وتخسر العملاء، وما فائدة أن تؤسس لصناعة جديدة وتحقق اكتشافات علمية، ثم تخسرها لصالح المنافسين الذين يتوثبون لاقتناص الفرص؟

تنافس شركة "طيران الإمارات" دائمًا على أحد المراكز الثلاثة الأولى عالميًا، وهي ثالث أكبر شركة في العالم، ويكاد لا يجاريها في الجودة في آسيا سوى "الطيران السنغافوري" و"الخطوط القطرية". ونظرًا لدقة مواعيدها، واتساع رقعة شبكتها، وعروضها التسويقية المتواصلة، وروعة مطارها، وطائراتها المصانة والمحدثة دائمًا، وبرامجها الترويجية وجوائزها، فإن معظم أسفاري تتم على متن طائراتها.

ولأن النجاح خادع أحيانًا، فإن "طيران الإمارات" بدأت ترتكب أخطاء واضحة لا يحتاج اكتشافها إلى ذكاء، بل إلى إصغاء. فنظرًا إلى الضغط الشديد في المواسم على حجوزاتها، عمدت الشركة إلى تضييق الممرات الواقعة بين المقاعد بشكل مزعج. ويمكن القول بأنه لا توجد شركة طيران أخرى ضيقت المسافات الفاصلة بين صفوفها مثل "الإمارات". فمن الواضح أن المصممين والمشغلين اتفقوا على زيادة عدد المقاعد على حساب راحة الركاب لأن المقاعد ضيقة أيضًا إلى درجة أن المسافر طويل القامة يجلس القرفصاء طوال الرحلة.

من الابتكارات الغريبة أيضا ما صنعه "كوستا كافيه" بفناجين قهوته و#####ه. ففي سعيه إلى مخالفة المألوف، عمد مصممو الفناجين وال##### إلى صنع فناجين تشبه أواني الحساء (سلطانية الشوربة). تصنع ##### الشوربة واسعة لكي يبرد الحساء بسرعة، وتكون أكواب القهوة ضيقة كي يبقى المشروب ساخنًا. وهناك خطأ أفدح في طبق الفنجان، فقد جاء التجويف الذي يوضع فيه الفنجان في طرف الطبق، لا لشيء إلا ليكون مختلفًا. ومن الغريب أن الآلاف من موظفي "كوستا" لم ينتبهوا إلى أن حامل الفنجان قد يفقد التوازن بسبب انحراف قاعدة الفنجان عن مركز الطبق. ولهذا يزداد احتمال سقوط الفنجان كلما سار حامله مسافة أطول، وفي فترات الازدحام، ومع نهاية ساعات العمل.

أما شركة "بي كيو" للمقاهي فقد جاء ابتكارها أكثر غباءً وغرابة من "كوستا"، فكما جاءت فناجين "كوستا" ك##### الحساء الواسعة، استخدمت "بي كيو" نفس الفناجين تقريبًا، ولكنها تركتها صماء وعمياء وبلهاء وعرجاء. فقد خلعت عن فناجينها الآذان والأيدي، وصار عليك كعاشق وشارب للقهوة الساخنة أو المثلجة أن تمسك الفنجان بكلتا يديك يا "شاطر". فلكي تشرب قهوة "بي كيو" اللذيذة عليك أن تحرق يديك، أو تسكب القهوة وتكسر الفنجان بين ساقيك.

لذا ورغم شغفي الشديد بالقهوة الطازجة، فإنني أقلعت عن زيارة "كوستا" و "بي كيو". وربما يفعل كثيرون في الشرق والغرب ذلك. فرغم شكوى الزبائن وتندرهم، لم تتخل هذه الشركات عن ابتكاراتها الخاطئة. فهي ترى بآذانها، وتسمع بعيونها، وتفكر بالمقلوب؛ فالاختلاف لا يعني التميز إلا إذا كان اختلافًا لصالح العملاء لا معهم.

نسيم الصمادي