"انتقلت للعمل في شركة عالمية، فوجدت الزملاء يخفون المعلومات بعضهم عن بعض. حتى مديري يتهرب من منحي حق الوصول للنظام المعلوماتي لأتمكن من أداء مهماتي في نطاق مسؤولياتي. فماذا أفعل؟"

تلقيت هذا السؤال ضمن الأسئلة التي يطرحها القراء الكرام طلبًا للمشورة في باب "الاستشارات"، وأجبت بما يلي:
في كتابه "الثقة: دور الثقافة والفضائل الاجتماعية في تحقيق الازدهار" – العدد 76 من خلاصات، عام 1996 – يتحدث "فرانسيس فوكاياما" فيقول: "يجب تمكين العاملين من القيام بمهماتهم وتسهيل انتقالهم من مكان إلى آخر تبعًا لحاجة العمل، مع إعطائهم قدرًا أكبر من المسؤولية. وبدلاً من تقسيم العمل إلي أعمال بسيطة ومكررة، وبدلاً من الوصف الوظيفي الذي خلق حواجز بين الإدارات، يمكن بناء بيئة عمل يسودها روح الفريق، ويسهل فيها أن يحل عامل مكان الآخر، ليتدرب العمال على أداء مهام مختلفة، وتحدد الأجور والحوافز بناء على مجهود الفريق ككل. في بيئة كهذه، يتم حل المشاكل بالعلاقات الشخصية، وبعيدًا عن الرسميات. وعند وصول العاملين إلى مستوى عالٍ من المهارة، يمكن الوثوق بهم وبالتالي إعطاؤهم قدرًا أكبر من المسؤولية في تخطيط وتنفيذ أعمالهم؛ مما يساعد على تحسين العلاقات الاجتماعية بين العاملين." ثم يتحدث "فوكاياما" عن تميز الفرق الألمانية عن نظيراتها الفرنسية والأمريكية، ويعزو ذلك إلى الثقافة السائدة في التعليم والتدريب والتأهيل ومدى تباينها بين تلك الدول.

قد تظن أنك تعمل في شركة عالمية، مع أن الوصف الذي أطلقته على سلوك الفريق لا يحمل أية سمة من سمات العالمية. عندما بحثت عن مصطلح "فرق العمل" على موقع [مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ] وجدت أكثر من عشر خلاصات، ليس أهمها كتاب "فوكاياما" المشار إليه، بل خلاصة كتاب: "خمسة أنماط من الخلل تهدد فرق العمل" – العدد 327 من خلاصات، عام 2006 – وأنماط التهديد المعنية هي: انعدام الثقة، والخوف من الصراع، وغياب الالتزام، والتهرب من المسؤولية، وعدم الاهتمام بالنتائج. ونظرًا إلى أهمية هذه الأسباب، فإنني أدعو السائل الكريم إلى المواجهة وعدم التردد في الدخول في صراع لتغيير الثقافة التنظيمية السائدة في تلك الشركة (العالمية)!

ابدأ بتوثيق كل حالات إخفاء المعلومات وشخصنة المواقف بالتاريخ والحالة والوصف الدقيق، وسجلها تباعًا حتى تقتنص على الأقل 4 أو 5 حالات منها، على أن تكون جميعها ذات مساس مباشر بعملك وأهدافك والمهام الموكلة إليك. بعدما تضبط الحالات الواضحة والتي لا تقبل الشك، توجَّه إلى أعلى مدير في الشركة يمكنك الوصول إليه، وضع حقائق عدم الثقة وانعدام روح الفريق بين يديه. حاول أن توجه الوصف والاتهام للمواقف وليس للأشخاص قدر الإمكان. وإن سئلت عن اسم شخص معين، في موقف معين، أجب بصراحة، ودون تردد، ما دمت واثقًا من نفسك ومن أنك تبتغي النتائج ومصلحة العمل أولاً وأخيرًا.

هناك احتمال بأن يكون مديرك المباشر وزملاؤك في العمل في حالة خوف منك. إذا كنت تشك في هذا، صارح المدير الكبير بالأمر، واطرح بعض التحفظات واحفظ خط الرجعة، وأكد له أنك تتمنى أن يكون سلوك فريقك ناتجًا عن خوفهم منك، وليس سلوكًا متأصلاً فيهم. هذا من باب التحَوُّط والتحفظ وحفظ ماء الوجه، مع أن سلوكهم السلبي غير مقبول حتى وإن كانت لهم أسبابهم ومبرراتهم؛ فهم لا يعملون لك، وأنت لا تعمل لهم أيضًا. كلنا نعمل ونؤدي ونعطي ونتعاون ونتفاعل ونتكامل من أجل تحقيق رسالتنا وترك بصمتنا في الحياة، ولأن العمل أحد مصادر السعادة، فهو الطريق الوحيد إلى تحقيق الذات. ليس هناك مبرر يمكن سوقه، وعذر يمكن تقديمه لتبرير إخفاء المعلومات التي تملكها المؤسسات، وعدم مساعدة زميل مكلف بأداء مهمة تصب في نهاية المطاف في مصلحة كل ذوي المصالح؛ من مالكين ومساهمين ومستثمرين وعملاء وعاملين.
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]
تَقدَّم وواجه المشكلة بحسم وثقة، وكن مستعدًا لأن تدفع الثمن؛ ففي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح. وستجد أمامك احتمالين لا ثالث لهما: إما أن تؤازرك الإدارة العليا في إبداع تغيير جذري في ثقافة المنظمة، وإما أن تناوئك وتقف في الاتجاه المعاكس، فتدرك تلقائيًا بأن الصراع وألاعيب السياسة وغياب روح الفريق هي جزء لا يتجزأ من فلسفة الإدارة العليا وثقافتها المؤسسية المسمومة. فإن كان الأمر كذلك، فلن تجد أمامك بُدًا ولا بأسًا ولا ضيرًا في البحث عن وظيفة جديدة، في شركة أخرى، بغض النظر عن كونها عالمية أو إقليمية أو محلية أو عائلية، أو حتى شخصية.
نسيم الصمادي