يهدف 'نظام تأديب الموظفين' في الوظائف الحكومية والأهلية إلى ضبط الأداء الوظيفي وعدم الخروج من منظومة أهداف المنشأة نحو تحقيق مساعيها بالوصول إلى أعلى سقف طموحاتها، مع الحرص على عدم الإضرار بمصلحة الموظف المطالب أن يكون مُلماً بكافة الإجراءات المُتّبعة لتأديبه في حال استدعى الأمر ذلك.
وتبرز أهمية حصول الموظف على حقوقه الوظيفية والمعنوية قبل إخضاعه للمساءلة والعقاب بواسطة نظام يحتاج إلى تطوير ليكون ملائماً للمرحلة الحالية، وفقاً لما أكده مختصون في تحقيق 'الرياض' التالي.
«العقوبة المعنوية» من «التهميش» و«كف اليد» أقسى من «الإنذارات».. ونتائجها أفضل
نظام الجزاءات
بدايةً، وصف 'عبدالله الحربي' -مدير عام شركة باج للاستشارات الإدارية- جملة 'تأديب الموظف' القاسية، إلى جانب عدم استخدامها في القطاع الخاص، مفضلاً تسميتها بنظام الجزاءات؛ كونه جزءاً لا يتجزأ من 'نظام العمل'، منوهاً بضرورة تطوير هذا النظام على وجه السرعة لا سيما أنه غير مفعل بطريقة جيدة -على حد قوله، فضلاً عن أن النظام استحدث قبل عشر سنوات تقريباً عندما تم تحديث نظام العمل السعودي.
وقال:'من واقع عملي لاحظت أن هذا النظام لا يُطبّق داخل نطاق الشركات؛ وسبب ذلك يعود إلى أن معظم مدراء تلك الشركات يعدونه نظاماً غير رادع بشكل كافٍ في أجزاء معينة، وفي جوانب أخرى يرونه مناسب إلى حد ما، فيما يرى آخرون أن أجزاءً كثيرة منه غير قابلة للتطبيق في الوقت الحالي'.
وأكد على أن أبرز ملامح 'نظام تأديب الموظف' المعمول به في بعض القطاعات الوظيفية ينحصر على كشوفات الحضور والإنصراف والتأخير والغياب، دون النظر لأمور جوهرية في مهام الوظيفة، مشيراً إلى أن الشركة تستطيع وضع نظام داخلي لضبط النظام الداخلي من خلال أجهزة البصمة الموجودة في معظم القطاعات وتمكن من معرفة التزام الموظف بأوقات العمل بشكل صحيح، مطالباً أن يتطرق النظام لموضوعي 'الفصل' و'المستحقات'؛ كونها متبوعة عادة بقضايا عمالية في 'وزارة العمل'.
وأضاف: 'لو اطلّعنا على بعض الأحكام الصادرة نجدها مثل الأحكام القضائية، ففي الغالب تصدر حسب وجهة نظر رئيس اللجنة، وربما نجد قضيتين متشابهتين في التفاصيل يصدر فيهما حكمين مختلفين؛ وذلك يعود للطريقة التي ينتهجها محامي الشركة أو الموظف؛ مما يستدعي تحديث النظام بطريقة أشمل وأعم'.
تحديث شامل
واتفق معه 'د.علي الشعبي' -عميد كلية الأمير سلطان للسياحة والإدارة بأبها- تجاه ضرورة تحديث 'نظام تأديب الموظفين'؛ لأنه لا يتماشى مع متطلبات وظروف الموظف في الوقت الحالي، ولا مع معطيات النظام، فضلاً عن أنه بحاجة إلى تحديث شامل ضمن منظومة متكاملة لا يمكن تجزئتها، مبيناً أن التحديث يجب أن يشتمل على تحفيز وتشجيع الموظف قبل محاسبته وتأديبه، كون ظروف الحياة تتغير كما هو حال تركيبة الفكر في العمل نفسه، ذاكراً أن المؤسسة تختلف من مرحلة لأخرى في مراحل وجودها ونموها على أرض الواقع سواءً في القطاع الحكومي أو الخاص، نظراً لأن النظام يتعامل مع بشر قبل أن يكونوا موظفين؛ مما يستدعي ذلك التغير والتطوير ويجعله مطلباً أساسياً من مرحلة إلى أخرى.
وذكر أن أهم الإضافات المطلوب الأخذ بها في عين الاعتبار ب'نظام تأديب الموظف' ما يتعلق بضمان منح الموظف كافة حقوقه قبل محاسبته، إذ أن من الصعوبة محاسبة موظف لم يتحصل على حقوقه الإنسانية والوظيفية ثم يأتي نظام لتأديبه!، مشدداً على الهدف من التأديب هو إصلاح وترقية وتحسين الأداء الوظيفي وتطويره وفقاً لمفهوم المؤسسة والموظف معاً من خلال عدة مراحل يشعر حينها كافة الموظفون بالأمان الوظيفي.
حديث نظام تأديب الموظفين..«عطني حقي وحاسبني»!
مكافحة الفساد
نحتاج إلى قراءة واقع الموظف وبلادة إنتاجه وغيابه وتأخره قبل إقرار أي نظام..
وذكر 'خالد الشهراني' أن علاقة 'نظام تأديب الموظفين' بمكافحة الفساد تشتمل على ما يتعلق بالذمم والاختلاسات المالية، حيث يتضمن إجراءات وعقوبات تبدأ باللوم والتوبيخ، وتنتهي بالفصل والعزل من الوظيفة، منوهاً أنه متى ما تعلق الجرم بالإخلال بالشرف أو الأمانة، عندها تدخل القضية ضمن اختصاص 'هيئة مكافحة الفساد'، إلى جانب نظام الرشوة عند اكتمال الجريمة المالية لعناصرها سواءً رشوة أو تزوير وتوسط فإنها توجب إيقاع العقوبة الجنائية بعد إجراء المحاسبة والعزل من الوظيفة العامة (الدعوى التأديبية) بتناسق بين النظامين دون تعارض.
وأوضح أن عقوبة العزل من الوظيفة العامة تكون عند إخلال الموظف بالشرف والأمانة أو صدور أحكام عليه بالسجن لمدة ستة شهور، حيث يصدر قرار من 'ديوان المظالم' بإبعاده من وظيفته بعد رفع دعوى تأديبية عليه، وفي حالات أخرى يتم فيها ايقافه وكف يده، أوتوجيه توبيخ وانذار، وذلك في عقوبات متدرجة بحسب الجرم.
حقوق الموظف
وحول الأثر النفسي جراء العقاب على أداء الموظف، شدد 'د.محمد شاوش' -نائب رئيس الجمعية السعودية للطب النفسي واستشاري طب نفسي- على أن للموظف حقوقاً مادية ومعنوية يجب أن تُعطى له بشكل يوفر له الحياة الكريمة لتوفير احتياجاته، إضافةً إلى الحقوق المعنوية لإشعاره بقيمته في العمل؛ شريطة أن يكون هذا العمل متناسباً مع إمكانياته، بحيث يشعر بالانتماء للمؤسسة التابع لها، وأنه جزءٌ مهم فيها، إلى جانب أخذ فرصته في الترقية وتحسين أوضاعه كلما سنحت الفرصة لذلك.
وقال:'إذا بدرت من الموظف أخطاء وهو يحظى بتلك المزايا، فيجب التفكير قبل تأديبه بدراسة أوضاعه التي ربما تعطيه عذراً في تقصيره بمهامه، وربما قد يحتاج إلى برامج تأهيل لتحفيزه في العمل، أما إذا لم تجدِ أساليب النصح والمعالجة فيجب وقتها أن يكون العقاب متدرجاً مثل زيادة ساعات أو مهام العمل، وذلك ببدء العقاب من أول السلم وليس من نهايته'. وأشار إلى أنه ضد العقاب المسيء للإنسان بشكل عام، وخصوصاً إذا كان العقاب لا يتناسب مع حجم الخطأ، داعياً إلى ضرورة إعطاء الموظف العذر ومساحة كبيرة للأخطاء المسموح بها لكي يتعلم أكثر، مع الحرص على إكسابه المعرفة والثقة في النفس، مضيفاً أن العقاب قد يصيبه بالإحباط واللامبالاة، أو قد يدفعه إلى التخريب إن كان ليس لديه ولاء لعمله، مبيناً أن الأثر السلبي لعقاب الموظف ينعكس على اثره جوانب غير صحية في العمل والبيت والمجتمع عموماً

نقلا عن :
arabic.arabia.msn.com