الذكاء العاطفي
تعامل مع عاطفتك بذكاء


ما هوالذكاء العاطفي ؟
قامت حوالي ألف مؤسسة أمريكية بإجراء أبحاث شملت عشرات الألوف من الأشخاص على مدى العشرين سنة الماضية ، وقد توصلت كل هذهالأبحاث إلى النتيجة التالية :

" إن نجاح الإنسان وسعادته في الحياة يتوقفان على مهارات لا علاقة لها بشهاداته وتحصيله العلمي "
فقد تبين من خلال هذه الأبحاث أن كثيراً من الأشخاص الذين تخرجوا من جامعات مشهورة وكانت درجاتهم ممتازة لم ينجحوا كثيراً في حياتهم العملية أو الأسرية أو العاطفية ، في حين أن أشخاصاً تخرجوا من جامعات عاديه وكانت درجاتهم عادية واستطاعوا أن يؤسسوا شركات ضخمة ويكونوا ثروات هائلة وهم يتصفون بالاستقرار العاطفي والنجاح في علاقاتهم الأسرية والاجتماعية .
أن ذلك لا يعني بالطبع أنه لا دور للشهادات العلمية والدرجات العالية في تحقيق النجاح ، لكنها لا تكفي وحدها ولابد من أن تتوافر معها صفات ومهارات معينة اتجه العلماء إلى تحديدها وإيجاد طرق لقياسها وتطويرها .
وفي مقدمتها الذكاء العاطفي " الانفعالي " :
- إن الذكاء العاطفي هو قدرة الإنسان على التعامل الإيجابي معنفسه ومع الآخرين .
وهناك تعريف آخر:
- إن الذكاء العاطفي يعبر عن قدرة الإنسان على التعامل مع عواطفه بحيث يحقق أكبر قدر ممكن من السعادة لنفسه ولمن حوله.
إن للتفكير علاقة متبادلة مع الشعور ، فكثير من المشاعر تتولد في نفوسنا نتيجة لنمط معين من التفكير ، فإذا غيرنا هذا النمط تبدلت تلك المشاعر ، فالإنسان المتفائل يفكر بطريقة النظر إلى النصف المليء من الكأس وبالتالي يتولد في نفسه شعور التفاؤل والإنسان المتشائم يفكر بطريقة النظر إلى النصف الفارغ من الكأس وبالتالي يتولد في نفسه شعور التشاؤم كما أن الشعور بدوره يؤثر على تفكير الإنسان ، فالإنسان المتشائم يكون في حالة من القلق والتوتر لا تمكنه من التفكير الإيجابي أولا تمكنه من التفكير على الإطلاق
إن الذكاء العاطفي يعلمنا كيف نغير من أنماط تفكيرنا ومن طريقة نظرنا إلى الأمور بحيث نولد في نفوسنا أكبر قدر ممكن من المشاعرالإيجابية ولأطول فترة ممكنة .
هل يمكن للإنسان أن يرفع من مستوى ذكائه العاطفي ؟
الجواب الأكيد : نعم ، فقد بينت الأبحاث أن مهارات الذكاء العاطفي يمكن اكتسابها وأن الإنسان يستطيع إذا بذل الجهد الكافي أن يرفع من مستوى ذكائه العاطفي .
وتشير الدراسات أن هامش التطوير في الذكاء العاطفي أوسع بكثير من هامش التطوير في الذكاء العقلي ،وشرح ذلك بمثالين من الواقع :
( طالب ذكاؤه الرياضي " أحد مكونات الذكاء العقلي" محدود ، إي أن قدرته على تفهم وحل المسائل الرياضية محدودة ، وقد حاولوا أهله المستحيل ليرفعوا من مستوى ولدهم في الرياضيات وبعد الكثير من الدورات والدروس الخصوصية ارتفعت درجة هذا الطالب في امتحان الرياضيات من 20% إلى 50% وتوقف التحسن عند هذا المستوى على الرغم من الاستمرار في الدورات والدروس الخصوصية.
في الوقت نفسه جراحاً ماهراً كان معروفاً بعصبيته وكثرة صياحه على مساعديه أثناء العمليات الجراحية وقد استطاع بتدريب نفسه على الهدوء وضبط الأعصاب "وهذه إحدى مكونات الذكاء العاطفي " فتحول إلى واحد من أكثر الجراحين هدوءاً ومرحاً في أثناء عملياته
- وصحيح هنا أننا لا نستطيع أن نقيس القدرة على ضبط الأعصاب بالدقة نفسها التي نقيس بها الذكاء الرياضي ، إلا أن كل من يعرف هذا الجراح ويتعامل معه يقول أنه قد اختلف 180 درجة .
إن كثير من الناس الذين يتمتعون بكاء عقلي مرتفع ولكن يوجد عندهم ضعففي بعض نواحي الذكاء العاطفي يصلون في سلم النجاح إلى سقف منخفض ولا يمكن أن يرفعوا من هذا السقف إلا إذا رفعوا مستوى ذكائهم العاطفي .
مثال : مدير في دائرة حكومية اشتهر بين زملائه وموظفيه بذكائه الشديد وإخلاصه في العمل لكنه كان لا يتحمل إي خطأ يرتكبه الآخرون وكان نقده قاسياً لا يرحم وقد أدى ذلك إلى نفور الكثيرين منه وعدم رغبتهم في التعامل معه مما حدّ من كفاءة هذا المدير على الرغم من ذكائه وإخلاصه ،لو أن هذا الشخص أضاف إلى ذكاءه وإخلاصه شيئاً من القدرة على تحمل أخطاء الآخرين " أحد مكونات الذكاء العاطفي " والقدرة على النقد البنّاء الذي لا يجرح ولا يسئ " مكون آخر من مكونات الذكاء العاطفي " لو أنه فعل ذلك لتضاعفت قدراته الإدارية واستطاع أن ينجز أعمالاً أكثر بوقت وجهد أقل .

أن الذكاء العقلي يصل بك إلى سقفمعين ، أما الذكاء العاطفي فيفتح أمامك الآفاق.

كيف تكون سيد نفسك ؟؟
في تجربة شهيرة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية قام مجموعة من الباحثين بتخيير أطفال في سن الرابعة بين أخد قطعة من الحلوى فوراً أو أخذ قطعتين بعد فترة قصيرة اختارت مجموعة من الأطفال أخذ قطعة الحلوى فوراً واختارت مجموعة أخرى أخذ قطعتين فيما بعد ، وعندما عاد الباحثون إلى هؤلاء الأطفال بعد أن صاروا كباراً وجدوا أن نسبة الذين يشعرون بالسعادة منهم أكبر في المجموعة التي اختار فيها الأطفال أخذ قطعتين فيما بعد ، وأن هؤلاء أكثر نجاحاً في حياتهم المهنية وأكثر استقراراً في حياتهم الأسرية والعاطفية وتوصل الباحثون بعد هذه التجربة إلى الحقيقة العلمية التالية :

" إن قوة الإرادة والقدرة على التحكم في النفس يؤديان إلى السعادة والنجاح في الحياة "

مثالاً واقعياً خرج محمود من منزله إلى عمله وقرر إن يمرفي طريقه بدائرة حكومية لإجراء معاملة رسمية ، قابله الموظف بجفاء شديد وعامله بطريقه أغضبته جداً عندما خرج محمود من الدائرة الحكومية ، فكر في أن اجتماعاً مهماً ينتظره في العمل ، وأنه إذا أدار الاجتماع وهو في هذه الحالة من الغضب فلن يستطيع التركيز وسيكون اجتماعاً فاشلاً . فأتصل محمود بالعمل وأخبر من هناك أنه سيتأخر نصف ساعة ثم قرر أن يترك سيارته أمام الدائرة الحكومية وأن يذهب ماشياً إلى مكان العمل ، فقد كان الجو ربيعياً جميلاً ، وكان مكان العمل يبعد عن الدائرة الحكومية حوالي نصف ساعة مشياً على الأقدام . وصل محمود إلى مكان عمله وقد هدأت نفسه وأدار اجتماعاً ناجحاً كعادته .
ما الذي فعله محمود ؟

" لقد أدرك عاطفته وتعامل معها بطريق إيجابية خلاقة "




التعاطف أساس النجاح في العلاقات الاجتماعية
عندما يشعر أحدنا بالضيق لسبب ما فإنه يحب أن يجد إنساناً يتحدث إليه ، ولاشك أنه إذا وجد شخصاَ ينصت إليه ويتفهم مشاعره فإن ذلك سيخفف عنه شيئاً من هذا الضيق .

أننا ننجذب فطرياً إلى الأشخاص الذين يتفهمون مشاعرنا ونعرض عن الأشخاص الذين لا يشعرون بنا ، ولكي ينجح الإنسان في قراءة مشاعر الآخرين يجب أن يكون قادراً على قراءة مشاعره وتأثيرها على تصرفاته ، عندها يستطيع أن يجري القراءة المعاكسة وأن يعرف مشاعر الآخرين من خلالتصرفاتهم.

أن من أهم حاجات الإنسان في هذا الوجود حاجته إلى أن تقدر مشاعره من قبل الآخرين ويعتمد تقدير مشاعر الآخرين على ثلاثة أمور :
1- إدراك هذه المشاعر/ فأنت ترتاح للشخص الذي يراك منزعجاً فيقول لك : ( أراك منزعجاً بشدة )
2 – تفهمها دون الحكم عليها / نحن نشعر بالارتياح أيضاًعندما يتفهم الآخرون مشاعرنا دون أبداء رأيهم فيها مثل قول : ( أدرك تماماً أن هذاالأمر مزعج بالنسبة إليك )
3- التعاطف / وهو الإحساس بمشاعر الآخرين مثل قول : ( أفهم ما تشعر به ، فقد مررت بهذا الشعور من قبل)
إذا كانتقدير مشاعر الآخرين يريحهم فإن أكثر ما يزعج الإنسان هو إحساسه بأن الآخرين لا يقدرون مشاعره ، ويمكن أن يتم ذلك بعدة أشكال منها :
1- تجاهل المشاعر / كأن يكون الإنسان متجهماً بسبب شعوره بالحزن فيأتي من يقول له : ( لماذا العبوس ،ابتسم !!!!) أن مطالبة شخص حزين بالابتسام هو تجاهل تام لمشاعره ، وهو لا يروح عن هذا الشخص بل على العكس يزيده شعوراً بالحزن والعزلة .
2- إخبار الآخرين أن هذه المشاعر غير طبيعية / ربما تحاول التخفيف عن غيرك فتقول : ( أنت حساس زيادة عن اللزوم ) لكن في الحقيقة أنت تتهمه بأن فيه عيب لمجرد أنه شعر شعوراً لا تتفق معه فيه . أن اختلاف المشاعر بين الناس أمر طبيعي ولا يحق لنا أن نتهم مشاعر الآخرين بأنها شاذة أو غير طبيعية لمجرد أننا لا نوافق على هذه المشاعر .
3- إخبار الآخرين كيف يجب عليهم أن يشعروا / هل سمعت أحياناً من يقول لك : ( لماذا تحب هذاالإنسان ، أنا لا أرى فيه شيئاً يستحق الإعجاب ) إن مشاعر الإنسان هي هويته ،وعندما نطلب من الآخرين أن يشعروا مثلما نريدهم أن يشعروا أو مثلما نشعر نحن ،فإننا نريدهم أن يكونوا امتداداً لنا ، وأن تكون مشاعرهم امتداد لمشاعرنا ، أي أننا نمحو هويتهم ونعتدي على حقهم في الوجود كأشخاص مستقلين عنا .
إن التعاطف مع الآخرين يحتاج إلى استقرار عاطفي ، فالإنسان الذي تستهلكه عواطف القلق أو الحزن أوالخوف ينخفض إحساسه بمشاعر الآخرين ولذلك علينا أن لا نلوم الآخرين إذا لم يتعاطفوا معنا فربما كانوا في حالة نفسية غير مستقرة .
ويعتمد التعاطف مع الآخرين على قراءة مشاعرهم من خلال تصرفاتهم وتعابير وجوههم ، فقد أجريت تجربة عرض فيها شريط فيديو صامت مدته 45 دقيقة يعرض حركات أشخاص وتعابير وجوههم في حالات شعورية مختلفة، وطلب من 700 مشارك من 18 دولة مختلفة أن يحددوا الحالة الشعورية لكل شخص من خلال قراءة لغة جسده ، وتبين أن الذين حققوا أعلى نسبة من القراءة الصحيحة لحركات وتعابير الآخرين كانوا أكثر المشاركين نجاحاً اجتماعياً واستقراراً عاطفياً .
الإفصاح عن المشاعر يريح صاحبه :
أننا عندما نحدد الدائرة التي ننزعج إذا اقتحمها الآخرون نقلل من احتمال اقتحامها ، وما يصاحب هذا الاقتحام من مشاعر سلبية في نفوسنا .
ويمكن التعبير عن المشاعر بشكل صحيح مثلاً عندما تشعر بعدم الاحترام نتيجة لتصرف معين قام به صديق من الأفضل أن لا تقول له : (أنت لا تحترمني ) وإنما تقول : ( أنا أشعر بعدم الاحترام عندما تتصرف معي هكذا ) إن اتهام الآخرين سيدفعهم إلى اتخاذ موقف دفاعي سيزيد المشكلة ، أما التعبير عن المشاعر فسيحملهم على تفهمها ، وتعديل تصرفاتهم وفقاً لذلك .
التعاطف والنظرة النمطية :أن أهم سبب من أسباب عدم القدرة على التعاطف مع الآخرين هو النظرة إليهم نظرة نمطية سلبية ، إيالحكم عليهم مسبقاً وبشكل سلبي لمجرد انتمائهم إلى جنس أو لون أو دين أو طائفة معينة .
إن التعاطف يعتمد على قراءة الآخرين من خلال التعامل معهم لا من خلال انتماءاتهم ، وعندما تتدخل النظرة النمطية تنعدم القراءة الصحيحة ويصبح الإنسان متحيزاً ومتجنياً في قراءته للآخرين .
والمجتمع الذي تسوده النظرة النمطية ينعدم فيه التعاطف والتواصل والحوار ويملؤه البغض والشحناء وسوء التفاهم ، وإن ذلك سينعكس سلباً على المجتمع وعلى كل فرد من أفراده .
فبمجرد شعور الإنسان بالنظرة الدونية تحيط به من كل جانب كفيل بتخفيض معنوياته والحد من قدرته على العطاء ، ففي تجربة وزعت مجموعة من الأسئلة على مجموعتين من الأشخاص تضم كل مجموعة رجالاً ونساءً ،وأخبرت المجموعة الأولى أن النساء دوماً يحصلون على علامات أقل من الرجال عندما يجيبون على هذه الأسئلة في حين لم تخبر المجموعة الثانية شيئاً ، فكانت النتيجة أنا النساء حصلن على علامات أقل من الرجال في المجموعة الأولى وعلى علامات مماثلة للرجال في المجموعة الثانية ، إننا بمجرد أن نخبر إنساناً ما بشكل مباشر أو غير مباشر أنه دون غيره في مجال من المجالات ، فإن ذلك سيؤثر عليه سلباً ويجعله فعلاً دون غيره في هذا المجال .
التعاطف والقيادة :إن التعاطف مع الآخرين شرط من شروط القيادة الناجحة ، والذين يعتقدون أن القيادة القوية هي التي تدوس على مشاعر الآخرين ولا تهتم بها مخطئون تماماً ،فقد وصف الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو من أعظم القادة على مرالتاريخ فقال : " فبما رحمت من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا منحولك"
إن القيادة القائمة على التسلط وتجاهل مشاعر الآخرين وإنسانيتهم يمكن أن تنجح ولكن نجاحاً جزئياً ومؤقتاً ، فالإنسان لا يعطي أفضل ما عنده إلا حين يشعر بإنسانيته وكرامته واحترام مشاعره .

إن حاجة الإنسان إلى التعاطف على المستوى النفسي تماثل حاجته إلى الهواء والماء والطعام على المستوى الجسدي ، بل إن الدراسات أثبتت أن أولئك الذين يحاطون بجو من التعاطف والتفهم لمشاعرهم تكون قدرة أجسادهم على مقاومة الأمراض أفضل من الأشخاص المحرومين من الدعم العاطفي.