هل من علاقة؟ إذا كنت موظفا ربما تسأل دائما عن تقييم أدائك نهاية كل عام، بل قد تجادل أو تناقش رئيسك فيه،ولكن هل تساءلت يوما ما عن معني تقييم الوظيفة ومدي علاقته بمعايير تقييم أدائك؟ هذا ما اعتقدك تحتاج إلي التثقف فيه حتي تحسن الدفاع عن حقوقك الوظيفية.
البعض يظن أن وظيفة ما تشبه أخري في ذات المؤسسة، وأن مهامها تشبه مهام غيرها مادام الأفراد فيهما علي ذات الدرجة الوظيفية سواء كانوا في المستويات الإدارية الأعلي أو الأقل، وهذا ظن غير صحيح إداريا ومؤسسيا إذ ان لكل وظيفة طبيعة فنية وعملية مختلفة بل مهام وتوصيف يختلف في العبء ونوع وحجم العمل ومستوي إدارة المخاطر والأزمات وحجم اتخاذ وصنع القرارات فيها.
وهذا لعمري ما فطنت له بعض لوائح المؤسسات الحديثة فقط، ولم تفطن له الأخري، والأصعب لم يفطن له القائمون علي تنفيذ اللوائح حتي في بعض المؤسسات التي نصت لوائحها عليه.
فقد تنص لوائح بعض المؤسسات والأجهزة الحكومية نصا صريحا علي أن تقسم الوظائف فيها إلي مجموعات نوعية طبقا لطبيعة العمل بها، ولكن تطبيق هذه اللائحة علي توزيع وتنويع وتقسيم الوظائف عند إعداد الهياكل الإدارية يظل بعيدا كل البعد عن روحها، وكثيرا ما تجد هذا التطبيق علي ارض الواقع حبرا علي ورق مما يترتب علي إثره خلل في تصنيف وتوصيف الإدارات والوظائف، بل وخلل أيضا في تحديد معايير تقييم أداء الموظفين أو الإرشادات العامة لتقييم الأداء التي غالبا ما تترك لتكون عشوائية إذ تحكمها عبارات عامة غير منصفة.
وحتي بعد إنشاء المؤسسات هياكلها ومرور السنوات علي عملها تنص لوائح كثير منه علي أنه يجوز إعادة تقييمها وتوصيفها للوظائف والإدارات علي ضوء تطور أعمالها ولكن قلما تجد تعديلات علي الهياكل الإدارية والوظائف وفقا لتطور أعمالها وتشعب مسؤولياتها ولكأنها قرآن منزل يحرم تغييره، او لكأن العلوم الإدارية والشركات الاستشارية في مجال إعداد الهياكل وفقا للمتغيرات العملية والتطورات الإدارية خافية علي هذه الأجهزة فتتباطأ فيها تباطؤا يؤثر في العمل نفسه وعلي حافزية الموظفين ودافعيتهم خصوصا إذا تزامن مع عدم اتخاذ هذه التعديلات ظلم في التقييم الوظيفي للمهنة ذاتها دون تقدير طبيعتها وظلم في تقييم الموظفين أنفسهم فيها وهم بعدد لا يوازي حجم عمل المؤسسة خصوصا إذا مرت فترة زمنية ليست بالقصيرة في انتظار تعيينات جديدة لضخ كادر عددي ونوعي يوازي حجم العمل وطبيعته، وقام العدد النزر القليل حينها بمهام فريق إداري متكامل دون أن يشفع له ضغط العمل عليه أو ينعكس إيجابيا علي تقييم أدائه.
هذا وتشير بعض اللوائح في المؤسسات إلي أن تقويم الأداء هو قياس كفاءة الموظف خلال فترة محددة وفقا للمعايير المرفقة بها، بل وتؤكد أن وضع تقارير تقويم الأداء تكون باتباع معايير وأسس وقواعد تقويم الأداء المرفقة باللوائح، وبمراعاة المعايير الخاصة المتعلقة بالوظيفة التي يشغلها الموظف والمعايير العامة المتعلقة بالمجموعة النوعية التي ينتمي لها الموظف.
أين المؤسسات الحديثة من كل ذلك؟
إنك لو تصفحت بعض لوائح المؤسسات من الجلدة إلي الجلدة لن تجد معايير مرفقة لا عامة ولا نوعية ولا حتي إرشادات توجه المسؤولين، وهذا موضوع خطير إذ يترك موضوع تحديد هذه المعايير للأفراد أو للتقييم العشوائي في مخالفة صريحة للنص وتطبيقاته. ناهيك عن عدم مراعاة أي معايير خاصة متعلقة بالوظيفة التي يشغلها الموظف ذاتها أو مراعاة حتي للمعايير العامة المتعلقة بالمجموعة النوعية التي ينتمي لها الموظف.
وما النتيجة؟
ظلم في تقييم الوظائف وعدم تقدير لحجم عملها أو عدد موظفيها مقارنة بحجم العمل وطبيعته النوعية، وظلم في تقييم أداء الوظيفة ذاتها، يتبعه ظلم في تقدير معايير تقييمها وأجرها وبدلاتها وعلاواتها الفنية، وظلم في معايير تقييم الموظفين فيها، ومساواة بين من يعمل أو لا يعمل أو من يعمل علي عدة جبهات ومن يعمل علي جبهة واحدة، في خلاف للعرف العام والمنطق الحكيم الذي ضربه النص القرآني مثلا للذين يتفكرون:
(ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا، الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) الزمر- 29
والنتيجة انه لدي البعض يصبح زيد مثل عبيد ، بل قد يعلو الأقل أداء علي متميز الأداء خصوصا إذا وافق ذلك تقييم باعتبارات ذاتية أو مصالح خاصة متبادلة بين الرؤساء والمرؤوسين أو محسوبيات أو معايير أخري غير مؤسسية. ناهيك عن تزامن ذلك مع مخالفة نصوص لوائح المؤسسات التي تعتبر الأداء العادي هو المعيار الذي يؤخذ أساسا للتقويم، والتي تلزم أيضا الرئيس المباشر بمناقشة موظفه في عناصر تقويم أدائه وبأوجه التميز أو حتي النقص فيه حتي يعزز جوانب القوة ويعالج جوانب الضعف، وذلك قبل اعتماد تقرير تقويم الأداء الاعتماد النهائي.
ولكن السائد وللأسف أن لا مناقشة لدي البعض لجوانب قوة أو ضعف لتطوير أو تعديل ولا حتي إخطار للموظف بنتيجة تقييم أدائه وكأن الشأن أمر قضائي أو مخابرات لا يعرف عنه الموظف إلا بعد مرور عام علي تقييم أدائه أو عند توزيع كشوف العلاوات السنوية المتأخرة بأثر رجعي مدونة أسفل علاوته المستحقة أو عندما ينزل رصيد راتبه في البنك، دون أن يكون له صوت أو إرادة او حتي رأي في أدائه ودون أن تمرر تقاييم الأداء علي لجنة شؤون الموظفين للتوصية بشأن تبعاتها، ودون أن تكون فوق الظلم عدالة تنصفه حقه.
والأصعب أن تنحرف العدالة عندما يلجأ الرؤساء إلي خفض معدلات مرؤوسيهم علي معايير المنحني، أي الأحكام المسبقة والدرجات المقدرة سلفا، حتي لا يشم أحدهم رائحة الامتياز، علي خلاف للقاعدة البشرية العامة التي تحيي في دراساتها ومنطقها العام الفروق الفردية التي قد تؤمن بوجود أعمال مميزة أو أعمال ضعيفة ولو قليلة ومن ثم تكون المعايير العامة في الدرجات الوسطي، ولكن ألا يتميز أو يضعف أحد في مؤسسات أثبتت نجاحها، فتلك لعمري ظاهرة غير صحية ولا بد من فحص المؤسسات إذا نخرتها هذه الظاهرة لئلا تهدم كما هدمت إمبراطورية الرجل المريض ، فإذا لم يتميز أحد في مؤسسة ما فما ذلك إلا علي تفسيرين:
- ان المؤسسة مؤسسة فاشلة، وعليها ان تعيد تقييم موظفيها ومسألة تعيينهم أو الاستغناء عنهم، أو ربما عليها أن تنسفهم عن بكرة أبيهم لتجلب لهم من السماء فردا مميزا علي الأقل يصحح مسيرتها لأنها فشلت في جلب الموارد البشرية الكفؤ منذ نشأتها، وهذا يجب ان يتم بعدالة بعد استعراض وفحص ملفات الموظفين سواء الجدد أو القدماء وفحص تقييم أداء القدماء علي مدي عدد سنوات ومستوي خدمتهم في الدولة في المؤسسات الشبيهة التي عملوا بها، فإذا ثبت ضعف أدائهم في الجهتين فلا بد من عزلهم، أما إذا ثبت العكس، فالإجابة لديكم؟
- أو إنها قد تكون مؤسسة ناجحة بمعايير إنجازاتها وسمعتها الوطنية والدولية وحتي سمعة موظفيها، ولكنها تعاني البيروقراطية والأوتوقراطية علي حد سواء وعليها أن تعيد النظر إما في نزاهة مديريها أو في معايير تقييم الوظائف فيها أو معايير تقييم أداء الموظفين ومعاملاتها الإدارية الأخري، وتفحص ما إذا كانت مطابقة للوائح أو مخالفة لها، ملحقة بها كما تنص اولا، ونزاهة لجان شؤون الموظفين في توصياتها إن وجدت أو إن مارست دورها علي الوجه الصحيح، أي البحث عن المعايير المؤسسية ومعايير العدالة الوظيفية حتي لا تفقد المؤسسات كفاءاتها واحدا تلو الآخر نظير الإحباط والطرد الوظيفي الخفي.
- أو لعلها مؤشر لتبحث عن الأسباب الأخري السلطوية فوق سلطة الموظفين التي تجعلهم أسري لنظام ربما يكون ناجحا بسواعدهم وهو يدعي ضعف أفراده، ويفت في عضدهم.
بقلم : مريم الخاطر