ا
(إذا كان هناك ما يمنح الروح جلالًا وفخامة، فهو الصبر، أي سر امتلكته العظماء الذين حققوا أشياء عظيمة، وألهموا الكثيرين، وساعدوا الكثيرين؟ الصبر كان هذا السر).
مما لا شك فيه أن الصبر من أكثر الإخلاق ذكراً في القرآن, فالصبر هو درب الأنبياء والمرسلون, وعلى خطاه صار الصحابة والتابعون, ولهذا إننا نتحدث عن خلق عظيم, فوالله إن الصبر لا يكون في الإبتلاء فقط بل يكون أيضاً في السراء بشكر الله وحمده فيقول الله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [], حقًا إن الصبر هو القوة الخارقة والضاربة التي يصعب على أي شيء في العالم هزيمته, ونحن بإذن الله تعالى سنركز حديثنا على أهمية هذا الخلق بالنسبة للمدير والقائد في المؤسسات والشركات وذلك في التعامل مع الموظفين وكل مجالات العمل.عنايت خان.
هازم التحديات:
إن الصبر ولاشك هازم للتحديات، ولذا يقول الله تعالى {ولنبلونّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة (155-157)], إن معنى الصبر الوارد في هذه الآية ليس معناه فقط أن يصاب الإنسان مثلًا بمرض فيصبر عليه, وإنما معنى الصبر في هذه الآية شامل, ولذلك يمكننا القول بإن ما تتعرض إليه المؤسسات في بعض الأحيان من أزمات مالية وغيرها من مشكلات تعتبر من المصائب التي يجب الصبر عليها.
وما أعظم قول النبي صلى الله عليه وسلم, حينما يخفف عنا ما نعانيه فنقول: (عجباّ لأمر المؤمن إن أمره كلّه خير وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً) [رواه مسلم].
وإن الأنبياء ليضربوا لنا أروع الأمثلة في الصبر, فهذا يعقوب عليه السلام صبر على فراق يوسف عليه السلام, وهذا أيوب صبر على المرض, وهذا يونس صبر على الظلمات الثلاث, وصالح ولوط صبرا على إيذاء أقوامهم.
وها هو المُربي الأعظم الذي عرفه التاريخ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلمنا درس آخر في الصبر، فعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على إمرأة تبكي على صبي لها فقال لها: " اتقي الله, واصبري, فقالت: وما تبالي بمصيبتي فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله فأخذها مثل الموت, فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين, فقالت: يا رسول الله لم أعرفك, فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى" [متفق عليه].
والمدير بصفة عامة مطلوب منه تحقيق غايات وأهداف محدودة, ويعمل في ظل ظروف متغيرة وعقبات وتحديات مستمرة تواجه مسيرته في تحقيق هذه الأهداف والغايات, وفي مواجهة هذه الحالات والمواقف والعقبات والتحديات يحتاج إلى الصبر فإن الصبر نصف الإيمان، يقول الإمام أحمد: (الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعاً, وهو واجب بإجماع الأمة, وهو نصف الإيمان, فإن الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر) [مدارج السالكين، ابن القيم، (2/152)].
إن الصبر الصبر هو العلاج الناجح والوسيلة الفعالة لمواجهة الشدائد و إن أغلب الصفات المطلوبة للقائد رهن بمدى صبر القائد على اكتسابها أو إكسابها للغير, كذلك القائد عليه أن يزن الأمور بموازين العقل والحكمة ثم يضع الأشياء في موضعها الصحيح زماناً ومكاناً حتى يتسطيع تحقيق أهدافه بنجاح لأن الصبر بمنزلة الرأس عند الإنسان فإن قطعت الرأس مات الإنسان, يقول على بن أبي طالب: (ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد, ولا إيمان لمن لا صبر له) [حليةالأولياء، أبو نعيم، (1/39)].
الصبر والنجاح:
يعد الصبر من أهم مفاتيح النجاح في الحياة كلها، يقول إسحاق نيوتن: (إذا كنت بالفعل قد توصلت إلى اكتشافات ذات قيمة، فإن مرجع ذلك الملاحظة الصبورة أكثر من أي موهبة أخرى).
ويقدمه البعض على الذكاء والإمكانيات العقلية، فيقول واحد من أهم عباقرة القرن العشرين وهو ألبرت أينشتاين: (إنني أفكر وأفكر لأشهر وسنوات، وأصل إلى استنتاجات خاطئة في 99 مرة، ولكنني أصل إلى الصواب في المرة المائة، فلا علاقة للأمر بالذكاء، بل بالقدرة على المثابرة مع ما أواجهه من إشكاليات).
ويصف بنيامين فرانكلين العبقرية فيقول: (ما العبقرية إلا مقدرة طبيعية على الصبر)، وكذلك توماس إيديسون ذاك المخترع العبقري يخبرنا بسر عبقريته فيقول: (العبقرية هي 1% إلهام و 99% جهد وعرق جبين)، وقد كان عرق جبينه نتاج ساعات طوال من العمل الشاق بصبر ودأب.
وأخيراً: نقدم بعض النصائح للمديرين:
1- عليك أن تكون صبوراً لأن بمقدار صبرك تستطيع أن تحقق الأهداف التي تريد أن تصل اليها, وصبرك سيعمل على تحفيز موظفيك على العمل والمثابرة فكما تقول الحكمة: بعد العزم والإصرار والبذل والتفاني تحقق الأماني تحقق الأماني.
2- عليك أن تكون صبوراً على موظفيك في عملهم, بمعنى إذا كان يعاني أحد الموظفين بعض البطء في أدائه, فعليك أن تكون صبوراً عليه وأن تعمل تنمية مهاراته حتى يصبح فعالاً في عمله.
3- إن الصبر يكون بشكر نعم الله تعالى, فمثلًا إذا حققت مؤسستك أهدافها وحققت أرباحًا كثيرة فعليك أن تسارع في شكر الله تبارك وتعالى على هذه النعمة لأنه ابتلاء من الله لك, قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}.
4- لا تيأس، فعادة ما يكون الصبر آخر مفتاح في سلسلة المفاتيح والذي به سيُفتح به الباب.
وما أحسن أن نختم بقول الشافعي:
ولرب نازلة يضيق لها الفتي زرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما اسحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
أهم المراجع:
1. أخلاق المسلم، حسين بن سعيد الحسنيه.
2. القيادة في الإسلام, محمد فتحي.
3. كتاب قرارات تغير حياتك، هال ايربان.
4. كتاب المفاتيح العشرة للنجاح, د. إبرهيم الفقي.
رد مع اقتباس