يقول الحكيم الصيني ( كيواه تزو ) في القرن الخامس قبل الميلاد : إذا كنت تخطط لسنة فاغرس بذرة ، و إذا كنت تخطط لعشر سنوات فازرع شجرة ، و إذا كنت تخطط لمئة عام فعلّم إنساناً ، لأنك عندما تزرع بذرة واحدة فإنك تحصد محصولاً واحداً ، و عندما تعلّم الناس تحصد مئة محصول .
يشير مفهوم رأس المال إلى موجودات و قدرات ستنتج مردوداً أو دخلاً في المستقبل ، و العنصر البشري لا يقل أهمية عن رأس المال المادي في عملية إنتاج المنافع ، إن مستقبل البشرية لا يعتمد على المدى المكاني أو الزماني ، و لا على الطاقة ، و لا على الأراضي الممكن زراعتها و إنما على تنظيم هذا المستقبل الكامن في الذكاء الإنساني و تقدم المعرفة .
يقول أحد المفكرين : إن أفضل استثمار هو الاستثمار في المادة الرمادية في الدماغ البشري ، و أن الهوة بين الدول النامية و المتقدمة هي بسبب تنظيم استخدام العقل البشري و توظيفه التوظيف المثمر ، كما أن المعركة الاقتصادية القادمة بين الدول المتقدمة ستعتمد على التكنولوجيا و المعرفة ، أي ستعتمد على القوة العقلية محل الميزات النسبية الناتجة عن المصادر الطبيعية و الغنى الموروث ، و حتى الدول الغنية ستحافظ على غناها بسبب التعليم .
لقد نطور مفهوم رأس المال البشري عبر الزمن ، و مر بمراحل عديدة حتى تبلور و استقل في أوائل الستينات من القرن العشرين كفرع جديد يدمج بين التربية و التعليم ، و قد وُجهت انتقادات كثيرة إلى مفهوم رأس المال البشري لأنه يحاول الحط من شأن التربية ، فهي ظاهرة إنسانية رفيعة فوق الحساب و التقدير المادي ، و قياسها اقتصادياً هو إنكار لطبيعتها ، بل أن هذه الانتقادات جعلتهم يعترضون على تسميته بعلم معتبرين أنها محاولات من قبل علم الاقتصاد لتطبيق أدواته على التربية و التعليم .
إن التربية و التعليم كلاهما عملية ثقافية بمفهومها الشامل ، و هو مفهوم لا يتعارض مع القيم الاقتصادية ، فالثقافة أيضاً لا تخرج عن كونها طرائق الناس في الحياة الاجتماعية و من ضمنها طرائق الناس في كسب معيشتهم ، و هو جانب اقتصادي و ثقافي في آن معاً .
و لذلك أصبح من الضروري الاهتمام برأس المال البشري و صيانته عن طريق التدريب و الصحة و العناية به من أجل تنمية الأفراد و المجتمع و دفع البلاد نحو التقدم و الازدهار .
المصدر : مجلة الزراعة ، و تصدر عن وزارة الزراعة و الإصلاح الزراعي في سوريا .