يتَسع الحديث يوما بعد يوم عن موضوع الإصلاح الإداري والتغيير . وقلما يخلو اجتماع أو ندوة أو مناسبة ، سياسية ، اجتماعية ، ثقافية ، إلا ويتناول الحاضرون - على مستوى العالم العربي- هذا الموضوع بشيء من الإسهاب والتحليل0 بعضهم يرى أن هجر الماضي أقرب طريق للإصلاح ، شريطة أن يتم بصورة منتظمة ويقوده أناس عرفوا بنزاهتهم وبخبرتهم الإدارية العالية 0 بينما يرى البعض الأخر أن التحسين المستمر للأداء ربما يكون أكثر واقعية من التخلي ، وهو يقود إلى إيجاد معالجات جديدة تنشط عملية الابتكار وتحدث تغييرا في نوع الخدمة المقدمة للجمهور 0 لكن المتفق عليه أنه عندما تصبح الخدمة أو المنتج لا تفي بالغرض المطلوب وفقا لما هو مخطط لها فالتخلي عنها من خلال عملية إعادة التنظيم يصبح مطلوبا بل وضروريا0ويتفق الفريقان على ضرورة وجود قائد للتغيير يستطيع استثمار النجاح والبناء عليه ولديه القدرة على اغتنام الفرص المناسبة للتطوير المنتظم 0 إن التغيير سمة الحياة تفرضه طبيعتها المتحركة والحاجات المتنامية للأفراد والضغوطات على اختلافها ، والإدارة الناجحة هي التي تبادر إلى خلق التغيير كلما وجدت حاجة إليه ، لكن المهمة ليست بالسهلة كما يعتقد البعض ، ولا تتم بالرغبة فقط فهناك الكثيرون في مواقع العمل يتحسسون من التغيير لأسباب شتى ، بعضهم يرى في التغيير تبديدا لجهوده والبعض يرى فيه تعارضا لمصالحه الشخصية ،لان التغيير يستدعي إجراء مراجعات وتقييما ت لمراحل سابقة قد تطال نتائجها بالضرر أشخاصا كثيرين ماديا أو معنويا ، كما أن العامل الذي اعتاد على طريقة ما وأتقنها ربما يرى أنه لا يمتلك المهارات الكافية التي يتطلبها أسلوب العمل الجديد ،خاصة بعد انتشار وسائل التقنية الحديثة المتجددة 0 ولهذا فإن البعض في مؤسسات الدولة يحبذون الاستمرار على ما اعتادوا عليه ضنا منهم أن التغيير يلحق الخسارة بمصالحهم 0 والحقيقة أن التغيير والاستمرارية عبارة عن قطبين أكثر من كونهما نقيضين كما يقول عن ذلك – بيتر ف0 در كر أحد مفكري الإدارة في وقتنا الحاضر ، في كتابه الجديد ( تحديات الإدارة في القرن الحادي والعشرين) ويضيف هناك حاجة للاستمرارية فيما يتعلق بأسس المنظمة- رسالتها – قيمها- وتعريفها للأداء والنتائج 0000 ولذا يتعين بناء التوازن بين التغيير والاستمرارية .
في العديد من البلدان العربية، أخذ المواطن يحس برياح التغيير ولكن المؤسف أن هذا التغيير يكون مرتجلا في أحيان عديدة 0 نعفي مديرا ونضع آخر فنسمع بعد حين العاملين يرددون عبارة ( يا ريت بقينا على الأول) ولهذا فالتغيير يلزمه تهيئة كافية من حيث الدراسة والموضوعية والتخطيط ، ليأتي متوافقا والغاية المقصودة ويلقى قبولا من الجميع0 هذا بالنسبة للأشخاص أما بالنسبة للغايات والبنية التنظيمية وطرق العمل ، فلا بد لقائد التغيير من أن يعمق الوعي بهذا الموضوع لدى مرؤوسيه ويشرح لهم الأهداف والقيم والأسباب الداعية إلى التغيير ، ويشعرهم بضرورة إعادة النظر في طريقة عمل المؤسسة حتى يجعلهم أكثر تقبلا لما سيحصل وينمي عندهم شعور المشاركة في عملية التغيير ويزرع في نفوسهم الثقة وحسن الظن بالإجراءات المتخذة ويقطع بذلك الإشاعات والارتباكات التي قد يثيرها بعض المعارضين ، وعليه أن يبعث لديهم القناعة بأن الكل رابح 0 والتغيير تكون أثاره أكثر إيجابية إذا شعر الجميع بالإنصاف وأن الرجل المناسب وضع في المكان المناسب؛ وأن آليات العمل المقترحة لا تضر بأحد من غير المقصرين والمسيئين 0وفي جميع الأحوال علينا أن نقر بأن التغيير عملية مستمرة وتستغرق وقتا قد يطول بعض الشيء ولهذا يجب ألا نفقد الحماسة والتفتيش عن السبل الأقصر للوصول على الهدف 0إن التغيير كما سبق وأشرنا ليس هدفا بل وسيلة لتحقيق غايات التنمية والإنتاج ، ولهذا يجب أن يطال الأشخاص والأفكار والوسائل عامة وغيرها 0 ونشير هنا إلى أهمية التغيير باتجاه العمال ذوو المعرفة لعلاقة ذلك بالجودة فإلى وقت قريب كانت المؤسسات الإنتاجية والخدمية على السواء تركز على كمية المنتج ، حتى أن الخطط الخمسية؛ كان التعبير عن إنجازها يتم رقميا ولم تكن لدينا المعايير الكافية للجودة كي نظهرها في خططنا ( العربية) ، مع أن الجودة في عصرنا الحاضر تعتبر جوهر المخرجات 0 من هنا تبدو أهمية التركيز على التغيير باتجاه العمال التقنيين بدءا من المديرين؛ وانتهاء بفئات العمال الدنيا ، ويتبع هذا رفع الحماية بخاصة عن أصحاب المسؤولية كبيرة كانت أم صغيرة،ذلك أن أحد أسباب ضعف الإدارة في وطننا العربي على وجه الخصوص هو الابتعاد عن الأسس الموضوعية والعلمية في اختيار أصحاب المسؤولية وانحيازها إلى الموروث الاجتماعي المتمثل في انتشار الواسطة والمحسوبية والرشوة والدعم ، وعلى معايير سياسية واجتماعية من مثل الولاء للأحزاب أو الأجهزة أو العشيرة المتنفذة 0 وهذا ما أشاع في الوطن العربي المنظومات المعروفة ب ( البيئة الإدارية الفاسدة ) ويتفق الباحثون في الإدارة على أن الفشل في تحقيق الخطط الاقتصادية والاجتماعية في كثير من الدول العربية والنامية بعامة يعود إلى عوامل داخلية على رأسها الفساد الإداري المنتشر على نطاق واسع في كثير من هذه الدول وإن ذلك يعيق عملية التغيير0 في مقال شيق نشر في مجلة معهد الإدارة السعودي يقول د0 كاتب المقال : إن أسوأ ما في عملية التحديث الإداري وبخاصة في مراحلها الأولى تتمثل في القوى التي تتولى عملية الإنقاذ وهم على الغالب من الإداريين الأكثر فسادا 00 إنهم يقيمون برامج التطوير ويعلنون عن إنشائها من خلال وضع العصي في العجلات 00000 ويعمدون إلى تقديم ضحايا (كبش فدا) من بين الشرفاء وبخاصة ممن يندفعون صادقين للمشاركة في عملية التغيير 0وهذا ما أكده بيتر أي جين ( رئيس منظمة الشفافية الدولية ) في إحدى كلماته، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد الموافق 9 كانون الأول والتي جاء فيها: أن ألف مليار دولار تدفع سنويا كرشاوى للإبقاء على الفساد في العالم0 ولهذا يرى خبراء الإدارة بأن عملية التغيير يجب أن يقودها أناس عرفوا بالنزاهة وبأدائهم الإداري المميز وكفاءاتهم المهنية العالية 0 وتشير الوقائع إلى أن هؤلاء قد يعجزون عن تحقيق أهداف التغيير ، إن لم يرافق ذلك تهيئة جماهيرية من خلال نشر مفهوم تنمية الموارد البشرية والتي يجب أن تشمل إضافة إلى جانبي التأهيل والتدريب موضوع قيم العمل الأخلاقية من مثل تعميق الوعي بأهمية الحفاظ على المال العام وإنجاز العمل بالصورة المثلى ، والمساواة أمام الفرص المتاحة ؛وأهمية العمل المنتج واحترام الوقت 0 إضافة إلى تحديث النظم الإدارية والمالية بما في ذلك الموازنة بين الأجور وتكاليف المعيشة 0 قد يصعب إنجاز هذه الأمور دفعة واحدة ، ولكن طموحنا يجب ألا يفتر من أجل أن نبني الإنسان القادر على التغيير والتغيُر لأن الإنسان غاية التنمية ووسيلتها وهو في المنظور الاقتصادي ، العامل الأهم من عوامل الإنتاج ، وعلى تربيته يتوقف نجاح المشروع التنموي 0 وفي هذا يقول المفكر الإداري ( التون مايو) لو صاحب التطور التكنولوجي في النصف الثاني من القرن العشرين تطورا على المستوى الاجتماعي لتجنب العالم المشكلات الداخلية والصراعات الاجتماعية التي يعاني منها اليوم0 هايل القنطارالبريد الالكتروني : (تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)