بعض الملامح المهمة لهجرة المسلمين

فى ظلال الهجرة

(1) الاهتمام بقضية النية.. لماذا تهاجر؟

روى البخاري عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ t أن رَسُولَ اللَّهِ قال: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".

ومع أن الهجرة للزواج ليست محرمة، ومع أن الهجرة لإصابة الدنيا الحلال ليست محرمة، لكن هذه هجرة ليست كالهجرة لبناء أمة إسلامية.

وهيهات أن يكون الذي ترك كل ما يملك ابتغاء مرضات الله، وسعيًا لإنشاء أمة إسلامية، ورغبةً في تطبيق شرع الله في الأرض.. كالذي عاش لحياته فقط، وإن كانت حياتُه حلالاً!!

(2) الهجرة الكاملة لكل المسلمين لم تكن إلا بعد أن أُغلقت أبواب الدعوة تمامًا في مكة.. وقد أغلقت أبواب الدعوة منذ ثلاث سنوات.. بعد موت أبي طالب والسيدة خديجة رضي الله عنها.. ومنذ ذلك التاريخ، والرسول أراد أن تكون الهجرة إلى المدينة المنورة. يخطِّط للهجرة.. وكان من الممكن أن يكون مكان الهجرة مختلفًا عن المدينة لو آمن وفد من الوفود التي دعاها الرسول إلى الإسلام مثل بني شيبان أو بني حنيفة أو بني عامر، ولكن الله

فليس المهم هو المكان، ولكن المهم هنا ملاحظة أن الهجرة لم تكن نوعًا من الكسل عن الدعوة في مكة، أو "الزهق" من الدعوة في مكة.. أبدًا.. الدعوة في مكة من أول يوم وهي صعبة، ولكن ما ترك المسلمون بكاملهم البلد إلا بعد أن أُغلقت تمامًا أبواب الدعوة.. أما إذا كانت السبل للدعوة مفتوحة -ولو بصعوبة- فالأولى البقاء لسد الثغرة التي وضعك الله عليها.

(3) الهجرة كانت للجميع، وذلك على خلاف الهجرة إلى الحبشة والتي كانت لبعض الأفراد دون الآخرين.. والسبب أن طبيعة المكان وظروفه تختلف من الحبشة إلى المدينة؛ فالمسلمون الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا يريدون حفظ أنفسهم في مكان آمن حتى لا يستأصل الإسلام بالكلية إذا تعرض المسلمون في مكة للإبادة، ولم يكن الغرض هو إقامة حكومة إسلامية في الحبشة، بل كان المسلمون مجرد لاجئين إلى ملك عادل. أما الهجرة إلى المدينة فكان الغرض منها إقامة دولة إسلامية تكون المدينة هي المركز الرئيسي لها.

ولماذا تصلح المدينة لإقامة الأمة الإسلامية ولا تصلح الحبشة؟
إن هذا ليس راجعًا إلى عامل البُعْد عن مكة واختلاف اللغة واختلاف التقاليد فقط، وإن كانت هذه عوامل مهمة، ولكن الاختلاف الرئيسي -في نظري- هو أن الاعتماد في الحبشة كان على رجل واحد هو النجاشي -ملك لا يظلم عنده أحد- فإذا مات هذا الرجل أو خلع، فإن المسلمين سيصبحون في خطر عظيم.. وقد كاد أن يحدث ذلك، ودارت حرب أهلية كاد النجاشي فيها أن يفقد ملكه، فما كان من النجاشي إلا أن يسر سبيل الهروب للمسلمين المهاجرين عنده.. فهو لا يملك لهم إلا هذا.. هذا كان الوضع في الحبشة.. أما في المدينة المنورة فالهجرة لم تكن تعتمد على رجل معين، بل تعتمد على شعب المدينة.. والجو العام في المدينة أصبح محبًّا للإسلام، أو على الأقل أصبح قابلاً للفكرة الإسلامية، ومِن ثَمَّ كانت الهجرة إلى هناك هجرة جماعية كاملة.