بما تقول إن هذا سؤال تافه، أفلا يعرف أحدنا نفسه ومن يكون؟
ولكن لا تسرع في الإجابة، ذلك أن حقائق الحياة تكشف أن هذا السؤال هو من أهم الأسئلة المطروحة على الإنسان.. حيث من دون أن نعرف من نحن: لن نعرف ماذا لنا؟ وماذا علينا؟ ومن دون ذلك لن نعرف قيمة أنفسنا..
و«كفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدر نفسه»-
ونعود للسؤال: من أنت؟
والجواب: إنك في الحقيقة لست شخصاً واحداً، بل شخصان:
الأول: ما أنت عليه الآن.
الثاني: ما يمكن أن تكون عليه في المستقبل.
فلربما تكون الآن شخصاً عادياً مثل بقية الناس، غير أن ما أودع الله فيك من إمكانيات، وطاقات، وقد يجعلك قادراً على أن تكون واحداً من عظماء التاريخ إذا عرفت كيف تستخدم تلك الطاقات.
وهكذا فإن واقعك شيء...
ومستقبلك، يمكن أن يكون شيئاً آخر.
ألا ترى أن الطفل الصغير الذي لا يزال يحبو على ركبتيه، ليس إلاّ مجرد طفل، فقيمته الفعلية بمقدار ما لغيره من الأطفال، ولكنه يمكن أن يصبح شخصاً هاماً بيده مصائر البلاد في المستقبل..؟
إن فيك «كوناً» عظيماً فإن عرفت قدره، واستثمرت ما فيه، فسوف تكون شخصاً عظيماً، ويكون مستقبلك خيراً من ماضيك، وإلا فسوف تبقى إنساناً لا حول له ولا قوة
ألا يكشف العلم كم من طاقات هائلة يمتلكها كل شخص في داخله؟
ألا تعرف كم من الأجهزة العملاقة في قدراتها استخدمت في صناعتك؟
إنك حينما تقرأ الآن هذه الكلمات فإن «الشبكية» وهي الغشاء الحساس في عينيك، والذي يتألف من نصف مليار خلية «لاقطة» تتعرف على الكلمات للحال، ثم تنقل صورها عبر نبضات كهربائية إلى الدماغ، وإلى مليارات الخلايا العصبية فيه، وبالقدرة المذهلة التي يملكها النظام الدماغي، وقابليته للسرعة يسجل دماغنا صور الكلمات في مجموعات من كلمتين أو ثلاث.
وبفضل المعلومات الهائلة المختزنة داخل الخلايا العصبية يتوقع دماغك غالباً كيف ستنتهي الجملة في الوقت الذي تكون عيناك مازالت في بدايتها.
وألا تعرف أن العقل البشري «يفكر» بسرعة عشرة ترليونات عملية حسابية في الثانية؟
إن أية مقارنة بين دماغك، والدماغ الإلكتروني هي مقارنة غير صحيحة، لأن الدماغ الإلكتروني لا يعمل إلاّ ما هو مبرمج له، بينما للدماغ البشري قدرة على الإبداع والارتجال لا حدود لها، وأن الدماغ الإلكتروني بخلاف دماغك يتعين عليه أن يفكك رموز الكلمات حرفاً حرفاً..
فإذا لم تعرف قدراتك، ولم تستخدم طاقاتك، فإن شخصيتك تبقى ضامرة، ويبقى دورك محدوداً..
أمّا إذا استخدمت قدراتك فستصبح قوي الشخصية، قادراً على تحقيق أمانيك، متمكناً من أعمالك..
ثم إنك مخزون هائل من «الكوامن الخيّرة» كما أنك مستنقع هائل من «الكوامن الشريرة»، وعندما تثير في نفسك الكوامن الخيّرة فسوف تكون لك جاذبية حقيقية، تدفع الآخريين للتعاون معك، والاستجابة لك..
وهكذا فإن من أهم الخطوات الأولية لاكتساب الشخصية القوية، هو القيام بتقويم الذات ليس من خلال واقعك، بل من خلال طاقاتك الكامنة، ومستقبلك المحتمل..
قوّم ما تمتلكه من مواهب شخصية: كالمظهر الجسدي، والطاقة، ومعدل الكلام، وقوة الصوت ونبرته، والحيوية، والإيماء، وتعبير العينين والقدرة على إبقاء انتباه الآخرين مشدوداً إليك. فالشخص الآخر سيكون انطباعه عنك على أساس هذه المعطيات كلها.
والآن تذكَّر ثلاث مناسبات في حياتك عرفت فيها أنك تركت انطباعاً جيداً لدى الآخرين.
فما الذي جعلك ناجحاً؟
إنّي على ثقة بالآتي: أنت كنت ملتزماً بما تقوله، وكنت تعرف عمّا تتكلّم، وكنت مأخوذاً كلياً بتلك اللحظة إلى حد أنك فقدت كل وعي لذاتك.
أي أنك حينما تتصرف من خلال طاقاتك الكامنة، فأنت تكسب الموقف.
إن الناس يتأثرون بشخصية الإنسان أكثر مما يتأثرون بكلامه أو بمعلوماته.. ولذلك نجد أن الكثير من حملة الشهادات هم ضعفاء في الشخصية، بينما نجد أن بعض الأُميين هم أقوياء فيها.
فأنت حينما تثير في نفسك الكوامن الخيّرة وتستحث حماستك، فسوف تترك تأثيرك في الآخرين، مع قطع النظر عمّا تقول لهم..
إن الأبحاث تدل على أننا نبدأ بتكوين فكرتنا عن الآخرين بعد سبع ثوان من التقائهم. ويجري معظم الاتصال بلغة غير محكية. ونحن نفشي مشاعرنا الحقيقية، بوعي أو بلا وعي، بواسطة عيوننا ووجوهنا وأجسادنا ومواقفنا. وفي الوقت نفسه يثير كل منّا في الآخر سلسلة من الردود العاطفية تتأرجح بين الطمأنينة والخوف.
فكِّر في بعض لقاءاتك التي حفلت بأبرز الذكريات، كتعريف الى ربِّ عملك، أو مقابلة للحصول على وظيفة أو التقاء أحد الغرباء. ركّز على شعورك وفكرك في الثواني السبع الأولى. كيف «قرأت» الشخص الآخر وكيف تعتقد أنه «قرأك»؟
وهذا يعني أنك حينما تمتلك شخصية قوية فأنت تفرض نفسك على الموقف منذ اللحظات الأولى، لأن قوة شخصيتك تعبر عن نفسها من خلال الملامح، والبشرة، وتعابير الوجه، والإرادة الخيّرة، أكثر مما تعبّر عنها الكلمات..
فكما ينطق الزرع ليس من خلال النطق، بل من خلال ثماره. كذلك تنطق وجوه المؤمنين.
إن «الخير» يتطلع من الوجوه. كما أن «الشرّ» يتطلع من الوجوه.. كذلك.
يقول تعالى: ﴿وَألِّذِينَ كَسَبُوا ألسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةمبِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌۖ مَّا لَهُم مِّنَ أللهِ مِنْ عَاصِمٍۖ كَأَنَّمَآ أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ألَّيْلِ مِظْلِماًۚ ﴾(سورة يونس، الآية ۲۷)
بالطبع ليس مطلوباً أن تصبح شخصاً آخر لكي تكون لك شخصية قوية، فهذا يصطنع وضعاً زائفاً، بل المطلوب أن تكون أنت ذاتك في أفضل حالاتك، فالحقيقة أن في داخلك يكمن السحر الذي يتيح لك أن تترك الانطباع الجيد. وما من أحد يستطيع أن يكون
«أنت» أفضل منك. وهذا أول الطريق نحو اكتساب قوة الشخصية.