فى فيلم أمريكى قديم كان العمل يجر فى إنشاء سد على نهر المسيسبى سيحجز مياهه فى إحدى المناطق فتغرق جزيرة صغيرة وسط النهر ، و تطلب الأمر تهجير سكان الجزيرة القلائل و نقلهم إلى مساكن بديلة فى منطقة بعيدة ، و تم تهجير كل السكان و بقيت سيدة عجوز تعيش وحيدة فى بيت خشبى صغير مع كلب و بضع دجاجات و خروف رفضت باصرار هجر كوخها و الانتقال إلى الشقة السكنية التى و فرتها لها الولاية .. و استمر العمل فى بناء السد... و ارتفع منسوب المياه حتى كاد يبتلع الجزيرة و كوخ السيدة العجوز و هى ما زالت ترفض مغادرته و تتصدى لرجال الشرطة حتى لم يعد هناك مفر من ترحيلها بالقوة ، و أعد مأمور المدينة حملة من رجال الشرطة لنقلها و هدم كوخها لكن باحثا اجتماعيا شابا كان زار السيدة مرارا محاولا اقناعها بالرحيل ، طلب من المأمور أن يعطيه فرصة أخيرة لمحادثتها .. وركب زورقا إلى الجزيرة ، و جلس إلى السيدة و لم يحدثها عن الرحيل لكنه طلب منها أن يشاركها شرب القهوة و احتسى فنجانا وراء فنجان و هو يحدثها عن طفولته و كيف نشأ يتيما وحيدا فلم ير أمه و لم يعرف عطف الأمهات و كيف أنه وجد نفسه مطالبا فى النهاية بأن يتقبل أقداره و يتوافق معها و إلا جرفته أمواج الحياة ، ثم قال لها أنه يحس تجاهها بالألفة و الاحترام و يظن أن هذا هو نفس الإحساس الذى كان سيحسه تجاه أمه لو كانت له أم .. و أنه يلتمس لها العذر فى رفضها الانتقال من الجزيرة لأنها عاشت فيها كل حياتها لكنه يتساءل هل من الممكن أن تقبل الانتقال إلى الشقة الجديدة لكى يستطيع أن يزورها مرة كل أسبوعين ليطمئن عليها و يتبادل معها الحديث و يتناول معها فنجانا من القهوة .. لأنه مثلها وحيد و لا يجد من يهتم بأمره ؟
فإذا بالسيدة العجوز العنيدة تلين .. و تنهض معه لتجمع حاجتها و تنتقل معه إلى المسكن الجديد .. و كانت اللحظة السحرية التى حطمت عنادها هى اللحظة التى استشعرت فيها صدق تعاطفه معها .. و تقديره لظروفها ووحدتها .. لأننا جميعا نتلهف على عطف الآخرين رجالا و كبارا و نسعد بأن يبدى الآخرون تعاطفهم معنا و تقديرهم لظروفنا .. و لا فرق فى حاجتنا للعطف و الحنان بين النساء و الرجال .. و لا بين النساء و الرجال .. ولا بين المشاهير و المغمورين و لا بين عظماء الناس و التافهين منهم و لا بين القساة غلاظ القلوب و الرحماء منهم