أسرار لذّة العبادة
******
عندما سُئِل بلال رضي الله عنه عن سبب صبره على الإيمان مع شدة تعذيبه وطرحه في رمضاء مكة الحارة، فقال قولته المشهورة: ''مزجتُ مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان''.
فلذة العبادة ما يجده المسلم من راحة النّفس، وسعادة القلب وانشراح الصدر أثناء العبادة وعقب الانتهاء منها.
أما مقدارها، فهي تتفاوت من شخص إلى آخر حسب قوة الإيمان وضعفه، وهذه اللذة تحصل بحصول أسبابها وتزول بزوالها.
وقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يقول لبلال رضي الله عنه: ''أرحنا بالصّلاة يا بلال''، لِمَا يجد فيها من اللذّة والسّعادة القلبية وإطالته صلّى الله عليه وسلّم لصلاة الليل دليل على ما كان يجده في الصّلاة من الأنس والسرور بمناجاة ربّه.
وقال أحد السلف: مساكين أهل الدنيا، خرجوا فيها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله ومعرفته وذِكره.
فلا بُدّ لِمَن أراد اللذة في العبادة: أن يُجَاهِد نفسه.. جرِّب في قيام الليل أو الجلوس في المسجد إلى طلوع الشمس أو غيرها من العبادات وسوف تجد اللذة والسرور والسعادة في قلبك أثناء العبادة أو بعدها.
أمّا مَن لم يجد الراحة والسعادة واللذة والأنس، فقد قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (واعلم أن نفسك بمنزلة دابتك، إن عَرَفَتْ مِنكَ الْجِدَّ جَدت وإن عرَفَت مِنك الكسل طمعت فيك، وطلبَتْ منك حظوظها وشهواتها)، وقال الحسن البصري رحمه الله: (أفضل الجهاد مخالفة الهوى).
وفي هذا السياق يقول ابن القيم رحمه الله: (من آثار المعاصي _ حرمان الطاعة _ فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها).
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: لا تفوت أحد صلاة الجماعة إلاّ بذنب.
وقيل للحسن البصري رحمه الله: يا أبا سعيد، إنّي أَبِيتُ مُعافى، وأحبّ قيام الليل،.. فما بالي لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيّدتك.
فإن كان المسلم غير محترس من المعاصي، فحينئذ فلا بد من العقاب، ويكون بأمور كثيرة، من بينها التفريط في عمل الصالح، والحرمان من لذة الطاعة.
قال أحد السلف: راحة القلب في قلة الآثام، وراحة البطن في قلّة الطعام، وراحة اللسان في قلّة الكلام. قيل لوهيب بن الورد رحمه الله: يجد طعم العبادة مَن يعصي...؟ قال: ولا من يهم بالمعصية. ومن أسباب تحصيل لذة العبادة، إطابة المطعم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيّبًا... ثمّ ذكر الرجل يطيل السفر... يدعوا ربّه ومطعمه حرام ومشربه حرام.. فأنَّى يُستجاب له'' رواه مسلم. وق سُئِل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: بِمَ تلين القلوب؟ قال: بأكل الحلال. وكذلك بترك ضول الطعام والكلام والنّظر، قال ابن عمر رضي الله عنه: (لا تكثـروا الكلام بغير ذِكْرِ الله، فان كثـرة الكلام بغير ذِكْرِ الله قسوة للقلب، وأن من أبعد القلوب من الله القلب القاسي) رواه الترمذي.