إن إحداث تغييرات جوهرية في سلوك المجتمع تجاه بعض المسائل الهامة والتي تلمس حياته اليومية تتطلب تنمية الفكر التنموي لدى العاملين في مجال التنمية.
يوصف الخيال بأنه مصنع الأفكار. والخيال هو أجمل ما ميّز به الله سبحانه وتعالى الإنسان عن سائر مخلوقاته، فإذا كان العقل مناط التكليف فإن الخيال مصنع الأفكار.
لا يستطيع الإنسان أو عقل الإنسان أن يتخيل أشياء لم يعرفها، بغض النظر عن الكيفية التي عرفها بها، فالمعرفة أساس التخيل. وكلما زادت المعرفة زادت قدرت الإنسان على التخيل، وكلما زادت قدرت الإنسان على التخيل زادت قدرته على إنتاج أفكار جديدة، أو تقبل أفكار جديدة.
إن المعرفة العميقة بالمسائل التي نرغب بإحداث تغييرات عليها، هامة جداً، وبدون المعرفة لا يُمكننا أن نصنع فكراً تنمويا قادرا على إحداث التغييرات المطلوبة، من جهة أخرى يجب أن نلم بشكل كاف بخصائص الأفراد الذين سنقوم بتنميتهم.
إذا كان الهدف من التنمية هو إحداث تغييرات نوعية وكمية في سلوك المجتمع أو جزء منه في مسألة ما، فإننا من المفيد أن نتذكر أن خلف كل سلوك فكرة ما، وتعديل السلوك يتم عن طريق إحداث تغييرات في الأفكار التي تُنتج السلوك، وقد يكون السلوك آلي، أو مبرمج في اللاوعي، أو سلوكاً واعياً.
المهم هنا أن تغيير السلوك، أو إحداث تغييرات كمية ونوعية فيه تتطلب معرفة بدوافع السلوك ومبرراته وأفكاره، تم وضع الخطط المناسبة لتحسين قدرة الناس على تخيل السلوك الجديد وفوائده، وهذا يتم عن طريق زيادة معرفة الناس عن المسألة التي نرغب في إحداث تغييرات فيها.
حتى نُحدث تغييرات في المعرفة فإنه يلزمنا أن نتبع مداخل مناسبة لذلك، من المفيد التذكير أن مداخل زيادة المعرفة عن طريق التعليم هي ثلاث، التعليم من الجذور، والتعليم الإستنتاجي، والتعليم التجريبي.
إن معرفتنا بهذه المداخل وإستخدامها بشكل خلاّق يساعدنا في إحداث التغييرات المعرفية اللازمة للتأثير على مصنع الأفكار، حتى يتبنى سلوك جديداً.
من المهم ملاحظة أن كل سلوك معين يتطلب أيضاً معرفة دوافع السلوك الحالي، ثم تعديل الدوافع بما يتناسب والسلوك المرغوب إحداثه. الدوافع الثلاثة الأساسية التي تُسّير حياة الناس، هي دافع البقاء والدوافع الداخلية، والدوافع الخارجية.
العاملين في مجال التنمية عليهم تنمية فكرهم في مجال الدوافع، وكيفية توطينها لتكون داخلية، مع ملاحظة أن إستخدام الدافع الخارجي ودافع البقاء مشروعان لتوطين الدوافع لتصبح داخلية.
أخيراً، تنمية الفكر التنموي بحاجة إلى معرفة بالسلوك الإنساني وأسبابه ودوافعه، وكيفية إحداث تغييرات فيه، وهو بحاجة إلى زيادة المعرفة وطرقها لتوسيع قدرة العقل على التخيل لصناعة أو تقبل أفكار جديدة، إن تبني أفكار جديدة، والتفاعل مع أفكار الغير الجديدة هو أساس إحداث تغييرات كمية ونوعية في سلوك المجتمع تجاه مسألة ما.