الغفلة المهلكة

يقول الله تعالى: " اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون " الأنبياء1
- فالذي يتأمل أحوال الناس في هذا الزمن يرى تطابق الآية تماما مع الواقع ، من خلال ما نرى من كثرة الإعراض عن منهج الله ، و غفلة أغلب الناس عن الآخرة و عن ما خلقوا من أجله ، و كأنهم خلقوا للدنيا و شهواتها ، فتجدهم إن فكروا ففكرهم للدنيا وإن أحبوا فحبهم للدنيا و إن عملوا فللدنيا ، فيها يتخاصمون و من أجلها يتقاتلون ، و بسببها يتركون كثيرا من أوامر ربهم حتى إن بعضهم يترك الصلاة أو يؤخرها عن وقتها من أجل مباراة ،أو مسلسل تلفزيوني ،أو موعد مهم و نحو ذلك ، كل شيء في حياتهم له مكان ، للوظيفة مكان ، للرياضة مكان ، للتجارة مكان ، للرحلات مكان ، للأفلام و المسلسلات و للأغاني مكان ، للنوم مكان ، للأكل و الشرب مكان ، كل شيء له مكان ، إلا القرآن و أوامر الدين ، إنك تجد الواحد منهم ما أعقله و أذكاه في أمور دنياه ، لكنه لم يستفد من عقله فيما ينفعه في آخرته ، ولم يقده عقله إلى طريق الهداية و الإستقامة على دين الله الذي فيه سعادته في الدنيا و الآخرة ، و هذا هو و الله غاية الحرمان " يعلمون ظاهرامن الحياة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون "الروم 7 ، من يرى أحوالهم و ما هم عليه من شدة جرأتهم على ارتكاب المعاصي و تهاونهم بها ، إن هؤلاء إما لم يصدقوا بالنار ، أو أن النار خلقت لغيرهم ، نسوا الحساب و العقاب، و تعاموا عن ما أمامهم من أهوال و صعاب ، لعمرك "إنهم لفي سكرتهم يعمهون" الحجر 72 .
- انشغلوا براحة أبدانهم و سعادتها في الدنيا الفانية ، و أهملوا سعادتها في الأخرى الباقية .
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته....أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح و استكمل فضائلها....فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
- أوقاتهم ضائعة بلا فائدة ، بل إن أغلبها قد تضيع في المحرمات و إضاعة الواجبات ، يبحثون بزعمهم عن الراحة و السعادة ، وهم بعملهم هذا لن يجدوا إلا الشقاء و التعاسة شعروا بذلك أم لم يشعروا لقوله تعالى:" و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى " طه 124.
- تداعي الأمم على المسلمين:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لثوبان رضي الله عنه: كيف بك يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيكم على قصعة الطعام تصيبون منه ؟ قال ثوبان : بأبي أنت و أمي يا رسول الله، أمن قلة بنا ؟ قال: لا أنتم يومئذ كثير و لكن يلقى في قلوبكم الوهن، قالوا: و ما الوهن يا رسول الله ؟
قال :حبكم للدنيا و كراهيتكم القتال" رواه أحمد و الطبراني .
- فما أشبه حال أمتنا الآن بهذا الوصف ، و لا حول و لا قوة إلا بالله ، نقارن حالنا بما جاء في الحديث :
1- كثرة عددنا و قلة عملنا ، فما أكثر أعداد المسلمين اليوم و لكن أكثرهم كغثاء السيل ، و الغثاء وهو الزبد التي نراها مع أمواج البحر أو التي ترتفع على الماء.
2- حبنا الدنيا وكراهيتنا للآخرة ، فنحن متعلقون بالدنيا و ملذاتها و شهواتها ، لذلك نرضى بأي حياة مهما كانت ذليلة ، وهذه الحال هي التي أطمعت قوى الكفر و الإستكبار فينا ، فصار أعداؤنا لا يهابوننا و لا يحسبون لنا حسابا، لأنهم علموا أننا تركنا الآخرة وانغمسنا في ملذات الدنيا ، و مع ذلك إن الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم باق إلى يوم القيامة ، فإذا ابتغينا العزة لأمتنا فينبغي علينا:
- التمسك بحقنا المشروع في الدفاع عن مقدساتنا.
- تربية أنفسنا وأبنائنا على حب الآخرة .
- اليقين الراسخ بأن نصر الله قريب و التبشير بذلك، و العمل على أن نكون أهلا ليتنزل نصر الله على أيدينا.