بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

مناقشة مفهوم المنظمة من خلال وجهات نظر متعددة

وحتى نتحاشى الخوض في بعض التفاصيل يمكننا القول أن المنظمة مفهوم قديم ,لأن الإنسان في سعيه حاول التغلب والانتصار علي محدودية قدراته الجسمانية عن طريق التعاون والتنسيق مع غيره من الأفراد سعيا منه لتقديم المساعدة والحصول عليها من أجل تلبية حاجاته وحل مشكلاته.إلي أن أصبح يعيش في بيئة كلها تعج بالمنظمات تهيمن علي كل مناشطه المتنوعة. الي أن أصبح من الأهمية بمكان فهم ما هي المنظمات وكيفية التعامل معها وتعلم أسليب وطرق تسييرها ومن ثم بدأت دراستها بانتهاج الطرق العلمية وازدادت بذلك أهمية تطوير وسائل وأساليب تحليل المنظمات.والي حد الآن هناك عدة محاولات لتحديد معني ومدلول المنظمة إلا أنها تتباين فيما بينها تباينا يرتكز إلي بعض المنطلقات الفكرية المختلفة نذكر منها باختصار أهم المدارس وآراء علماء التنظيم و الاجتماع و الاقتصاد ...

أولا : المدرسة التقليدية : عرفت المدرسة التقليدية المنظمة علي أنها هي"التكوين أو البناء الهيكلي"الذي ينشأ في الأساس عن تحديد العمل وتجميعه وتقسيمه وتعيين السلطات والمسؤوليات وإنشاء وتأسيس العلاقات بين الأجزاء المكونة للمنظمة .

ثانيا : مدرسة العلاقات الإنسانية و(السلوكية) :وعرفت مدرسة العلاقات الإنسانية والسلوكية المنظمة بوصفها مجموعة من الأفراد ينشطون من أجل تحقيق هدف أو أهداف مشتركة.

ثالثا :أما مدرسة النظم الحديثة :فإنها شخصت المنظمة وصورتها علي أنها عبارة عن نظام (نسق) Systemوما هي إلا وحدات اجتماعية مقصودة لتحقيق أهداف معينة(14).كما نلاحظ فان هذه التعاريف الثلاثة تبرز نوعا من التباين في المنطلقات والأفكار .حيث نجد أن المدرسة الأولي ركزت علي البناء التنظيمي Structureأو تقسيم العمل في المنظمة والتخصص فيه ,في حين أن الثانية ركزت علي العنصر البشري في مفهوم المنظمة .أما مدرسة النظم فإنها ركزت علي مفهوم النظام المتكامل معتبرة المنظمة كيان منظم ومركب يجمع ويربط بين مكوناته التي تشكل في مجموعها تركيبا كليا موحدا .وهو وحدة تتكون من أجزاء ذات علاقات اعتمادية متبادلة ,ويتضمن في الأساس مفاهيم الاعتماد المتبادل,والتعاون,والكلية أو الشمولية.

رابعا: رأي علماء التنظيم

وفي رأي علماء التنظيم فإنهم يرون أن المنظمة هي كائن ذو شخصية جماعية إنسانية موحدة لها مظهرها المزدوج ,مظهرا لتنظيم الداخلي و مظهر الشكل الخارجي المميز لها .وهذا مما يؤدي إلي اكتساب المنظمة للشخصية بالنسبة لغير المنخرطين فيها وهذا ما يمكنها من الدخول في علاقات واقعية أو قانونية خارج نطاقها وتصبح بذلك كتلة مشيدة هندسيا يلعب فيها الأفراد أدوارهم ويكتسبون قيمة جديدة بحكم تمركزهم في كيان يسيطر علي الأجزاء التي اندمجت فيه.وبذلك تتجاوز المنظمة مرحلة العلاقة بين الأجزاء إلي مرحلة العلاقة بينها وبين الغير , وينطبق هذا التصور علي كل المنظمات ابتداءا من منظمة الأعمال وصولا الي منظمة المنظمات التي هي الدولة أو المجتمع .

خامسا: منظور علماء الاجتماع

ومن منظور علماء الاجتماع فان المؤسسة(Institution)*هي مجموعة من الأحكام و القوانين الثابتة أو الراسخة في المجتمع التي تحدد التصرف و العلاقات الاجتماعية للأفراد والجماعات. و تشبه المؤسسة عادة بالعضو أو الجهاز الذي ينجز وظائف مهمة في المجتمع . و حاول ماك غايفر و بيج في كتابهما المجتمع التمييز بين المؤسسة و المنظمة فيقولان: أن(المؤسسة) هي الإجراءات و الأحكام المثبتة و المستقرة التي تميز و تحدد نشاط الجماعة بينما الجماعة التي تستعين بهذه الإجراءات و الأحكام التي تنظم و تسير أعمالها و شؤونها هي (المنظمة)...و الشخص عندئذ ينتمي إلى المنظمة و لا يمكن أن نقول أنه ينتمي إلى المؤسسة لأنها فقط تتكون من مجرد مجموعة من الأحكام و إجراءات السلوك و التصرف(15).

سادسا: المفهوم الاقتصادي

أما في المفهوم الاقتصادي فإن المؤسسة Entreprise(16) في البداية تم التركيز عليها على أنها (وحدة اقتصادية للإنتاج) غير أن هذا المفهوم صار غير كاف لتوضيح طبيعتها المعقدة. لذلك كله ,أضيف الي هذا المفهوم أن المؤسسة هي عبارة عن( أداة Outilلإنتاج السلع و الخدمات) لأنها تضفي على المواد الخام في الطبيعة قيمة استعمال أو منفعة بهدف تلبية متطلبات الزبائن و البقاء في السوق وتحقيق الربح و ضمان مناصب الشغل و إرساء أو بناء أسس و قواعد للتنمية والتكوين والتدريب في البلد. و في جميع الحالات يتعين علي هذا الكائن صرف منتجاته لكي يعاود نشاطاته من جديد .
ومع ذلك فإن ما تقدم لا يسمح لنا بإعطاء تعريف صحيح للمنظمة (أو المؤسسة ) كل المحاولات كانت غير كاملة أو تطور ت إلى حد إعطاء مجرد تعار يف في غالبيتها وصفية ليس
إلا .و في الواقع فإن كل منظمة أعمال هي قبل كل شيء حقيقة مجسدة في الواقع فريدة من نوعها لأنها تتشابه و كلها تختلف عن بعضها البعض مثلها مثل الأشجار بحيث لا يوجد في الوقع منظمتين متطابقتين, لأن أوجه الاختلاف بين الواحدة و الأخرى كثيرة.و على ضوء هذه الاختلافات المحتملة كيف و لماذا دائما نتكلم عن المنظمة بصيغة المفرد ؟ في حين نجد في الواقع أن كل منظمة بمفردها فريدة من نوعها ؟ بالرغم من ذلك ، نجد أن منظمة الأعمال الاقتصادية لها أشياء مشتركة مع مثيلاتها من المنظمات تضعها موضع العمل ، نفس عوامل الإنتاج من عمل, و رأس مال ,و طاقة, و مواد ,و معلومات... إلى آخره تشتريها المنظمة أو تؤجرها من الأسواق المتخصصة . و في الأخير نصل إلى قناعة أن كل منظمات الأعمال تشترك في ممارسة أو تنفيذ و وظيفة اقتصادية, و تضطلع بدور اجتماعي ، و تتألف من مراكز مستقلة لصنع و اتخاذ القرار و تنفيذه(17) .
............
هوامش: لاحظ أن هذا الجزء من مداخلة طويلة
(14)أميمه الدهان, تغيير وتطوير المنظمات (1981),ص.28.أنظر كذلك كتاباتها حول النظريات العلمية لمنظمات الأعمال.
(15) معجم علم الاجتماع.
(16)في البداية من الضروري فهم المقصود بمصطلح المنظمة حيث من المستحسن الإشارة إلي ما المقصود بالمنظمات أو المؤسسات عامة (الجامعات ، الشركات ، مؤسسات المجتمع المدني ، الوزارات ، الحكومات ،منظمات الأمم المتحدة ... الخ).
و يمكننا أن نلاحظ أن Entreprise ليست هي Etablissementأو Institution لأن الأولى ذات طابع اقتصادي ( هدف خاص) تهدف إلى الربح والفائدة ، والثانية ذات طابع سياسي ، أو إداري ، أو قانوني ...إلخ تسعى نحو (هدف عام) لتقديم الخدمات العامة، ربما مقابل الضرائب التي يدفعها المواطن لقاء هذه الخدمات باعتباره The tax payer .
(17)أ. بشير غصبان ,مقياس تحليل المنظمات.

(*) التوج الآن أصبح يعامل المنظمة وكأنها مجتمع له قيمه وثقافته أن لم نقل "حضارته".