دخلت على مريض في المستشفى .. فلما أقبلت إليه .. فإذا رجل
قد بلغ من العمر أربعين سنة .. من أنضر الناس وجها ..
وأحسنهم قواما..لكن جسده كله مشلول لا يتحرك منه ذرة .. إلا رأسه وبعض رقبتهلو أخذت فأسا وقطّعت جسده من رجليه إلى صدره لما شعر بشئ.. دخلت غرفته .. فإذا جرسالهاتف يرن .. فصاح بي وقال : يا شيخ أدرك الهاتف قبل أنينقطع الاتصال ... فرفعت سماعة الهاتف ثم قربتها إلى إذنهووضعت مخدة تمسكها .. وانتظرت قليلا حتى أنهى مكالمته ....ثم قال يا شيخ أرجع السماعة مكانها ..... فأرجعتها مكانها ...ثم سألته منذ متى وأنت على هذا الحال فقال منذعشرين سنة .. وأنا مشلول على هذا السرير !!وحدثني أحد الفضلاءأنه مر بغرفة في المستشفى .. فإذا فيها مريض يصيح بأعلىصوته .. ويئن أنينا يقطع القلب ... قال صاحبي : فدخلت عليه ...فإذا هو جسده مشلول كله وهو يحاول الالتفاف فلا يستطيعفسألت الممرض عن سبب صياحه .. فقال : هذا مصاب بشلل تام ...وتلف في الأمعاء .. وبعد كل وجبة غداء أو عشاء يصيبه عسرهضم فقلت له : لا تطعموه طعاما ثقيلا .. جنبوه أكل اللحم ...والرز.. فقال الممرض : أتدري ماذا نطعمه .. والله لا ندخل إلىبطنه إلا الحليب من خلال الأنابيب الموصلة بأنفه وكل هذهالآلام ليهضم هذا الحليب !!!وحدثني آخرأنه مر بغرفة مريض مشلول أيضا لا يتحرك منه شيئا أبداقال : فإذا المريض يصيح بالمارين ... فدخلت عليه فرأيت أمامهلوح خشب عليه مصحف مفتوح .. وهذا المريض منذ ساعات ...كلما انتهى من قراءة الصفحتينأعادهما ... فإذا فرغ منهما أعادهمالأنه لا يستطيع أن يتحرك ليقلب الصفحة ولم يجد أحدا يساعدهفلما وقفت أمامه قال لي : لو سمحت .. أقلب الصفحة... فقلبتها ...فتهلل وجهه .. ثم وجه نظره إلى المصحف وأخذ يقرأفانفجرت باكيا بين يديه .. متعجبا من حرصه .. وغفلتنا !!!!!!!!
وحدثني ثالثأنه دخل على رجل مقعد مشلول تماما في أحدى المستشفياتلا يتحرك إلا رأسه ... فلما رأى حاله .. رأف به وقال :ماذا تتمنى .. ظن أن أمنيته الكبرى أن يشفى ويقوم ويقعد ...ويذهب ويجيء .فقال المريض .. أنا عمري قرابة الأربعين ..وعندي خمسة أولاد وعلى هذا السرير منذسبع سنينوالله لا أتمنى أن أمشي .. ولا أن أرى أولادي .. ولا أعيش مثلالناس !!قال : عجبا .. إذن ماذا تتمنى ؟؟فقال : أتمنى أني أستطيع أن ألصق هذه الجبهة على الأرض ....وأسجد كما يسجد الناس !!!
وأخبرني أحد الأطباءأنه دخل في غرفة الإنعاش على مريض .. فإذا شيخ كبير ...على سرير أبيض وجهه يتلألأ نورا ...قال صاحبي : أخذت أقلب ملفه فإذا هو قد أجريت له عملية فيالقلب ... أصابه نزيف خلالها .. مما أدى إلى توقف الدم عن بعضمناطق الدماغ .. فأصيب بغيبوبة تامةوإذا الأجهزة موصلة به .. وقد وضع على فمه جهاز للتنفسالصناعي يدفع إلى رئتيه تسعة أنفاس في الدقيقةكان بجانبه أحد أولاده .. سألته عنه ..فأخبرني أن أباه مؤذن في أحد المساجد منذ سنينأخذت أنظر أليه ... حركت يده .. حركت عينيه .. كلمته ..لا يدري عن شئ أبدا .. كانت حالته خطيرةاقترب ولده من أذنه وصار يكلمه .. وهو لا يعقل شيئافبدأ الولد يقول .. يا أبي... أمي بخير .. وأخواني بخير .....وخالي رجع من السفر ... واستمر الولد يتكلم . والأمر علىما هو عليه ... الشيخ لا يتحرك .. والجهاز يدفع تسعة أنفاسفي الدقيقة !!وفجأة قال الولد ... والمسجد مشتاق إليك .. ولا أحد يؤذن فيهإلا فلان ويخطئ في الأذان ومكانك في المسجد فارغ ..فلما ذكر المسجد والأذان .. اضطرب صدر الشيخ ...وبدأ يتنفسفنظرت الجهاز فإذا هو يشير إلىثمانية عشر نفسا في الدقيقة .....والولد لا يدري ... ثم قال الولد : وابن عمي تزوج .. وأخيتخرج ..... فهدأ الشيخ مرة أخرى وعادت الأنفاس تسعة يدفعهاالجهاز الآلي .. فلما رأيت ذلك أقبلت إليه حتى وقفت عند رأسه ..حركت يده .... عينيه .. هززته .. لاشيء كل شيء ساكن ...لا يتجاوب معي أبدا . تعجبت !!قربت فمي من أذنه ثم قلت :الله أكبر.... حي على الصلاة ....حي على الفلاحوأنا أسترق النظر إلى جهاز التنفس .. فإذا به يشير إلىثمان عشرة نفس في الدقيقة !!!فلله دُرّهم من مرضى بل والله نحن المرضى .. رجال قلبهم معلقبالمساجد ...... نعمرجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاءالزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار*ليجزيهم الله أحسن ماعملوا ويزيدهم من فضله والله يرزقمن يشاء بغيرحساب ...فأنت يا سليما من المرض والأسقام ... يا معافى من الأدواء والأوراميامن تتقلب في النعم .... ولا تخشى النقم !!!ماذا فعل الله بك فقابلته بالعصيان !! بأي شيء آذاك ؟!أليست نعمه عليك تترى .. وأفضاله عليك لا تحصى ؟أما تخاف أن توقف بين يدي الله غدافيقول لك: عبدي ألم أصح لك بدنك ... وأوسع عليك في رزقك ...وأسلم لك سمعك وبصرك ؟فتقول بلى .. فيسألك الجبار : فلم عصيتني بنعمي ...وتعرضت لغضبي ونقمي ؟!!فعندها تنشر في الملأ عيوبك .. وتعرض عليك ذنوبكفتباًّ للذنوب .. ما أشد شؤمها .. وأعظم خطرها ،،،وهل أخرج أبانا من الجنة إلا ذنب من الذنوب !!وهل أغرق قوم نوح إلا الذنوب !!وهل أهلك عادا وثمود إلا الذنوب !!وهل قلب على لوط ديارهم .. وعجل لقوم شعيب عذابهموأمطر على أبرهة حجارة من سجيل .. وأنزل بفرعون العذابالوبيل إلا المعاصي والذنوب ؟!!!!!!!!!
المصدر / كتاب في بطن الحوتد. محمد العريفي