في السنوات القليلة الماضية شهد العالم العديد من المتغيـرات الأساسية و التي طالت مختلف جوانب الحياة المعاصرة ولا يزال، و مست كافة المؤسسات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية في دول العالم على اختلاف درجتها في التقدم و النمو، كذلك أثرت تلك المتغيرات على هيكل القيم ونسق العلاقات المجتمعية في كثير من دول العالم إلى الحد الذي برر القول، بأنه نعيش الآن ((عالم جديد)) مختلف كل الاختلاف عن سابقه و الذي سار عبر القرون و في بداية الثمانينات من هذا القرن.


و في خضم هذه التغيرات بدأ الاهتمام بالموارد البشرية يتزايد في الإدارات المعاصرة، حيث تبينت الإدارة الدور المهم الذي تقوم به تلك الموارد في المساعدة على تحقيق أهداف الإدارات ، من جانب أخر.. فقد شاع استخدام مفاهيم الإدارة الإستراتيجية ، وغيرها من الإدارات الهادفة إلى تحقيق نتائج و أهداف محددة باستخدام الموارد البشرية و المادية و التقنية و من ثم بدا التزاوج و هو أمر منطقي بين إدارة الموارد البشرية و بين الإدارة الإستراتيجية .


وترجع استجابة الحكومات في الدول عامة للتدخل في حماية الموظف ومدى أهمية هذا العنصر في الإنتاج أو العملية الإنتاجية وضرورة العمل على حمايته ورعايته هو وأفراد أسرته، إذ أنه مما لا شك فيه أن الآلة مهما بلغت تطورا في إمكانياتها وقدراتها في العملية فإنها تحتاج لمشغلها أي المورد البشري .


ونظراً للأهمية الفائقة للموارد البشرية و قدرتها على المساهمة ايجابياً في تحقيق الأهداف ، تولي الإدارة الحديثة اهتماماً بالغاً في قضايا الموارد البشرية و هذا من زاويتين:


1) الموارد البشرية في الفكر الإداري الحديث .


2) الفلسفة الجديدة لإدارة الموارد البشرية .


و تنطلق الإدارة الحديثة في اهتمامها بالتنمية البشرية من مبدأ أن الإنسان لديه طاقات و وقدرات ذهنية عادة ما يتم استغلالها أو الاستفادة منها في مواقع العمل المختلفة، و إن الاستفادة القصوى من تلك القوة الذهنية هي المصدر الحقيقي لتميز الإدارات و قدرتها على تحقيق إنجازات باهرة غير تقليدية .


و لذلك نجد أن المحور الأساسي في فكر الإدارة الجديدة هو إعطاء الفرصة للموارد البشرية و الاهتمام بها حتى تتمكن من تحويل مفهوم إدارة الأفراد إلى مفهوم إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية .


إن الحقيقة المهمة التي يركز عليها الفكر الإداري المعاصر أن هذا الجهد البشري لا يمكن أن يصل لتحقيق نتائج ذات قيمة عالية بمجرد أن يتوافر ، بل لابد من التخطيط و الإعداد و التوجيه و التنمية المستمرة في إطار نظام متطور لإدارة الموارد البشرية بالتزامن مع استراتيجيات الإدارة وباعتباره حجر أساس للمنظمة.


ويمكن أن نلخص مفهوم المنطق الأساسي لإدارة الموارد البشرية الجديدة في ضرورة احترام الإنسان و استثمار قدراته و طاقاته بتوظيفه في مجالات العمل الأنسب له ، و اعتباره شريك في العمل وليس مجرد أجير ، و في ذلك فان مفاهيم إدارة الموارد البشرية الجديدة تختلف جذريا عن مفاهيم إدارة الأفراد أو إدارة الموارد البشرية التقليدية حيث أن الأخيرة امتازت بتعاملها مع العنصر البشري على أنه تكلفة يجب خفضها، وقيد يعرقل طريق الإدارة لتحقيق أهدافها، واتجهت اهتماماتها بالبناء المادي للإنسان وقواه العضلية وقدراته الجسمانية، ومن ثم ركّزت على الأداء الآلي للمهام التي يكلف بها دون أن يكون له دور في التفكير واتخاذ القرارات، أيضا ركزت على الجوانب المادية في العمل، واهتمت بقضايا الأجور والحوافز المالية وتحسين البيئة المادية، واتخذت التنمية البشرية شكل التدريب المهني الذي يركز على إكساب الفرد مهارات ميكانيكية يستخدمها في أداء العمل دون السعي لتنمية المهارات الفكرية أو استثمارها.


ويمكن تعريف الإدارة الإستراتيجية للموارد البشرية على أنها عملية الربط بين إدارة الموارد البشرية والأهداف والغايات الإستراتيجية لتحسين أداء الإدارة ولتنمية بيئة ثقافية أكثر مرونة وقدرة على تبني السلوك الإبتكاري.


وهذا يعني أن إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية تعمل على تحقيق الأهداف وغاياتها، ويتم ذلك من خلال ترجمة الإستراتيجية العامة إلى إستراتيجية تفصيلية ومتخصصة في قضايا الموارد البشرية تتضمن غايات وأهداف وسياسات إدارة الموارد البشرية وتتكامل مع استراتيجيات الإدارات الوظيفية الأخرى.








حمد فيحان
أخصائي موارد بشرية