هذا موضوع الساعة في هذه الأيام وهو موضوع نقاش وحوار. ومع أن السؤال يبدو بسيطاً إلاّ أن الهدف والغاية من توجيهه ليس بسيطاً، ذلك لأنهم يحاولون أن يقولوا لنا:
أنتم تقولون بأن الناس جميعاً من نسل آدم وحواء عليهما السلام، ولكن كيف جاء هؤلاء الناس الذين ولدوا من أب واحد وأم واحدة إلى هذه القارة الجديدة؟ فلو كان الأمر كما تقولون لما استطاع هولاء الوصول إليها. وهذا يدل على نشوء كل إنسان في منطقته الخاصة به نشوءا ذاتيا، أي هناك عملية تطور.
إذن، تحت هذا السؤال الذي يبدو بسيطاً للوهلة الأولى يكمن مثل هذا الفكر الإلحادي. أجل، إننا نقول بأن الناس جميعاً من نسل آدم وحواء عليهما السلام. ولا نقول نحن هذا، بل يقوله الله سبحانه وتعالى، لذا نؤمن بهذا من كل قلوبنا.
يحاول العلماء الماديون منذ سنوات بنظريات متعددة مناقضة وجرح ما يقوله القرآن حول الخلق، ولكننا رأينا - كما ذكرنا ذلك بالتفصيل في موضعه - بأن هذه النظريات التي طرحت من قبل هولاء تهافتت الواحدة بعد الأخرى وظهر أن ما ذكره القرآن هو الصحيح من الناحية العلمية. ولن ندخل في هذا الموضوع الآن، بل نحيل من يرغب في ذلك إلى ما قلناه بالتفصيل في هذا الصدد. ولكن نكتفي هنا بالقول بأن الناس جميعاً هم من نسل آدم وحواء عليهما السلام. والنظرية الداروينية التي ادعت العكس تتعرض كل سنة إلى سيل جديد من نبال المعارضة العلمية. ولا ننسى هنا أن الداروينية ليست إلا نظرية فحسب.
وقد يرى البعض أننا نحاول حشد أدلة عديدة أكثر من اللازم ضد هذه النظرية المبنية على أسس ضعيفة جداً. ولكننا معذورون في هذا لأن الفكر الإلحادي الخبيث الكامن تحتها من الخطورة بحيث يبرر قيامنا بحشد كل هذه الأدلة ضدها بل يجبرنا على ذلك. والمنظر الحالي هو أن نظرية التطور ولدت منذ البداية ميتة، ولم تسر فيها الحياة أبداً، وتعرضت حتى الآن لسهام مئات وآلاف من العلماء المؤمنين حتى لم يبق فيها مكان صحيح غير مجروح، وحكم عليها بالإعدام مئات المرات. لذا فإن هجومنا عليها لم يكن إلا بسبب قيام بعض أهل الضلالة بمحاولة إحياء هذه النظرية واستغفال بعض الشباب بها.
لقد تعرضت دنيانا هذه عدة مرات إلى تغيرات كبيرة. فالجيولوجيون يقولون مثلاً بأن البحر الأبيض المتوسط كان عبارة عن بر قبل عشرة آلاف سنة. وإن كثيراً من أقسام البر حالياً كانت بحاراً. فإن كان ما يقولونه صحيحاً، فمعنى هذا وجود حضارة ودول في المكان الحالي للبحر الأبيض المتوسط آنذاك. ويمكن ذكر الشيء نفسه بالنسبة لقارة أمريكا وقارة استراليا، أي من المحتمل أن هاتين القارتين كانتا متصلتين بالقارات الأخرى للعالم، وإن المحيطات التي تفصلهما الآن كانت أراضي برية. فإذا نظرنا إلى الموضوع من هذه الزاوية علمنا أن انتقال الإنسان إلى قارة أمريكا وغيرها من القارات كان ممكنا ومتيسراً.
ثم إن تاريخ الإنسانية أقدم مما يُتصور، فقد نشرت قبل مدة مقالات حول العثور على هيكل عظمي لإنسان عاش قبل 270 مليون سنة، بينما عمر أقدم هيكل عظمي للقرد تم العثور عليه حتى الآن يرجع إلى ماقبل 120 مليون سنة، أي هناك فرق أكثر من نصف الفترة الزمنية بينهما. بينما نجد أن بعض الأحياء المائية التي تعيش في أعماق البحار كالطحالب باقية كما كانت تماماً قبل 500 مليون سنة. والنحلة الحالية، هي كما كانت تماماً قبل 500 مليون سنة.
فالعلماء يشيرون بهذه الأرقام التي يعطونها إلى أن ظهور الوجود وكذلك ظهور الحياة أقدم مما كان يتصور سابقاً. لذا لا يجوز إعطاء أحكام عن عهود تاريخية هي أقدم من العهود التي يعرفها علماء التاريخ، وفي الأقل إعطاء احتمال لما ذكرناه وإجراء التقييم على ضوء هذه الاحتمالات، لأن أصحاب النظرة المعاكسة لنظرتنا لا يملكون أي دليل يعتد به لنقض نظرتنا.
عندما تقابل الفرنسيون مع أهالي مايا ذكر هؤلاء للفرنسيين بأن تاريخهم القديم المكتوب يذكر بأن أرض بلدهم كانت ملتصقة ببر بلد آخر، وأن طوفاناً وزلزالاً أدى إلى اختفاء ذلك البلد وأغرقه في البحر. أما هم فقد بقوا في الأعالي. وهناك إشارة مماثلة لهذا في تاريخ الهند، فهم يذكرون حدوث طوفان كبير انفصل إثره البر المجاور لهم وفصل بينهما المحيط. قد تكون قارة استراليا هي البر الذي انفصل وابتعد عنهم. إذن فإن رحيل الإنسان إلى قارة أمريكا أو استراليا لم يكن صعباً أو مستحيلاً كما يدعون.
ويمكننا القول أخيراً بأننا حتى لو قبلنا بر الأرض كما هو موجود حالياً، فإن الوصول إلى تلك القارات ليس صعباً. ذلك لأن مضيق "برنك" كثيراً ما تتجمد مياهه بحيث يمكن المرور إلى أمريكا من روسيا. ثم إن هذه المسافات يمكن قطعها حتى بالسفن البدائية. ونحن نعرف أن السياح المسلمين استطاعوا الوصول إلى امريكا قبل كريستوف كولومبوس، أي قبل وجود السفن الحديثة، وأنهم شحنوا حتى جيادهم على سفنهم واكتشفوا أمريكا. وهذه الحقيقة يشير إليها الكثير من المحققين. إذن، فإن انتقال الإنسان إلى أمريكا وتكاثرهم هناك لم يكن عملية مستحيلة أو حادثة غريبة وخارقة للعادة، بل كانت حادثة اعتيادية.
أما بالنسبة إلى نقض الداروينية، فقد قيل الكثير كجواب على الأسئلة المثارة حولها، وتم طبع العديد من الكتب والبحوث العلمية حول نقضها. فمن أراد معرفة ذلك فعليه مراجعة تلك الكتب.
فتح الله كولن