أطلال تنعى من بناها، ومعدات التهمها الصدأ، وعمال تم تشريدهم وفق منظومة الخصخصة التى انتهجتها الدولة فى فترات غاب فيها الضمير البشرى، وسيطرت فيها مجموعة من رجال الأعمال الذين اشتروا كل شىء من الدولة بثمن بخس ليدمروا ما صنعته أيدى أناس كان كل همهم إقامة منظومة اقتصادية قوية تنهض بها البلاد.


مصنع تجفيف البصل بمحافظة بسوهاج، صورة واضحة لما وصل إليه حال الصناعة المصرية من تدمير وتخريب فلقد تم تشييد المصنع فى عام 1956 على يد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليكون هو الأول والأكبر فى الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث كان يستقبل المحصول من 8 محافظات فى الصعيد هى "سوهاج وأسيوط والمنيا وقنا وأسوان والوادى الجديد والبحر الأحمر وبنى سويف"، وكان يستوعب 3500 عامل وعاملة من 106 قرية بالمحافظة، ويتعاقد معه 69 مستوردًا حول العالم يتسابقون على حجز حصصهم منه لتصديرها لمختلف دول العالم وخاصة الدول الأوربية.


كان المصنع تابعا لشركة النصر لتجفيف المنتجات الزراعية والتى تضم عددًا من مصانع تجفيف البصل على مستوى الجمهورية بلغ عددها 8 مصانع هى: "القبارى - الحضرا – حجر النواتية – النيل" فى مدينة الإسكندرية، ومصنع بورسعيد، وكفر سليم بالبحيرة، ومغاغة بالمنيا، بالإضافة إلى مصنع سوهاج الذى يعد الأكبر والأضخم، حتى جاءت موجة الخصخصة العاتية وبيعت تلك المنظومة الاقتصادية الضخمة إلى أحد رجال الأعمال بمبلغ 9 ملايين و885 ألف جنيه وتم دفع نصف الثمن نقدا والباقى على أقساط.


يقول حاتم على إبراهيم، أمين عام اللجنة النقابية للعاملين بمصنع تجفيف البصل بسوهاج: إنه كان يضم 4 خطوط إنتاج ووحدة لتحويل البصل إلى بودرة، موضحًا بأنه كان يعمل به ما يزيد عن 3500 عامل وعاملة وكان بمثابة فاتحة خير على جميع من يعملون به، حيث يصرف أرباحا ربع سنوية نظرا لضخامة حجم العمل.


وأضاف: إنه كان يكافئ الفتيات اللاتى كن يعملن به حيث يتم صرف مبلغ 15 ألف جنيه لكل فتاة عندما تتزوج بخلاف مكافآت أخرى كانت تحصل عليها بنهاية خدمتها.


ويشير إلى أن أحوال المصنع بدأت فى التدهور فى عام 2000 حيث تم تخفيض العمالة بنسبة 25% وفى عام 2008 تم إغلاق المصنع "بالضبة والمفتاح"، وتم تسريح العمالة إلى أن وصل عدد العاملين المتواجدين داخل المصنع 79 عاملاً فقط يتقاضون رواتب قيمتها 90 ألف جنيه شهرياً، ولا يوجد عمل لهم سوى الجلوس داخل المصنع يتحسرون طوال ساعات النهار على تلك المنظومة الاقتصادية التى تم تدميرها بهذا الشكل.


ويؤكد حاتم أن المصنع يحتاج إلى صيانة بمبلغ 5 ملايين جنيه ليعود للعمل مرة أخرى إلا أن ذلك ضرب من الخيال، لأن صاحب المصنع عقد العزم على بيع أرض المصنع وينتظر الفرصة حتى تسمح له محافظ سوهاج بالبيع.


وأوضح أن وزارة القوى العاملة تواطأت مع صاحب المصنع وسمحت له بتسريح العمال دون أن يتم محاسبته على ذلك.


وقال منير فخرى عبد النور وزير التجارة والصناعة لـ"الوطن" إنه سيتم التواصل مع المستثمر صاحب المصنع لعودة العمل مرة أخرى، مؤكدا بأنه لن يتم السماح ببيع أرضه لأى سبب من الأسباب، مؤكدًا إنه سيتم دراسة إنشاء مصنع بديل بالمنطقة الصناعية بحى الكوثر بالمحافظة، حتى تعود تلك الصناعة للازدهار مرة أخرى ليستفد منها أبناء محافظات الصعيد الذين يعتمدون بشكل رئيسى على الزراعة.