السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعضاء وزوار المنتدى الكرام

بعد التحية

أقدم لكم ملخص عن : الذاكرة طويلة المدى


هناك فرق جوهري بين استرجاع الأحداث التي وقعت للتو، وبين استرجاع أحداث الماضيالبعيد. فالنوع الأول من الأحداث نسترجعه بسهولة وبصورة مباشرة، أما النوع الثانيفهو استرجاع معقد ويتم بصورة بطيئة وباستخدام وسائط مختلفة، فالاحداث التي وقعتللتو ما تزال في الوعي، إنها لم تغادره بعد، بينما استخراج المادة القديمة منالذاكرة الطويلة المدى يتطلب وقتاً وجهداً من بين ركام المعلومات الهائل ويتمبصعوبة بالغة أحياناً. ولهذا يمكن القول أن الذاكرة القصيرة المدى مباشرة وفوريةبينما الذاكرة الطويلة المدى هي اكثر نظم الذاكرة أهمية واكثرها تعقيداً وذات سعةكبيرة جداً وبعضهم يقول ذات سعة غير محدودة.

إن ما يتم الاحتفاظ به فيالذاكرة الطويلة المدى هو كل ما نعرفه عن العالم من حولنا، إذ بفضل المواد المحفوظةفي الذاكرة نستطيع استرجاع حوادث الماضي وحل المسائل المختلفة والتعرف على الصور... الخ.

أو بعبارة أخرى نتمكن من التفكير وبهذا الصدد أشار كل من (بياجيهوانهيلدر) في كتابهما المشترك (الذاكرة والذكاء 1968) إلى أن الذاكرة - ويقصد هناالذاكرة الطويلة المدى - تخضع لقوانين التفكير وانها تعمل وفق هذه القوانين وهيبدورها تساند التفكير. ذلك لأن كل المعلومات والمهارات الموجودة في أساس القدراتالعقلية لدى الإنسان محفوظة في هذه الذاكرة.

إن المعلومات تدخل وتحفظ فيالذاكرة الطويلة المدى وفق قواعد محددة إملائية، منطقية، نحوية، ايقاعية... الخوحسب رأي (بنفليد Penfield 1959) إن كل ما يحتفظ به الإنسان في وقت ما في الذاكرةالطويلة المدى يظل فيها لمدة طويلة جداً. وفي هذه الحالة فإن الذاكرة الطويلة تحتويعلى قدر هائل من المعلومات. وربما كان التنظيم والترتيب وفق معايير متعددة الذيتخضع له المعلومات المختزنة، هو الضمانة لبقاء المعلومات بصورة دائمة فيها لأنالترتيب يجعل الوحدات تترابط وتتماسك على أساس معناها المشترك وهو الذي يتيح لناإمكانية استخراج المعلومات الضرورية والتي نحتاجها من الذاكرة الطويلة المدى خلالوقت قصير بينما ننفق جهوداً مضنية ونمضي وقتاً طويلاً وبلا جدوى إذا كانت المعلوماتغير مرتبة وغير منظمة.

وانطلاقاً مما تقدم فإن الموديلات المعاصرة للذاكرةالطويلة المدى معقدة جداً وسبب ذلك يعود إلى تعقيدات الذاكرة نفسها، إضافة إلىاعتبارات خاصة نذكر منها ما يلي:

1)
إن استخدام المعلومات المحفوظة فيالذاكرة الطويلة المدى مرتبط بحل المسائل وبالاستنتاج المنطقي، وبالاجابة عنالأسئلة، وباستدعاء وقائع وأحداث وأشياء كثيرة.

2)
تشتمل الذاكرة الطويلةالمدى على معلومات متنوعة إلى اقصى حدود التنوع.

3)
الذاكرة الطويلة المدىذات طابع معنوي وذات ترتيب رفيع المستوى وبعيد عن العشوائية. وفي هذا الصدد يرىالعلماء وجود عدة أنواع للذاكرة الطويلة المدى، لكن بعضاً منهم يشير إلى وجود نوعين (تولفينك Tulving 1972) حيث ميز بين الذاكرة المعنوية وذاكرة الحوادث، إذ لكل منهمامخزن طويل المدى للمعلومات لكنهما يختلفان من زاوية طابع المعلومات التي يحتفظ بهاكل منهما.

*
ففي الذاكرة المعنوية يحتفظ مثلاً بكل ما نحتاجه من أجل الكلامحيث لا يشتمل هذا النوع على الكلمات والتراكيب اللغوية والرموز التي تدل عليها وعلىالموضوعات ومعانيها (الأشياء وأسماءها) فقط، وإنما تشمل كذلك القواعد التي تستخدموفقها حيث تحفظ فيها ايضاً تلك المواد مثل قواعد النحو، الصيغ الكيميائية، الخصائصالفيزيائية، قواعد الجمع والضرب، ومعرفة أن الخريف يأتي بعد الصيف... الخ. بعبارةأخرى تحتوي الذاكرة المعنوية على جميع تلك الحقائق التي لا ترتبط بأوقات معينة أوبمكان معين وإنما تمثل حقائق عامة.

*
أما ذاكرة الأحداث فتشتمل علىالمعلومات والأحداث التي رمزت في وقت محدد والكيفية التي كانت عليها عند إدراكهاوفي أثناء تعلمها وتذكرها. وهذا النوع من الذاكرة الطويلة المدى يحتفظ بأنواعمختلفة من البيانات الخاصة بسير الأشخاص والظواهر والأشياء... لقد سافرت إلى فرنسافي شتاء 1981، تخرج أخي من الجامعة 1978... الخ كما تشتمل على المعلومات التي ترتبطبجريان الحياة اليومية وفق سياق معين.

*
إن المعلومات المحفوظة في كلا نوعيالذاكرة الطويلة المدى (الذاكرة المعنوية وذاكرة الأحداث) تطرأ عليها تغيرات هامةأثناء عملية الاحتفاظ بها حيث يعاد تشكيلها وصياغتها أحياناً، وتصبح بعيدة المنالبالنسبة للاستخراج احياناً أخرى. وهنا نشير إلى احتمال تعرض ذاكرة الأحداث للنسياناكثر من الذاكرة المعنوية. وإلى أن الذاكرة الطويلة المدى تقوم بمعالجة المعلوماتالمخزونة واجراء بعض التغيرات أو التعديلات عليها بحيث لا تتطابق مخرجاتها (استرجاعها) مع مدخلاتها (التذكر).

أخيراً وفي ضوء كل ما تقدم يمكن وصفالذاكرة الطويلة المدى بأنها عملية الاحتفاظ بالموضوعات التي تم ادخالها إلىالذاكرة من قبل، لمدة طويلة. وتكمن المهمة الرئيسة لها في الاحتفاظ بما هو ضروري فيالمستقبل. أي أنها ترتبط بتنظيم السلوك خلال فترات زمنية مديدة. ويتطلب ذلكبالضرورة أن تعمل وفق مبدأ التوقع أو الاحتمال حيث تكتسب الخصائص الاحتماليةللمعلومات أو الاشارات المدخلة إليها أهمية فائقة وهذا يعني أن العامل الهام فيالتذكر والاحتفاظ والاسترجاع هو المضمون المعلوماتي للاشارات والتقارب المعنوي فيمابينها. وبفضل هذه الخصائص تصبح الذاكرة الطويلة المدى نظاماً قادراً على تخزينالمعلومات وفق طرائق عقلية عالية التنظيم، وعلى الاحتفاظ بكمية غير محدودة منهاولفترة زمنية غير محدودة أيضا.