على الرغم من المحاولات اليائسة لتحسين الصورة
تداعيات العدوان على غزة.. اتساع مشاعر الكراهية للدولة العبرية عالميًّا تقرير




أكدت تقاريرُ صحفيةٌ صهيونيةٌ وأمريكيةٌ اتساع مشاعر الكراهية للكيان الصهيوني على الساحة الدولية، خصوصًا بعد حربه الأخيرة على قطاع غزة، بناءً على استطلاعات الرأي العام العالمي وصورة الكيان في وسائل الإعلام الغربية وعلى شبكة الإنترنت؛ الأمر الذي دعا قادة الكيان إلى تخصيص موازنات مالية إضافية في محاولةٍ منهم لتحسين صورته.


ميزانية إضافية
وقد تحدَّثت صحفٌ أمريكيةٌ عن تخصيص وزارة الخارجية الصهيونية مليونَي دولار إضافيين لتحسين صورة الكيان الصهيوني بالخارج عبر انتهاج ما سمَّته الصحيفة "الدبلوماسية الثقافية والإعلامية".
وكسببٍ مباشرٍ، ربطت صحيفة "نيويورك تايمز" بين اتساع نطاق العداء للكيان الصهيوني وما سمَّته "الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين الفلسطينيين"؛ ما أدى إلى استشهاد عددٍ كبيرٍ في صفوف المدنيين، ولا سيما الأطفال والنساء.
أما على المستوى البعيد فقد عزت الصحيفة ما وصفته بفقدان التعاطف مع الكيان في الخارج إلى جملة أمور؛ من أهمها احتلالُه أراضيَ 67 الفلسطينية مدةً وصلت إلى أربعة عقود، وتوطين نحو نصف مليون يهودي فيها، وخنقُه غزةَ اقتصاديًّا طوال السنوات القليلة الماضية.
انزعاج صهيوني من محرك "غوغل"
وعلى نحوٍ متصلٍ، أشار تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية قبل أيام إلى أن وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال المنصرفة تسعى إلى تحسين صورة الدولة العبرية على شبكة الإنترنت، بعد أن اكتشفت مؤخرًا أن ذاكرة باحث الصور "غوغل إيميدج" التابع لمحرك البحث العملاق "غوغل" أصبحت تسمح للآخرين بما زعمت أنه إساءةٌ إلى الكيان من خلال نشر صورٍ لجرائمه الوحشية بحق الفلسطينيين، وهو ما يستدعي "العمل من أجل تعديلها"، حسب رأي الوزارة.
ويوضح التقرير أن استعمال باحث الصور "غوغل إيميدج" باستخدام كلمة "إسرائيل" ينتهي إلى تدفُّق العديد من الصور التي ُتظهر آثار الدمار الذي خلَّفته آلة الحرب الصهيونية في حربها على قطاع غزة، بالإضافة إلى ظهور صور لمفاعل "ديمونة" النووي.
وحسب ما بيَّنه التقرير، فقد تبيَّن للخارجية الصهيونية أن العديد من الدول َترتبط في ذاكرة "غوغل إيميدج" بالأماكن الشهيرة الموجودة فيها؛ فمثلاً يُظهر البحث باستخدام كلمة "المملكة المتحدة" العديد من الصور التي تم التقاطها لساعة "بيج بن" الشهيرة، فيما يُظهر البحث بواسطة كلمة "فرنسا" صورًا لبرج "إيفل" أو صورًا لكاتدرائية "نورت دام"، أما كلمة الأردن فتُظهر صورًا لمدينة البتراء، في حين ارتبطت ذاكرة باحث الصور "غوغل إيميج" الخاصة بكلمة "إسرائيل" بصور الدمار في قطاع غزة بشكلٍ واضحٍ.

إنقاذ "السمعة الإلكترونية"!
وفي محاولةٍ لإنقاذ ما وصفته وزارة الخارجية الصهيونية بـ"سمعتها الإلكترونية"؛ تسعى إلى "رد الهجوم"، بالعمل على تعديل ذاكرة باحث الصور "غوغل إيميدج"؛ حيث ستقوم بحشد فريقٍ من المختصين في مجالي الأفلام والصور الفوتوغرافية قادمٍ من الولايات المتحدة الأمريكية ليعمل على التقاط صورٍ تبرز مناطق مميزة داخل الخط الأخضر، ومنها مدينتا عكا والجليل، ليتم تلقيمها محرك البحث "غوغل"، كما في تقرير الصحيفة العبرية.
كما أشارت إلى أنه سيتم تزويد المواقع الإلكترونية البارزة بتلك الصور، ومنها و"يكيميديا"، و"يكيبيديا"، و"فيس بوك"، و"تويتر"، و"فليكر" وغيرها، بالإضافة إلى العديد من المدونات، وبشكلٍ مجانيٍّ.
وكانت الخارجية الصهيونية قد تقدَّمت باحتجاجٍ إلى محرك "غوغل" لسماحه بتضمين صور الدمار الذي خلَّفته حربها على غزة في صفحات "غوغل إيميدج" خلال بحثه عن كلمة "إسرائيل"، حسب الصحيفة، إلا أن إدارة "غوغل" أوضحت أن المستخدمين يلقِّمون المحرِّك ما يرغبون من الصور، وأنها لا تتحكم بهذا الأمر.
لكن الصحافة الغربية خلصت إلى أن المساعيَ الصهيونية إلى تدارك ما لحق بصورة الكيان الذهنية أو سمعته عبر وسائل الإعلام الدولية وفي استطلاعات الرأي، لن يجديَ نفعًا طالما أن سياساته لم تتغيَّر؛ فقد توصَّلت "نيويورك تايمز" الأمريكية إلى أن المبالغ التي ستخصِّصها خارجية حكومة الاحتلال "لتلميع" صورتها "لن يغيِّر في الواقع شيئًا"؛ لأن المشكلة ليست في الصورة، بل في السياسة التي يضطلع بها هذا الكيان.

صبرٌ بلغ منتهاه!
واعتبر أكاديميٌّ بريطانيٌّ يهوديٌّ أن حربَ الكيان الصهيوني الأخيرة على قطاع غزة زادت من موجات الكراهية والهجمات الموجَّهة ضد اليهود والمنشآت اليهودية والصهيونية في العالم.
وأوضح أستاذ الفلسفة بجامعة أكسفورد البريطانية البروفيسور "بريان كلوجش"، أن عملية "الرصاص المصبوب" في غزة برهنت كغيرها من العمليات العسكرية الصهيونية ضد الفلسطينيين، على وجود ارتباطٍ طرديٍّ بين تنامي المظاهر المختلفة للعداء لليهود وتوتير الدولة العبرية للأوضاع في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أنه توقَّع في كتابٍ أصدره في 2003م "أن مواصلة "إسرائيل" سياستها الاحتلالية ضد الفلسطينيين تعرِّضها لكراهيةٍ شديدةٍ في العالم من المعادين للسامية ومن شرائحَ واسعةٍ من عامة الأفراد الذين أوصلت الدولة العبرية صبرهم إلى منتهاه"؛ فممارسات الاحتلال الفاشلة تسبَّبت في إفقاد الكيان أصدقاءه في أماكن كثيرة، حسب قوله.

شهادات إدانة لمنظَّمات إنسانية وحقوقية
وبرأي مراقبين فإن من الأمور التي لعبت دورًا مهمًّا في إظهار الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني، الذي يمارس سياسة التوسع واغتصاب الأراضي والعدوان، وتغيير الصورة الذهنية المغلوطة لدى الرأي العام العالمي عنه باعتباره دولةً ديمقراطيةً تحترم حقوق الإنسان ولا تلجأ إلى القوة إلا للدفاع عن نفسها، هي الشهادات والإحصاءات التي صدرت عن مؤسساتٍ إنسانيةٍ أمميةٍ وحقوقيةٍ دوليةٍ، وتم الكشف بموجبها عن جرائم الاحتلال التي ارتكبها في عدوانه على غزة، إضافةً إلى ما تسرَّب من داخل المؤسسات الصهيونية في هذا الصدد، والدور الذي لعبته وسائل إعلام عربية، وفي مقدمتها قناة "الجزيرة" في تسليط الضوء عليها ومنها:
- شهادات الضباط والجنود الصهاينة (يوم 13-2 في أكاديمية "أورانيم" العسكرية، ونشرتها الصحف العبرية قبل أيام) تحدثت عن جملة أمور:
* تعمدهم قتل مدنيين فلسطينيين بدمٍ باردٍ بناءً على تعليماتٍ صريحةٍ من قادتهم ومن حاخامات جيش الاحتلال، مع ضرب أمثلةٍ محددةٍ عن قتل نساء وأطفال ومسنِّين.
* إطلاق النار بدون مبررٍ أو قيودٍ على المدنيين الفلسطينيين؛ بهدف إخلاء البيوت ومن دون تحذير السكان سلفًا.
* تفشِّي مشاعر احتقارٍ عميقٍ للفلسطينيين، مثل أخذ صور عائلات فلسطينية والبصق عليها، وإحراق كل شيء يذكِّر بالأسر الموجودة هناك.
* تدمير الممتلكات لإخفاء السرقات، أو لمجرد أنه بالإمكان القيام بذلك.
* كما أشارت إلى تحريض حاخامات جيش الاحتلال الذين اعتبروا أن الحرب دينية، ودعَوا الجنود إلى القتال من "أجل طرد الأغيار" و"اجتثاث" غير اليهود لإعادة احتلال "الأرض المقدسة"، في إشارةٍ إلى غزة التي سحبت الدولة العبرية قواتها منها في صيف عام 2005م بعد أن صارت عبئًا عليها.

جرائم حرب
- اعتبار مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فولك (وهو أكاديميٌّ يهوديٌّ) الهجوم العسكري لقوات الاحتلال على المناطق المزدحمة بالسكان في قطاع غزة، يشكِّل على الأرجح جريمةَ حربٍ خطيرةً؛ حيث أشار إلى أن اتفاقيات جنيف تتطلَّب من الدول المحارِبة أن تميِّز بين الأهداف العسكرية والمدنيين المحيطين بها، منوِّهًا بأنه في حال "تعذر عمل ذلك فإن شن الهجمات يكون غير قانونيٍّ أصلاً، ويشكِّل فيما يبدو جريمة حرب على أكبر قدرٍ من الجسامة بموجب القانون الدولي"، وأن حرمان الناس من حق الفرار من منطقة الحرب كلاجئين ربما يشكل أيضًا جريمةً ضد الإنسانية.
وحسب تقديرات "فولك" وعددٍ من المنظَّمات المعنيَّة بحقوق الإنسان المحلية والدولية، فإن إجمالي عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا في الحرب الأخيرة على غزة بلغ 1434؛ بينهم 960 مدنيًّا، أي حوالي 70%، وهي نسبةٌ ضخمةٌ تكشف عن مدى الجرائم الصهيونية التي ارتُكبت بحق السكان الفلسطينيين، وتشير الإحصاءات إلى أن بين الشهداء الفلسطينيين المدنيين 437 طفلاً عمرهم أقل من 16 عاماً، و110 نساء و123 مسنًّا، فضلاً عن 14 طبيبًا وأربعة صحفيين.

تعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته
- مطالبة منظَّمات صهيونية مدافِعة عن حقوق الإنسان بإجراء "تحقيق مستقل" في "جرائم الحرب" التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة إثر إفاداتٍ جديدةٍ لجنود صهاينة أشارت إلى إطلاق نارٍ على مدنيين، وقد اعتبرت عشر منظَّمات؛ بينها "بتسيلم" و"جمعية الحقوق المدنية"، في بياناتٍ، أن قرار المدَّعي العام العسكري فتح تحقيقين بخصوص مقتل مدنيين فلسطينيين لا يوفِّر الضمانات للموضوعية اللازمة.
وقبل ذلك -أي بعد انتهاء الحرب الصهيونية على قطاع غزة- أشارت تقارير منظَّمات تابعة للأمم المتحدة ومنظَّمات حقوقية وإنسانية دولية إلى جرائم أخرى كلها أو بعضها ترقى إلى جرائم حرب وإبادة جماعية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
* استخدام الفسفور الأبيض في المناطق الآهلة بالسكان.
* قصف مدرسة تابعة لـ"الأونروا" في جباليا شمال قطاع غزة كان قد التجأ إليها مئات الفلسطينيين هربًا من القصف؛ مما أسفر عن استشهاد 34 فلسطينيًّا.
* منع وصول المساعدات الطبية إلى الجرحى، وعرقلة سيارات الإسعاف الفلسطينية من الوصول إليهم.
وفي المقابل فإن الشعب الفلسطيني نال قسطًا كبيرًا من التعاطف غير المسبوق، والمناصرة والدعم لقضيته على المستوى الدولي؛ بسبب افتضاح صور الجرائم التي عانى منها على يد الاحتلال نتيجةً للحصار الجائر والحرب العدوانية الأخيرة ضده.