ومن الجدال ما خنق
أتسائل في بعض الأحيان ما الفرق بين الجدل والنقاش؟، عله سؤال سهل يصل الى درجة التفاهة، ولكن انتظر لا تتعجل فإجابتك عن هذا السؤال سيتوقف عليها تبعات كثيرة، فأين هو الحد الذي يحول النقاش الى جدال، وكيف أميز الشخصية العاقلة الواعية الراغبة في مناقشة أمر ما للوصول الى الحق من الشخصية الجدلية التي لا تملك الا الاعتراض والاستشاهد بضعاف الأمور.
هل بدأت تتلمس حيرتي أخيرا، هذا هو .. ان الجدال طاقة سلبية مهدرة يدخل المجادل معك في مناقشة طويلة وعريضة لا يملك فيها حجة قوية إلا حجة الانكار، ولا يحاول اقناعك قدر ما يحاول ان يعارضك، لتتشتت انت بين كم المواضيع المختلف عليها بينك وبينه وبين حجتك الاساسية. إن الشخصية الجدلية هي شخصية هدامة تستنزف طاقتك دون الوصول الى نتائج نهائية، تمسكها برأيها يبدو ظاهرا وباطنا مبالغ فيه، سواء ان كان هذا الرأي حقا أم باطلا، وحتى في تنازلاتها بعض الأحيان وفي بعض المواقف فإنه يكون متعمدا للفوز بنقطة تساعدها في الجدال القادم.
أما لو كان المجادل رجلا لتحملناه او لاجتنبناه، ولكن المعضلة الحقيقية هي ان يكون المجادل هذا امرأة، ويالا الطامة الكبرى لو كانت هذه الإمرأة زوجتك، حينها فإني ومن الآن احتسبك من الشهداء، ولنطلق عليك بضمير مستريح لقب "شهيد الجدال"، حتى لو ظللت حيا، ولم لا فالشهداء أحياء أيضا، ولكنك ستصبح حينها الحي الشهيد لا الشهيد الحي.
أسوأ ما في أي حياة زوجية هو المرأة المجادلة، تخيل حال عودتك من عملك مرهقا، متعبا، تحلم بالراحة والسكينة التي وعدك بها الله حينما قال "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً"، فتقابلك زوجتك بجدال عقيم حول أي أمر من الأمور التافهة كحرارة الجو مثلا أو ارتدائك لزي غير متناسب، أو قيادتك السريعة للسيارة، ... إلخ. وهذه عنواين فقط أما عن الموضوع نفسه فحدث ولا حرج، فهي لا تخجل ان تظل تحاورك وتناورك في احدى هذه الأمور لدقائق طوال حتى لتشعر أنك في مكانك هذا منذ قرنين من الزمان وأن محمد علي باشا سيرسل العسكر الآن ليلقي القبض عليك بتهمة معارضة والي مصر في دفع الجزية عن الناقة التي صدمتها بحصانك ليلة أمس.
وليت الأمر يقف عند هذا الحد، فهو أمرا محتملا ولكن ماذا لو أخطأت دون قصد منك ونبهتها الى خطأ تقوم به - وهو حق لا يقبل الجدل - او أنك تظن ذلك، فإذا بأمطار وسيول وعواصف من التبريرات والحجج والبراهين والأدلة حول خطأ معتقدك، وحول تزمتك وعدم فهم الشامل للأمور، وضيق أفقك، وضيق صدرك، وضيق جيبك، وضيق نفسك ... حتى تدعو عليك بأن يضيق عليك قبرك.
الحديث عن جدل المرأة حديث طويل ومشوق وعندي فيه قصص وأساطير طويلة لا تنتهي، ولكني أرغب في أن أعود الى لب القضية، وهو كيف نميز الجدال عن النقاش، وأقول لكم ببساطة شديدة اذا رأيت الشخص الذي تحاوره يستمع أكثر مما يتكلم فهو يتناقش لا يجادل، واذا وجدته لا يقارعك الحجة إلا بالحجة فهو يتناقش ولا يجادل، واذا خفض صوته، وشخص ببصره، وطال صمته، وبان عزمه، وزاد تواضعه، فكلها من مظاهر الشخص الذي يبحث عن الحقيقة لا يهمه من أين تأتي ولا ممن تخرج.
أريد فقط ان ألمح الى أن مقالي هذا ليس هجوما على كل النساء ولا على الزوجات فهن زينة البيوت، ولكني أهاجم بعضهن من اللاتي استحلين الجدل مستعيضين به عن الطاعة، فما أحوج الزوج لكلمة طيبة تخرج من فم زوجته توافقه توا فيما يقول تناقشه لاحقا فيما اعتقد، فالجدال واحتدام النقاش ليسا من سمات المرأة الذكية، والجدال لا يكسبها صفة الذكاء لمجرد اختلافها مع زوجها، فالجدال لا يشعر الزوج أبدا برجاحة عقل زوجته، وانما يكسبه المرارة والإعراض عن الحديث معها والخوض معها في أي مناقشة، فليتها وافقته ومن ثم ناقشته لاحقا، فالزوج يشعر بأنه على حق - وهو مخطأ أحيانا - ولكنه في خضم جدل دائم سواء في عمله أو في علاقاته الأسرية أو مع الجيران تواق الى لحظة يقول فيها الكلمة فتسمع، ويلقي فيها أمرا فيطاع، ويطلب فيها طلبا فيتحقق، إنه لا يحتمل ان يدفع ضريبة طلبه أو أمره نقاشا وجدالا طويلا .. هذا ان تحقق طبعا.
بقلم أحمد نبيل فرحات

لمتابعة المقال على الفيس بوك:
https://www.facebook.com/note.php?no...03404926398466