تحفيز على رأس العمل
تحفيز الباحثين عن العمل أمر محمود، وتفهّم عميق من ولي الأمر لمعاناة الشباب، ويبقى على وزارة العمل تحفيز آخر، هو تحفيز من هم على رأس العمل، وأقصد بذلك من يعملون في وظائف صعبة نسبياً بأجور لا تزال منخفضة، وصعوبتها ليس لأنهم يحفرون الصخور، أو يردمون البحر، صعوبتها تكمن في مجتمعهم بدءاً بأقرب الأقربين لهم.
ما لم توجد الوزارة أنظمة تشجع الشباب على الانخراط في وظائف المؤسسات الصغيرة والمحال التجارية التي أكرر دوماً أن فيها مليون فرصة عمل، وليس فرصة توظيف، فستظل تلاحق الوضع، لأن مشكلتها ليست في المليون عاطل وعاطلة الحاليين، مشكلتها تتفاقم مع كل شاب أو فتاة يصل إلى عمر 18 ولا يجد فرصة تعليم أو ابتعاث، ومع كل خريج من أي نوع لا يجد وظيفة.
لا أعرف سبباً مقنعاً يمنع الوزارة من الرفع لوزارة الداخلية مثلاً بتحديد ساعات العمل إجبارياً في المحال غير الضرورية لحياة البشر، ولماذا لا ترسخ ثقافة حضارية بإقفال المحال مبكراً، فيستطيع العامل فيها ممارسة حياته، والتزاماته الاجتماعية التي نعرفها.
يقول شاب التقيته في إحدى المناسبات: «عملت في ثلاث مؤسسات صغيرة تعمل في قطاع التجزئة، يظل المحل مفتوحاً حتى منتصف الليل، يهاتفني والدي يطلب حضوري لأمر مهم، فأترك العمل، وإذا تكرر ذلك يطلبون مني ترك العمل، بينما أصدقائي في الشركات الكبيرة لديهم دوام محدد ومعروف وإجازة أسبوعية يومان، فيقدرون على تلبية التزامهم الاجتماعي». تساءلوا معي أيهما أربح: ألفا ريال يتسلّمها من الحكومة، أو محل تجاري يمكنه مضاعفة دخله مرات عدة؟ هو يلجأ للأول لأن الثاني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستمر فيه في ظل منافسة غير عادلة.
ساعات العمل تمتد إلى 18 ساعة يتناوب الثلاثة أو الأربعة أجانب عليها، في محل نعرف وتعرف الحكومة أنه ملك لهم، وعندما تضغط عليهم وزارة العمل في نطاقاتها الملونة يقومون بتوظيف سعودي «من منازلهم» ويعطونه مالاً وهو في بيته يكرّسون فيه الاتكالية والكسل، فيصبح شريحة كبيرة من الشباب إما مستفيدين من إعانة «حافز» أو من ضريبة العمالة التي يدفعونها بكل بساطة لأنها تتيح لهم الكسب في بيئة غريبة عملياً.
افتتاح المحال وغيرها حتى منتصف الليل سوغ الحياة الليلية للمجتمع، وأصبح العاملون الرابحون في كل المهن والوظائف يعيشون النهار منتجين، وبعض شبابنا يعيشون الليل يحلمون بقبولهم في برنامج حافز، أو استقطابهم من متحايل على التأمينات الاجتماعية وأنظمة العمل.
أجد مسافة تعجب كبيرة وأنا أتحدث إلى الفتى الذي قدم من جزيرة فرسان على «وانيت» بالكاد يمشي، وذهب إلى وادي الدواسر واشترى حملة بطيخ وظل ليومين يبيعها ليلاً ونهاراً في طقس قاسٍ وملاحقة من البلدية، وأتأمل كيف يمكن أن يكون مثل هذا لا يصلح للعمل في القطاع الخاص؟


mohamdalyami@gmail.com
mohamdalyami@