المصدر : وكالة أنباء العمال العرب:

اعرفهم من عيونهم .. تتداخل أسماؤهم ، فعندما تزورهم لا وقت للتعارف ولكنهم دائما يشعرونك وكأنك واحد منهم .. من أسرة هذه المؤسسة التى أتردد عليها أنا وزملائى فى العمل بشكل دورى لإنجاز بعض المهام .. العمل دائما على أشده ، ورغم ذلك
فالابتسامة لا تفارق قسمات الوجوه .. فريق يتعامل مع أموال وحسابات دقيقة ولا يخلو المكان يوما من مشكلات المترددين المختلفة فى أنواعها وأحجامها وطلباتهم المتداخلة ، والتى يتم حلها بكل هذا الحب والتعاون اللذين يسودان المكان . أما اذا استعصت المشكلات فالحل دائما يأتى من قائد هذا الفريق وهى سيدة فى منتصف العمر شديدة الرقة والهدوء .. انها مديرة المؤسسة .. ودائما ما استوقفتنى تلك السيدة بجدارتها فى ادارة هذا المكان الذى يعج بالعاملين من الجنسين بمختلف شخصياتهم وميولهم .وعندما تترقبها وهى تقود هذا الفريق بتوجيهاتها الرقيقة والحازمة تحتار فى فلسفتها ، فهى تجمع بين "آدم سميث" هذا الفيلسوف الاسكتلندى الذى تخصص فى الفلسفة الأخلاقية لدرجة أنه قام بتدريسها وهو فى مقتبل عمره ورسخ مبدأ تقسيم العمل وبين العالم اليابانى "وليم أوشى" الذى أعطى حوافز معنوية للعاملين لإتقان العمل ، وركز على تأمين الأمن الوظيفى لهم وعلى مشاركة جميع الموظفين فى حل المشكلات وتقديم المقترحات التى تساعد المؤسسة ، وربما انها تتبع مبدأ الادارة بالأهداف وهو أحد المناهج الحديثة الذى يركز على كيفية تحقيق المؤسسة لأهدافها ويعتمد هذا الأسلوب على المشاركة الديمقراطية وحسن العلاقة بين المديرين والمنفذين ، ويبدأ بتحديد الأهداف والوسائل التى تساعد فى تحقيقها.ذات يوم وأنا فى زيارتى المعتادة لهذه المؤسسة وجدت غيوما يخيم على هوائها .. الجو خانق .. العيون تشوبها نظرات حزينة متجهمة ، وزاد الأمر غرابة هذا التناقض الغريب ، فالحزن نفسه يسيطر على أحد الموظفين ، و رغم انه فى هذا اليوم حصل على ترقية وأصبح مديرا للمؤسسة وسألته عن سبب حزنه رغم ترقيه وجاءت اجابته : "لفراق تلك السيدة الطيبة .. فانها ستترك المكان لأنها أيضا قد تبوأت منصبا كبيرا" وطغى حرقة فراق تلك المديرة الجديرة بالتحية على فرحة ترقية زميلها ليأخذ مكانها . وتطايرت فى المكان بعض الجمل الحوارية التى تهامس بها الموظفون "..سنطالب بأن يظل مكتبها فى نفس مكانه لدى فرعنا وتدير عملها الجديد من خلاله .. لن نعوضها .. كانت أخت .. كانت صديقة .. كانت رقيقة"وقالت لى تلك السيدة الرقيقة حقيقة والنقية مثل حبة المطر عند تهنئتى لها على كل هذا الحب الذى استطاعت أن تغرسه كمديرة فى قلوب موظفيها قالت: "اتبعت معهم التعامل بالحب والشفافية والحزم عند اللزوم" .ولا أدرى هل هى فلسفة جديدة فى الادارة استمدت قوتها من الرقة الشديدة والعذوبة لتحقيق كل هذا النجاح والحب معا .. وما اسم هذه الفلسفة .. وتحت أى منهج تندرج .. أم انها طبيعة خاصة لتلك السيدة وخصالها المميزة الهادئة والحكيمة أم انها طبيعة الطاقم أم ماذا ..؟؟ وأيا كانت الأسباب الا أنها فلسفة جديرة بالتحية والاحترام.