النظام الجديد لتنقيط و تقييم أداء موظفي الإدارات العمومية
ذ.يوسف بندريس
مقدمة:
عكفت الإدارة المغربية في السنوات الأخيرة على إصلاح البنية النظامية للوظيفة العمومية عبر مراجعة مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية التي تخص الوضعية الإدارية لموظفي الدولة من أجل الإنتقال بالإدارة من نظام تقليدي يرتكز على تسيير الحياة الإدارية للموظف إلى إرساء منظومة حديثة لتدبير الموارد البشرية توظف فيها كل الإمكانيات المتاحة من تكوين مستمر و حركية و تقييم الأداء و استحقاق و الترقي و ميثاق حسن السلوك.و ذلك من أجل الإستجابة لحاجيات الموظف و رئيسه من جهة و كذا للحاجيات التنظيمية للإدارة من جهة أخرى.
و من بين النصوص التي طالها التعديل و التي سوف نتناولها بالبحث "نظام تنقيط و تقييم أداء موظفي الإدارات العمومية" الذي صدر به حديثا مرسوم رقم 1367-05-2 بتاريخ 2 دجنبر 2005 و الذي دخل حيز التطبيق ابتدءا يناير 2006 بعد نسخ بعض الفصول (3-4-5- الفقرة الثانية من الفصل 6 - 7-14-15-16) من المرسوم الملكي رقم 68-988 الذي يحدد تنقيط و ترقي موظفي الدولة حيث باتت متجاوزة بالنظر إلى التطور المتواصل الذي عرفته الإدارة المغربية.
أولا: الإطار القانوني لنظام تنقيط و تقييم أداء موظفي الدولة.
1. الفصل 28 من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958 بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي نص على أنه " تعطى في كل سنة للموظف المباشر لوظيفته أو الملحق بإدارة أخرى نقط بالأرقام مصحوبة بنظرة عامة يفصح فيها عن قيمته المهنية، ولا يختص بحق إعطاء النقط المذكورة إلا رئيس الإدارة.وتوضع هذه النقط على بطاقة سنوية معدة لهذه الغاية تضاف إلى ملف كل موظف. ويخبرالمعنيون بالأمر بالنقط التي تعطى لهم بالأرقام كما تخبر بذلك اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء، ويمكن لهذه اللجان أن تطلع كذلك على الملاحظات العامة.
2. الفصل 34 من الظهير الشريف رقم 1.58.008 السالف الذكر "يتطلب تحضير اللائحة دراسة عميقة لقيمة الموظف المهنية، وتعتبر في ذلك على الخصوص النقط التي حصل عليها والاقتراحات التي يبديها ويدعمها بالأسباب رؤساء المصالح... "
3. الفصول 2-6-8-10-13-17و18 من المرسوم الملكي رقم 68-988 الصادر بتاريخ 17 ماي 1968 بتحديد مسطرة التنقيط و ترقي موظفي الإدارات العمومية في الرتبة و الدرجة الذي نص على أنه " ترجع سلطة التنقيط إلى رئيس الإدارة الذي يعطي سنويا لكل موظف يباشر وظيفته أو ملحق بإدارة أخرى نقطة عددية مشفوعة بنظرة عامة يعبر فيها عن قيمته المهنية و يسوغ لرؤساء المصالح القيام بهذا التنقيط بموجب تفويض" .
4. المرسوم رقم 1367-05-2 بتاريخ 2 دجنبر 2005 بتحديد مسطرة نظام تنقيط و تقييم أداء موظفي الإدارات العمومية و الذي هو موضوع بحتنا.
5. قرار وزير تحديث القطاعات العامة رقم 06-1725 بتاريخ 28 يوليوز 2006 بتحديد نموذج بطاقة تنقيط و تقرير تقييم موظفي الإدارات العمومية.
6. منشور وزارة تحديث القطاعات العامة رقم 4 و.ع بشأن تطبيق مقتضيات المرسوم رقم 1367-05-2 و مرفقاته.
وبقراءة متأنية للنصوص السالفة الذكر نستخلص أن عملية تقييم أداء الموظف تتكون من عنصرين: النقطة العددية (أو ما يمكن أن نسميه بالتقدير الكمي) و تقييم الأداء المهني (أو ما يمكن أن نسميه بالتقدير الكيفي).
ثانيا: إقرار نقطة عددية سنوية ( أو التقدير الكمي)
خص المشرع المغربي رئيس الإدارة أو السلطة المخول له ذلك بموجب تفويض (الفصل 2 من المرسوم 1367-05-2 و الفصل 2 من المرسوم الملكي رقم 68-988) السلطة التقديرية لإقرار نقطة عددية سنوية لكل موظف يباشر وظيفته أو ملحق لذى الإدارة. وقد وسع المرسوم الجديد من سلم التنقيط و عناصره فجعل النقطة متراوحة ما بين 0 و20 بدل 0 و3 موزعة على العناصر الخمسة التالية إنجاز الأعمال المرتبطة بالوظيفة(من0إلى5)، المردودية (من0إلى5)، القدرة على التنظيم (من0 إلى3)، السلوك المهني (من0 إلى4)، البحث و الابتكار(من0 إلى3) (المادة 2 من مرسوم رقم 1367-05-2)، مع إمكانية تغيير النقطة المحدد لكل عنصر من العناصر المذكورة شريطة الاحتفاظ بمجموع النقط الجزئية الذي هو 20 و ذلك اعتبارا لخصوصيات المهام المسندة لبعض الفئات المهنية مع شرط عرض هذا التغيير على وزارة تحديث القطاعات العامة للتأشيرة(المادة 4 من المرسوم السابق) كما قام المشرع المغربي في المرسوم الجديد السالف الذكر بتوسيع مجال مستويات أداء الموظفين و رتبها عبر خمسة مميزات تعطى حسب النقطة المحصل عليها و هو ما سيعطي مجالا أوسع وأدق لقياس أداء الموظف و هذه المميزات هي كالتالي: ممتاز(النقطة ما بين 18و20)، جيد جدا (النقطة تساوي أو تتجاوز 16 و تقل عن 18)، جيد (النقطة تساوي أو تتجاوز 14 و تقل عن 16)، متوسط (النقطة تساوي أو تتجاوز 10 و تقل عن 14)، ضعيف (النقطة تقل عن 10)، (المادة 5 من مرسوم رقم 1367-05-2)، مع إعتبار نسق الترقي في الرتبة بحسب معدل النقط المحصل عليها في السنوات المطلوبة و التي تخول للموظف نسق ترقي سريع (معدل يساوي أو يفوق 16 نقطة)، نسق ترقي متوسط (معدل يساوي أو يفوق10 و يقل عن 16 نقطة)، نسق ترقي بالأقدمية (معدل يقل عن 10 نقطة).
وتضّمن هذه النقطة في بطاقة سنوية تسلم لكل موظف موجود في وضعية القيام بالوظيفة قبل فاتح أكتوبر من كل سنة. أما الموظف الملحق فتوجه البطاقة من طرف إدارته الأصلية إلى الإدارة الملحق بها قبل فاتح شتنبر من كل سنة لتعبئتها و إرجاعها إلى الإدارة الأصلية أما إذا وضع حد لإلحاق موظف خلال السنة، فإن رئيس الإدارة الملحق لديها يوجه إلى الإدارة الأصلية فور نهاية الإلحاق تقريرا عن نشاط المعني بالأمر خلال المدة المنصرمة، و تحتوي بطاقة التنقيط على هوية الموظف، النقط و الميزات الممنوحة له، معدل النقطة المحصل عليها، نسق الترقية في الرتبة و توقيع رئيس الإدارة و تدرج هذه البطاقة في الملف الإداري لكل موظف.
وقد أعطى المشرع للموظف الحق بالإطلاع على النقطة الممنوحة له، كما أعطى للجنة الإدارية المتساوية الأعضاء نفس الحق (الفصل 28 من الظهير الشريف رقم 1.58.008) مع تمكينها من الإطلاع على الملاحظات المهنية و الخاصة المدرجة في تقرير التقييم وإن أمكن الحال طلب إعادة النظر من جديد في النقطة العددية الممنوح لأحد الموظفين أثناء النظر في جدول الترقي (الفقرة 2 و4 من الفصل 10 من المرسوم الملكي رقم 68-988).
ثالثا: نظام تقييم الأداء ( أو التقدير الكيفي)
لم يختلف كثيرا فقهاء القانون والممارسون له حول تعريف عملية تقييم أداء الموظف، فمنهم من نظر إليها على أنها عملية كتابة و تعبئة تقارير أنشطة و كفاءة الموظف، و منهم من جعلها عملية التعرف على مدى جودة الأداء لكل فرد في جميع مستويات التنظيم الإداري، أما المعهد البريطاني للإدارة فوصفها بعملية تقييم للفرد القائم بالعمل في ما يتعلق بأدائه و مقدرته و غير ذلك من الصفات اللازمة لتأدية عمله.
ولاعتبار عملية تقييم أداء الموظف من العوامل الأساسية التي يرتكز عليها تحسين تدبير الموارد البشرية ونجاح أي تنظيم إداري من أجل الوصول إلى معدلات عالية من الكفاءة والإنتاجية، وبالموازاة مع التطور الذي يعرفه قانون الوظيفة العمومية استحدث المشرع المغربي بالمرسوم رقم 1367-05-2 إضافة على مسطرة التنقيط التي كان معمولا بها في السابق والتي أصبحت متجاوزة نظرا لاعتمادها على عناصر ذاتية لا تسمح بالتقييم الموضوعي لأداء الموظف، نظاما جديدا للتقييم يتم لزوما عند انتهاء مدة التمرين من أجل الترسيم وعند ترقي الموظف في الدرجة وعلى الأقل مرة في كل سنتين يمكن من تقدير المردودية الحقيقية للموظفين من خلال التنصيص على مقاييس محددة وشفافة قادرة على الحكم بكل موضوعية على مدى قيام الموظف بالمهام والمسؤوليات المنوطة به مع الأخذ بعين الإعتبار خصوصيات كل نشاط.
و قد تضمنت عملية تقييم الأداء إعداد تقريرمن طرف الرئيس المباشر بعد إجراء مقابلة مع الموظف يحدد تاريخ إجرائها مسبقا بحيث تنصب بالإضافة إلى مؤهلاته المهنية بالنظر للمهام الموكولة إليه قصد إبراز مدى حاجته لإعادة التأهيل والحركية ومدى استحقاقه للترسيم والترقي في الدرجة،و على النقطة الممنوحة له وعلى العناصر المرعية في التنقيط المشار إليها في الفصل الثاني من المرسوم رقم 1367-05-2 التي هي: إنجاز الأعمال المرتبطة بالوظيفة؛ المردودية؛ القدرة على التنظيم؛ السلوك المهني؛ البحث و الابتكار.
و قد احتوت بطاقة تقرير التقييم على العناصر العشر التالية: هوية الموظف، مساره المهني، السلوك المهني خلال مدة التقييم، التكوين، نتائج التقييم، التقدير العام، معدل النقطة المحصل عليها، القرار المقترح، التوصيات، ملاحظات الموظف الخاضع للتقييم و إسم وصفة الموقع.
و في الختام نود أن نشير إلى أن النظام المزدوج (العددي و الوصفي) الذي اعتمده المشرع المغربي في المرسوم رقم 1367-05-2 ليس هو التقييم الوحيد المعتمد في التسيير الإداري، بل أن هناك بالإضافة إلى ذلك التقييم "العددي" و"الوصفي" وكذلك التقييم " البياني" و " المقارن". كما أن من مميزات هذا المرسوم أنه استطاع إدخال مفهوم التقييم إلى منظومة تدبير الموارد البشرية بالإدارة المغربية التي كان غائبا عنها.