الدولار.. بين الحقيقة والوهم

حتى نستطيع ان نرى حقيقة الواقع لابد من الرجوع إلى الماضي البعيد لنعرف كيف أصبح الدولار هو عملة الاحتياط في العالم , ففي عام 1944 عُقدت اتفاقية (بريتون وودز) نادى فيها الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية بزعامة الولايات المتحدة الذي تكدس في خزائنها بعد الحرب ثلثي الاحتياط العالمي من الذهب المقدر آنذاك ب (25 مليار دولار) من أصل (38 مليار دولار) وخرجت هذه الاتفاقية على ما يلي :
1_ جعل الذهب هو أساس نظام النقد الدولي ويعني هذا ربط كل دولة عملتها بالذهب مع عدم السماح لهذه الدولة بحرية التبديل .
2_ تقييم سعر اونصة الذهب (31.1 )ملغرام ب 35 دولار قابل للتحويل ويجيز لأي دولة تمتلك مبلغ من الدولارات أن يبدله بالذهب على أساس سعره المحدد وهو 35 دولار للاونصة أما إذا كان لدى أي دوله عملة أخرى غير الدولار فلا تستطيع أن تبدله إلى ذهب .
وعلى ضوء هذه القرارات قامت الدول بشراء الدولار وجعله في خزائنها بجانب الذهب كاحتياط لها حتى توالت الأزمات العالمية حتى أواخر عام 1970 ففي هذه الفترة اخذ المستثمرون بسبب الأزمات في الهروب إلى الذهب واستبدلوا الدولار بالذهب مما جعل الطلب شديد على الذهب فارتفع سعره من 35 إلى 160 دولار مما أدى إلى ذوبان الأرصدة الذهبية في الخزانة الامريكيه فتعادل الذهب بالدولار من حيث التغطية بنسبه 100% مع العلم انه في الأربعينيات كانت نسبة التغطية أكثر من 300% وبسبب هذه الأزمات العالمية وصلت نسبة التغطية عام 1965 إلى 50% واستمرت في الزيادة حتى أواخر عام1970 إلى 25 % التي أجبرت الرئيس الأمريكي نيكسون آنذاك إلى اتخاذ قرار نراه من وجهة نظرنا هو قرار لأكبر عملية سرقه على وجه الأرض بان قطع العلاقة بين الذهب والدولار بإزاحة التغطية الذهبية عن الدولار وتحريره من أي التزامات سابقة وجعل الذهب عبارة عن بضاعة تباع وتشترى وليس غطاءاً لعملة أي دولة وخصوصا أمريكا . وبسبب هذه القرارات وارتفاع أسعار الذهب كانت النتيجة هي خفض قيمة الدولار حتى يومنا هذا
هناك حقيقة تقول إن الدولار يستمد قوته من قوة الاقتصاد الأمريكي وهذا غير صحيح نقول كان هذا في منتصف القرن العشرين أما بعد ذلك فقد تغيرت الأمور , ينقل الدكتور عبد الحي زلوم في كتابه حروب البترول الصليبية صفحة 383 تحت عنوان نهاية الإمبراطورية الأمريكية -قلب صناعي فارغ- ينقل تعليق ايمانويل تود مستشار الرئيس شيراك ((شخصياً أحب الولايات المتحدة، وحتى وقت قريب كانت أمريكا العامل الأكثر أهمية في الحفاظ على النظام الدولي، غير أنها تحولت الآن إلى عامل عدم استقرار فمن جهة فقدت أمريكا قوتها الصناعية وأصبحت تعاني من عجز قياسي في الميزان التجاري يصل حالياًَ إلى 435 مليار دولار وتحتاج البلاد إلى 1.5 مليار جنيه إسترليني يومياً كعملة صعبة ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على تلبية احتياجاتها الاقتصادية دون مساعدة الآخرين وبالمقارنة نجد أن قوة أوروبا تكمن في قدرتها التصديرية" ويقول: " فقد ارتفع حجم العجز في الميزان التجاري الأمريكي من 100 مليار دولار عام 1990 إلى حوالي 600 مليار دولار حالياً _الطبعة العربية 2005- وهو العجز الذي يتم تمويله من خلال تدفقات رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة التي تعيد بذلك التجربة الاسبانية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، فمع تدفق شحنات الذهب من العالم الجديد استسلمت اسبانيا للإنتاجية القليلة وارتفعت معدلات الاستهلاك والعيش بمستويات عالية تتعدى القدرات الفعلية للبلاد وانتهاء بالوقوع في مصيدة التراجع الاقتصادي والتقني" انتهى الاقتباس.
((هذا مع العلم أن الدين العام للولايات المتحدة بلغ 34 تريليون دولار وهو ثلاثة أضعاف الناتج القومي الأمريكي البالغ 12 تريليون دولار، لو أن هذه الأرقام بل أقل منها بكثير وقع في أية دولة أخرى سواء أوروبية أو روسيا مثلاً لأصابها انهيار تام وشلل اقتصادي وتغير في النظام والسلطة وما إلى ذلك والسبب أن عملة هذه البلاد ليست عملة محررة من القيود كالدولار، فإذا طبع ذلك البلاد نقوداً ورقية إضافية انخفضت قيمتها بنسبة كمية الطباعة، بينما الولايات المتحدة تطبع ما تريد وتنقل هذا التضخم في عملتها المحلية من داخل الولايات المتحدة إلى خارجها ويتحمل عنها الاقتصاد العالمي كافة التبعات السيئة، فتشتري البنوك المركزية في اليابان والصين وألمانيا ودول أوروبا وغيرها ما وجد فائضاً من الدولارات حفاظاً على اقتصادها الذاتي كونه يعتمد في الاحتياط النقدي على الدولار بشكل رئيسي ومن ثم يحافظ على الاقتصاد الأمريكي من الضعف والتفكك.
فمثلاً مقابل إنتاج الأوبك من النفط المقدر بـ 30 مليون برميل يومياً وبسعر 55 دولار تطبع الولايات المتحدة 1650 مليون دولار يومياً مقابلها أي ما يزيد عن 6 مليار دولار سنوياً، فالنفط قيمة حقيقية والدولار لا قيمة حقيقية له، ولأن النفط مقدر بالدولار فالدول تنتج والولايات المتحدة تطبع وتضخ في الأسواق دولاراتها وعلى دول العالم امتصاص ما يوجد في السوق من دولارات وهكذا تغطي أمريكا نفسها بثروات غيرها.!!!!