متى يصحح الدوام الحكومي؟
نقول بأننا نطمح إلى بناء اقتصاد متقدم، ونرغب في النجاح، ولكننا لا نرغب في التضحية والتعب المطلوب لهذا البناء وهذا النجاح. من العجائب والغرائب عندنا وجود الفروقات الكبيرة في الدوام بين القطاعين الخاص والحكومي، سواء في طول الدوام اليومي، أو في عدد أيام الدوام. هذه الفروقات تعكس تباينا حادا لا تجده في الدول الصناعية أو المتقدمة اقتصاديا، وأتحدى من يثبت لي العكس.
يقول بعض موظفي الحكومة بأنه لا حاجة لزيادة ساعات الدوام، لأن العبرة بالكيف وليس الكم. هل يوافق الآخرون على منطق موظفي الحكومة؟ من البعيد جدا أن يوافقوا، بل هم يرون جمعا بين السيئتين: تدني الكم وتدني الكيف، وأجد المثل "أحشفا وسوء كيلة"، ينطبق أشد الانطباق.
وحتى لو سايرناهم في منطقهم، لماذا لا يطبق المنطق نفسه على القطاع الخاص؟ إذا كانت هناك قناعة بأن دوام الحكومة من حيث الساعات والأيام مناسب، لا تترتب عليه أضرار بالاقتصاد وبمصالح الناس، فلماذا لا يغير دوام القطاع الخاص ليصبح مثل الحكومة؟ هل عدد ساعات وأيام عمل الحكومة أقل أهمية من عدد ساعات وأيام عمل القطاع الخاص؟ هل حدد دوام القطاع الخاص بهدف الأذية بموظفيه؟ لا عاقل يقول بذلك. ولكن يفرض على غالبية الناس قبول الواقع المر في الدوام الحكومي، والذي تعطلت أو تأخرت بسببه كثير من مصالحهم. وتعطيل وتأخير أعمال الناس ترتبت عليهما أضرار كبيرة بالاقتصاد، لا يعلم قدرها إلا الله. وأكرر، هذا لا يعني إنكار وجود أسباب أخرى لتعطيل المصالح، ولكن قصر الدوام من هذه الأسباب بلا شك، فكم تبقت بعض الإجراءات على بعض المعاملات ولكن تأجل انجازها بسبب قرب انتهاء الدوام، أو طول إجازات العيدين.
نحن لسنا أفهم من الدول المتقدمة اقتصاديا التي لم تفرق في الدوام بين الحكومة والقطاع الخاص. ولذا لا أدري علام العناد والاستمرار على دوام تترتب عليه أضرار عظيمة بمصالح الناس؟
في عدد أيام الدوام، نشرت جريدة الرياض في عدد الجمعة 2007/12/21، نقلا من منظمة السياحة العالمية، أن عدد أيام الإجازات الرسمية السنوية للموظفين 56يوما في المملكة، ويفهم من هذا العدد أن المقصود الموظفون الحكوميون، مقارنة بما قدره 42يوما في إيطاليا، و 37يوما في فرنسا، و 34يوما في البرازيل، و 28في بريطانيا، و 25يوما في اليابان و 23يوما في أمريكا و 25يوما في كوريا. سخاء الإجازات لموظفي الحكومة واضح، فمثلا، في العيدين يعطلون قبل غيرهم ويعودون للعمل غالبا بعد غيرهم. ولم أجد أي مبرر عقلاني للتفريق بينهم وموظفي القطاع الخاص.
سيعارض طبعا موظفو الحكومة أي مسعى لزيادة الدوام، وهذا متوقع، ولكن من الخطأ البين التحيز لرأيهم، أو الاعتماد شبه الكلي على مشورة من يخضعون لنظام الخدمة المدنية، بسبب تعارض المصالح، تماما مثلما أنه من الخطأ إسناد تحديد دوام القطاع الخاص للعاملين فيه.
مطلوب تصحيح الدوام الحكومي ليصبح ثماني ساعات يوميا، زائدا نصف ساعة لصلاة الظهر، أي مطلوب ألا ينتهي الدوام قبل الرابعة عصرا. زيادة الدوام يجب أن تطبق بالتدريج، وينبغي إعطاء مهلة لا تقل عن سنة قبل بدء التطبيق.
ستثار مسألة التعويض المادي، ولكن بحثها ليس هذا مقامه، كما ستثار مسألة تعطيل المراجعين لفترة تحت عذر تناول الغداء (لمن يرغب). في نظري أن الأخيرة هي أهم مشكلة في التطبيق. ولكن تناول الغداء أثناء العمل منتشر في كل العالم، وعلينا أن نتعلم من الآخرين. ولا ينبغي أن ننسى أنه لا توجد صيغة دوام لا مشاكل ولا عيوب فيها، والقضية قضية اختيار ما هو أكثر مصلحة للعباد والبلاد. وبالله التوفيق.