المقدمــة
الحمد لله ، والصلاة والسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد ، فإن من القضايا المعاصرة التي لها مساس بتطبيق أحكام الزكاة في مجال أوعية الوجوب ( جمع الزكاة ) مكافأة نهاية الخدمة والراتب ( أو المعاش ) التقاعدي ، الذي أدرج في موضوعات الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة.
ولا شك أن تسليط الضوء على هذا الموضوع يقدم حلولاً تتيح الوصول بعد المناقشة إلي رأي فقهي مختار ينتهي إليه الموظفون في دواوين الحكومة والعاملون في القطاع الخاص ،. ويحسم الجدل والتساؤل الكثير حول هذين العنصرين من العناصر المالية المندرجين في ( زكاة النقود ) أو ( الديون ) بعد تحقق شروط الوجوب وانتفاء الموانع.
ومن الجدير بالإشارة أن هذا الموضوع لم يحظ ببيانات ذات بال في الكتب الكثيرة المصنفة في الزكاة حتى أن كتاب فقه الزكاة ـ مع أنه الكتاب الذي يسعف الباحثين في مسائلها بوضع أرضية وافية لموضوعات الزكاة ـ لم يرد فيه من مكافأة نهاية الخدمة إلا بضعة أسطر تناولت الإشارة إلي طبيعة مكافآت الموظفين متبوعة برأي الإسناد الدكتور يوسف القرضاوي فيها بعبارة وجيزة أفصحت عن رأيه في الموضوع ثم تابعه فيها كثيرون ممن كتبوا في الزكاة دون إضافة المزيد في التوضيح أو الرأي، بل أوردها بعضهم دون أن يعزوها إليه ولم يرد فيه عن زكاة المعاش التقاعدي أي بيان.
ومن الجدير بالإشارة أن هذا الموضوع لم يحظ ببيانات ذات بال في الكتب الكثيرة المصنفة في الزكاة حتى أن كتاب فقه الزكاة ـ مع أنه الكتاب الذي يسعف الباحثين في مسائلها بوضع أرضية وافية لموضوعات الزكاة ـ لم يرد فيه من مكافأة نهاية الخدمة إلا بضعة أسطر تناولت الإشارة إلي طبيعة مكافآت الموظفين
والله أسأل أن يهدينا لما اختلف من الحق بإذنه وأن يوفق الهيئة الشرعية العالمية للزكاة وكل المهتمين بالتنظير لفريضة الزكاة إلى مواصلة الجهد في تحقيق أهداف الهيئة وهو الهادي إلى سواء السبيل.
تمهيد
إن الإلزام الرسمي ـ أو الالتزام الطوعي الثابت ـ بأداء مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي للموظفين والعاملين ويستلزم أن تكون لهما مخصصات لدي المؤسسات الملزمة بها . ولهذا تثور مسألتان للنظر في علاقة مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي بالزكاة.
أحدهما: علاقة المؤسسة بالمبالغ المخصصة لنهاية الخدمة والراتب التقاعدي للعاملين فيها.
الثانية: علاقة العاملين لدي المؤسسة بمكافأة نهاية الخدمة والراتب التعاقدي وهذه العلاقة الثانية تنشطر إلي مرحلتين هما:
أ ـ منذ ابتداء الخدمة إلى آخر مدتها ، أي قبل تسلم (المكافأة) أو صرف (الراتب التقاعدي ) .
ب ـ عقب انتهاء الخدمة أو قبض مكافأتها ،. أو بعد الشروع في صرف الراتب التقاعدي وسوف يتم تناول كل من المكافأة والراتب علي حده ، بعد التعريف بكل منهما وبيان التكييف القانوني والشرعي لهما وسبب الفصل بين هذين العنصرين الماليين ـ وبالرغم من التشابه بينهما ـ هو اختلاف الأسباب المؤثرة عليهما من حيث الحرمان أو السقوط أو إمكانية التصرف زيادة ونقصا وتعجيلاً … كما أن الأهمية الاجتماعية لهما متفاوتة ، فالراتب التقاعدي يحظى بعناية خاصة لأنه يؤثر مباشرة على أسرة الموظف أو العامل فضلاً عن أن بعض الأنظمة أدرجته في صور الضمان الاجتماعي الذي يشمل شتي مواطني الدولة.
على أن هناك تماثلاً في بعض الأحكام بين المكافأة والراتب التقاعدي تقتضي توحيد الكلام عنهما أحياناً.
تعريف مكافأة نهاية الخدمة وتكييفها والشرعي.
تعريف مكافأة نهاية الخدمة يجدر تعريف أجراء هذا المصطلح (مكافأة نهاية الخدمة) قبل بيان المراد منه.
فالخدمة هي الوظيفة أو العمل وهما السبب لثبوت المكافأة.
والمكافأة لغة الجزاء بنظير العمل.
والمراد بنهاية الخدمة - أو ترك الخدمة - الانقطاع عن العقد أو الارتباط الوظيفي والتوقف عن تقديم العاملين المهام المتعاقد على أدائها ، سواء كانت الخدمة لدى جهة حكومية أو جهات خاصة أو أفراد ، وانتهاء الخدمة هو الشرط للحصول على المكافأة.
وأما تعريف هذا المركب (مكافأة نهاية الخدمة) فهو أنها المبالغ المستحقة لمنسوبي المنشأة عند تركهم الخدمة ، نظير الخدمات التي حصلت عليها المنشأة منهم خلال مدة الخدمة . وذلك وفقاً لمتطلبات نظامية ، أو نتيجة التزام طوعي من المنشأة (1)
مناقشة ما طرح في تكييف المكافأة الخدمية هناك عدة احتمالات يمكن أن تتطرق في تكييف المكافأة الخدمية (وهل هي دين للموظف أو استحقاق معلق؟) وهي:
أ - أن تكون جزءاً من الأجرة باعتبار ما ، وعليه تكون ديناً للعامل على صاحب العمل.
ب - أن تكون علاوة تشجيعية معلقة على بعض الاشتراكات فتكون استحقاقاً لا يثبت إلا بتحققها ..
ج - أن تكون نوعاً من التعويض يقدمه صاحب العمل إلى العامل عند ترك الخدمة لما قد يلحقه من ضرر بذلك.
د - أن تكون التزاماً من صاحب العمل بالتبرع - أو إلزاماً من ولي الأمر - مع تعليقه على تحقق بعض الأمور على هذا الاحتمال أيضاً تكون استحقاقاً للعامل لا يثبت إلا بتحقق ما علق عليه.
وفيما يلي مناقشة هذه الاحتمالات:
أ - اعتبار المكافأة الخدمية من أجرة العامل:
لا يستقيم القول بأن المبالغ التي يقبضها الشخص عند نهاية خدمته الوظيفية هي من قبيل الأجر عن عمله ، لأنه يقبضها بعد أن يتوقف عن العمل فعلياً ، والاستخدام بأجر يقع فيه التقابل التام بين المنفعة المقدمة والأجرة المستحقة ، وقد جاءت الشبهة من احتساب صاحب العمل لا بشكل مواكب لمدة العمل . ومن اشتمال مبلغها على نسبة تقتطع تدريجياً من أجر العامل وأما نهايتها فهي شرط الحصول عليها.
قد يقال: إن هناك تقابلاً عقدياً بين المكافأة وبين الخدمة ولكنه ليس بمعيار زمني بالربط بين أجزاء مدة الاستخدام وما يقابلها من جزاء مادي ، وإنما هو ربط إجمالي ، فالمكافأة المستحقة هي عن الخدمة من حيث هي ويشبه ذلك ما لو عقدت إجارة لعدة سنوات مثلاً واتفق على أن تكون الأجرة مكونة من عنصرين: أحدهما مقسط على أجزاء من مدة الإجارة والآخر على جملة المدة وما كان من هذا القبيل بل الأجرة المقسطة ونفسها يمكن تعجيلها أو تأجيلها ،.وهي هنا مؤجلة.
والجواب عن هذا الإيراد أن التكامل ليس قائماً لأن المكافأة الخدمية ليست لها خصائص الأجر المستحق بمجرد أداء العمل وذلك لأنها لا تستحق دائماً فقد يطرأ عليها أحد الأسباب المستحقة التي ستأتي الإشارة إليها ، ثم هي غير معلومة والأجرة ـ بأي صورة كانت ـ لابد أن تكون معلومة لحديث " من استأجر أجيراً فليعلمه أجره ".
يقول الدكتور طلبه وهبة خطاب : " لا نعتقد أن مكافأة نهاية لخدمة تعد أجرا إضافيا ، إذ لو كانت كذلك لاستحقها العامل في جميع الحالات عند انتهاء العقد ، ومعروف أن هناك حالات يحرم العامل فيها من المكافأة . (2)
ب ـ أن تكون علاوة تشجيعية:
ربط المكافأة الخدمية بحد أدني من سنوات الخدمة وتحديد حجم المكافأة ومعيار حسابها بعدد تلك السنوات هو في حد ذاته تشجيع على استمرار الخدمة وتطويل أمدها ، لكن مع هذا لا تتوافر في المكافأة صفة ( العلاوة التشجيعية ) التي تخصص في العادة لجودة الأداء أو تحقيق مستويات عليا من الأرباح بحصولها دون أن تتأخر بعوامل الحرمان أو السقوط التي توجد في نظام المكافأة الخدمية.
ج ـ أنها نوع من التعويض:
استبعد الباحثون في قانون العمل أن تكون مكافأة نهاية الخدمة نوعا من التعويض، إذ أن استحقاقها لا يتوقف على ارتكاب صاحب العمل خطأ معيناً، كما أنها ليست من شروطها إصابة العامل بضرر(3)
د ـ إنها دين مرجو ( إن كانت حقاً للموظف غير قابل للإلغاء):
أورد الدكتور يوسف القرضاوي احتمالاً في تكييف المكافأة الخدمية بأنه ( دين مرجو )، ولكن علق رأيه هذا على كون المكافأة حقاً للموظف ووضع مؤشرين على ذلك هما عدم قابليتها للإلغاء ، و استطاعة الموظف صرفها بإرادته إن كانت منحة وهبة فإنها لا تملك بالقبض وإن كانت حقاً للموظف لا تملك الدولة أو المؤسسة أن تلغيه ويستطيع أن يصرفها إذا أراد فالذي أرجحه أن ملكه في هذه الحالة ملك تام ، وهي كالدين المرجو الذي قال فيه أبو عبيد أنه بمنزلة المال الذي في يده وحينئذ تجب فيه الزكاة في كل حول إذا بلغت نصاباً وتوافرت الشروط الأخرى من السلامة من الدين ونحوه .(4)
هـ / التكييف المختار للمكافأة الخدمية ( التزام أو إلزام بالتبرع) :
التكييف المختار للمكافأة الخدمية هو أنها التزام مالي بحكم القانون له ( سببه )
وهو ( الخدمة الوظيفية أو العمل ) مطلقاً ، أو بما لا يقل عن سنة مثلاُ ( في الكويت ) وله ، (شرطه) للحصول عليه وهو (انتهاء مدة الخدمة) أي هو التزام بالتبرع إما طوعاً وإما بإيجاب ولي الأمر بما يحقق المصلحة العامة ولا يعارض نصاً شرعياً أو قاعدة عامة أو خاصة من القواعد المستمدة من النصوص.
وقد حظي موضوع ( الالتزام بالتبرع ) بأهمية كبيرة في فقه المالكية على وجه الخصوص حتى اعتبروه من موجبات الاستحقاق المالي (5) وقد عبر بعض الباحثين القانونيين عن هذا بأنه ( ضمان ) للعامل يتمكن بمقتضاه من مواجهة ظروف الحياة والمعيشة (6) وهذا يذكر بالأساس الذي يقوم على الضمان الاجتماعي وهو التعاون والتبرع بمتطلباته وهذا التبرع وأن كان في الأصل من قبيل المباح ـ وهو ما يحصل في حال الالتزام الطوعي من المنشأة ـ فإن ولي الأمر قد يتكفل به أو يلزم به المنشآت.
تعريف الراتب التقاعدي و تكييفه الشرعي:
التعريف:
الراتب أو المعاش التقاعدي هو مبلغ مالي يصرف للموظف حال حياته بعد بلوغه سناً معينة ( يفترض أنها مظنة العجز والشيخوخة ) وينتقل من بعد وفاته للمستحقين.
التكييف الشرعي للراتب التقاعدي:
لابد من الإشارة في البداية إلى أن الراتب التقاعدي ليس أجراً مؤجل التسليم بدليل أن هناك شروطا لاستحقاقه وهناك أسباب للحرمان منه ولو كان جزءاً من الأجرة لكانت له صفاتها من الاستحقاق المؤكد ، وإمكانية المطالبة بها بمجرد تقديم العمل الذي تعتبر مقابلاً له كما أن الأجرة يجب أن تكون معلومة وهذه الصفة مفقودة في الراتب التقاعدي إذ لا سبيل لمعرفة مقداره لربطه بالباقي من عمر الإنسان بعد الإحالة إلى المعاش، وبهذا يتبين أن تسميته ( راتباً ) ما هي إلا علي سبيل التجاوز، لمشابهته الراتب في الربط بفترات شهرية.
فإذا انتفت عن الراتب التقاعدي صفة ( الأجرة ) ظهر أنه ليس حقاً ثابتاً للموظف وليس له حكم الأجرة في الاستحقاق والوجوب.
وقد جاء تعريف الراتب التقاعدي في بيان معايير المحاسبة الأمريكية رقم 87 بأنه : وعد من المنشأة بتقديم معاشات لمنسوبيها مقابل خدماتهم الماضية والحالية.
وقد اختلف وجهات النظر في كيفية معالجتها محاسبيا ، ففي حين تعترف بها بعض الاتجاهات كما هي تراكميا ، تري بعضها أن الاعتراف بها ليس مطلوباً لأنه قد يطرأ فرق جوهري بين كلفة معاشات التقاعد المجمعة والمبالغ الفعلية التي يدفعها رب العمل لصندوق المعاشات (7)
على أنه لابد من الإشارة إلى أن في مكونات مبالغ الراتب التقاعدي عنصرين آخرين من خارج جهة العمل الملزمة بالمكافأة ، وهما:
أ ـ نسبة معينة من مرتب الموظف أو العامل تضاف إلى الوعاء المخصص لتغطية الراتب التقاعدي وهذه النسبة هي حسب نظام التأمينات الكويتي 5% .
ب ـ مساهمة سنوية تخصص في الميزانية العامة للدولة لأغراض دعم صندوق التأمين الاجتماعي المنوط به صرف الراتب التقاعدي . (8)
مدي تحقق شروط وجوب الزكاة وشروط أدائها في المكافأة الخدمية والراتب التقاعدي تبين مما سبق أن المكافأة الخدمية والراتب التقاعدي ( مال مستفاد ) لكنه غير مقبوض من جهة ، ومضاف إلي المستقبل ( نهاية الخدمة ) وهذا يجعلها من قبيل مال الضمار الذي يفتقد شرط
( المالك التام ) من شروط وجوب الزكاة. كما أن هناك شائبة التعليق ( التوقف على وجود أمر خارجي ) وهذا التعاون ليس لأصل الثبوت وإنما هو لكيفية الثبوت بمقدار أو بآخر لطروء بعض الأمور التي ليس في الوسع تحديدها قبل حصولها.
وفيما يلي بيان بعض الجوانب الفنية التي جرت الإشارة إليها إجمالاً فيما سبق:
في مجال السبب المؤدي للاستحقاق أو تحديد حجم المكافأة الخدمية:
ـ المكافأة الخدمية، في بعض الأنظمة ـ كالكويت مثلاُ لا يستحق للموظف المواطن إلا في حال عدم استحقاقه المعاش التقاعدي.
ـ ثم لا يستحق تلك المكافأة الخدمية في الحالة المشار إليها إلا إذا لم تقل الخدمة عن سنة.
ـ يختلف مقدار المكافأة الخدمية من حيث النسبة فهي 8% عن كل سنة من السنوات الخمس الأولي و12% من كل سنة إضافية من السنوات الخمس التالية و15% من الخمس التالية و20% من بقية السنوات بما لا يزيد عن 30 سنة.
ـ لا يستحق الموظف مكافأة من مدة التجربة التي تقضي بغير نجاح . (9)
في مجال الموانع المؤدية للحرمان من الجزئي من المكافأة الخدمية:
ـ يحرم الموظف من ربع المكافأة المستحقة له إذا استقال أو ترك الخدمة قبل نهاية مدة العقد دون مراعاة مواعيد الأخطار الواردة في العقد وهذا المانع المؤدي للحرمان الجزئي يمكن تجاوزه إذا رأت الجهة الحكومية المختصة فتصرف المكافأة حينئذ كاملة.
ـ يجوز حرمان الموظف من نسبة لا تقل عن 10% ولا تزيد عن 5-% من المكافأة الخدمية إذا فصل الموظف لإخلاله بواجبات وظيفته. (10)
ـ وفي بعض الأنظمة يصل الحرمان إلى 33% وأحياناً إلى 36 % في حالة الاستقالة كما في قانون العمل السعودي : " في العقود غير المحددة المدة يستحق العامل ثلث المكافأة المنصوص عليها في المادة السابقة ( المتعلقة بعقد عمل مجرد المدة أو حالة الفسخ من صاحب العمل في عقد غير محدد المدة ) إذا استقال من العمل بعد خدمة لا تقل مدتها عن سنتين متتاليتين ولا تزيد عن خمس سنوات، وثلثيها إذا زادت مدة خدمته عن خمس سنوات متتالية ولم تبلغ عشر سنوات ويستحق المكافأة كاملة إذا استقال بعد عشر سنوات بشرط أن يعلم العامل صاحب العمل كتابة جميع الأحوال …… قبل ) .(11)
في مجال السبب المؤدي لاستحقاق الراتب التقاعدي وتحديد حجمه:
يستحق الراتب التقاعدي بأسباب عديدة ، حسب اختلاف الأنظمة في الدولة المختلفة وهي في الجملة لا تخرج عما يلي بإيجاز يستغني فيه عما هو من قبيل الإجراءات والكيفيات.
1 ـ انتهاء الخدمة لسبب إلغاء الوظيفة أو الفصل غير التأديبي أو الوفاة ، أو العجز .
2 ـ انتهاء الخدمة لسبب استنفاد الاجازة المرضية أو عدم اللياقة الصحية .
3 ـ لأسباب صحية تهدد حياته بالخطر لو استمر في عمله ( بعد مضي عشر سنوات )
4 ـ ببلوغ السن المقررة لترك الخدمة أو بقرار تأديبي أو حكم قضائي ( بعد مضي خمس عشرة سنة).
ومن يتبين تشعب الأسباب واحتفافها بقيود كثيرة بعضها ليس في وسع الموظف تحقيقه لارتباطه بالزمن المستقبل.
ومن المقرر أن كثرة الأسباب والقيود تقلل من وجود الماهية ، لأنه لابد من توافر جميع الأسباب والشروط مهما تعددت لأن المشروط لا يوجد إلا بعد وجود الشروط ولا أثر للعكس.
في مجال الموانع المؤدية للحرمان الجزئي أو الكلي من الراتب التقاعدي:
ترتبط هذه الموانع بالأسباب السابق ذكرها ،. وهي تسهم أيضاً في أضعاف جانب الاستحقاق ،. وفيما يلي أهم ما يتعلق بتلك الأسباب حسب ترتيبها:
ـ في الحالة الثانية للاستحقاق ( عدم اللياقة الصحية ) يوقف صرف المعاش إذا لم يقدم الموظف نفسه للفحص المطلوب ،. وبعد فحصه تختلف كيفية استحقاقه بما لا مجال الآن لتفصيله.
ـ في الحالة الثالثة ( المخاطر على الحياة ) يشترط أن يكون قرار اللجنة الطبية سابقاً على تاريخ انتهاء الخدمة وإلا فقد حقه.
هذا ويحسب الراتب التقاعدي في الحالات ( 1 ، 2 ، 3 ) على أساس مدة الاشتراك أو خمس عشرة سنة أيهما أكبر …. وهذا التفاوت في تحديد كمية الراتب له مظاهرة كثيرة متشعبة في صور كل حالة بما لا مجال لتفصيله أيضاً وترتبط بعوامل منها عامل السن. وعامل مدة الاشتراك وعامل مقدار الراتب الأصلي.
كما أن هناك ما يسمي ( إعادة التسوية ) بالزيادة أو بالإضافة لكنها ليست فرصة عامة للجميع ولا هي تلقائية بل أجازتها الأنظمة لبعض الفئات،. وفقاً للشروط والأوضاع المبينة في القرارات الوزارية التي تتغير من جهة ، و تخضع من جهة أخري لموافقة مجالس متخصصة تضع الحدود مما جعل بعض الباحثين في النظام المتبع في الكويت يقول : كنا نفضل أن تكون إجازة التسوية بالنسبة لجميع الفئات دائماً حتى لا يكون هناك مجال للتفرقة التي قد توجد عدم الاستقرار . (12)
كيفية زكاة مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي ومتى تجب وهل تزكي جميع الأعوام.
سبقت الإشارة إلى أن هناك مرحلتين لعلاقة العاملين بمكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي وهما:
أ ـ منذ تبدأ الخدمة إلي آخر مدتها، أي قبل تسلم المكافأة.
ب ـ عقب انتهاء الخدمة وقبض العامل للمكافأة.
وفيما يلي تفصيل كل مرحلة:
أ ـ لا تتوافر في مكافأة نهاية الخدمة قبل قبضها شروط وجوب الزكاة ، التي منها الملك التام وهو قدرة المالك على التصرف أصلاً في المبالغ المخصصة في الميزانية لمكافأته في نهاية خدمته. ولا سيما في الحالات التي يطرأ على تلك المبالغ الانتقاص بسبب الاستقالة ونحوها من الأسباب المسقطة جزئياً أو كلياً.
وقد تقرر في الفقه أنه لا زكاة في مال الضمار ، وهو ما غاب عن صاحبه ولم يعرف مكانه، وليس المراد بعدم معرفة المكان حقيقة ذلك مادياً بل الأثر المترتب على ذلك وهو العجز عن التصرف، ونحو ذلك الدين على المعسر.
ب ـ إذا قبض العامل أو ورثته بعد وفاته ومكافأة نهاية الخدمة أو الراتب التقاعدي وجب حينئذ إخراج الزكاة عن تلك المبالغ المقبوضة لعام واحد فقط حسب الرأي المختار في زكاة الدين غير المرجو إذا قبض ، فإنه يزكي عن سنة واحدة ولو مكث قبل ذلك سنين . (13)
تكييف أموال مكافآت نهاية الخدمة والراتب التقاعدي
في ميزانية الشركات قبل صرفها
هل هي ديون على الشركة وأثر ذلك في زكاة أموال الشركة
يمثل هذا المخصص الالتزامات الناتجة عن تطبيق القانون الخاص ( قانون العمل مثلاً ) حيث أوجب على صاحب العمل دفع مكافأة للعامل أو الموظف عند تركه الخدمة تحتسب طبقاً لمعادلة معينة حسب مدة الخدمة ويتخذ الأجر الأخير للموظف أو العامل أساساً لاحتساب المكافأة . (14) .
تقتضي الأعراف المحاسبية من المؤسسة تكوين مخصصات لنهاية الخدمة للعاملين لديها وذلك لأنها ملزمة بموجب قانون العمل والعمال بأن تدفع لكل عامل من عمالها عند انتهاء خدماته مبالغ محسوبة بنسب معينة عن كل سنة خدمة ولذلك فإن المؤسسات ترصد في ميزانياتها مخصصات سنوية لكل واحد من عمالها فتتراكم مخصصات كل عام طيلة مدة خدمته وهذه المبالغ المرصدة في مخصصات نهاية الخدمة تصرف كاملة للعامل إذا أنهت الشركة خدماته لاستغنائها عنه . أما إن كان سبب انتهاء خدماته الاستقالة فإنه يأخذ نصف تلك المخصصات بموجب القانون والذي تجري عليه أكثر المؤسسات أن تدفع جميع تلك المخصصات حتى في حال الاستقالة.
وطبقاً للتقويم المحاسبي فإن مخصص مكافأة نهاية الخدمة يحتسب للعاملين حسب مدة الخدمة المتراكمة لكل منهم ،. كما بتاريخ الميزانية العمومية ،. وفقاً لأحكام قانون العمل ويظهر هذا المخصص ضمن ( المطلوبات في الميزانية العمومية ) . (15) .
أما التكييف الشرعي لأموال مكافآت نهاية الخدمة والراتب التقاعدي في ميزانية الشركات قبل صرفها فهو أنها دين على الشركة وأثر ذلك التكييف للمخصصات المشار إليها في زكاة أموال الشركات والمؤسسات بأنها ديون عليها هو أنها تحسم بكاملها من الموجودات الزكوية وذلك بحسب الأصل ، لا عبرة بما قد يطرأ على المبالغ من انتقاص في حالة الاستقالة فإنها حالة استثنائية لا يبني عليها الحكم . (16) .
وهذا بالنسبة للشركات ومؤسسات القطاع الخاص.
اعتبار أموال مكافآت نهاية الخدمة والرواتب التقاعدية من المال العام في ميزانية الدولة وأثر ذلك على زكاتها.
أما بالنسبة لأموال مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي في ميزانية الدولة فهي أيضاً ديون على الجهات والمؤسسات الحكومية ، وهي لا تدخل في الوعاء الزكوي أيضاً إن لم يكن للسبب المشار إليه في أموال القطاع الخاص وهو حسمها في الموجودات الزكوية فذلك لسبب أقوي وهو أنه لا تجب الزكاة أصلاً في موجودات ميزانيات المال العام . فما بالك بما هو من المطلوبات في تلك الميزانيات.
استبدال جزء من الراتب التقاعدي وأثره على الزكاة:
اشتملت خطة البحث المقترحة استفساراً ذا شقين يسهم في توضيح الطبيعة الشرعية للراتب التقاعدي . بالنسبة للزكاة، ونص الاستفسار الموضح بالأرقام هو التالي:
إذا قام الموظف باستبدال جزء من راتبه التقاعدي على أن يسدد مبلغ الاستبدال على أقساط تستقطع من راتبه كما في المثال الآتي:
المعاش الافتراضي 100 د.ك
المبلغ الافتراضي 250 د.ك
المبلغ المسموح باستبداله 250د.ك
قيمة دينار المستفيد 51 د.ك
مبلغ الاستبدال 250 × 51 = 12750 د.ك
السداد لمدة خمس سنوات 250× (5×12) = 15000 د.ك
أ ـ ما حكم زكاة مبلغ الاستبدال في حال ما إذا تم الاستبدال أثناء الخدمة أو بعد انتهائها؟
ب ـ هل يدخله هذا في وصف الغرم؟
هذا هو الاستفسار وفيما يلي إبداء الرأي الفقهي في شقي السؤال:
إن الاستبدال إذا تم أثناء الخدمة فإن المبلغ يحصل عليه الموظف حينئذ ليس جزءاً من الراتب التقاعدي ، وإنما هو التزام مالي يستحقه الموظف بموجب عملية الاستبدال التي هي بمثابة تنظيم متفرع من التنظيم العام للتأمينات . وهو عبارة عن مال مستفاد تم قبضه فعلاً ، فيضمه المزكي إلي سائر أمواله في الحول والنصاب ويزكيه معها.
ولم يعتبر مبلغ الاستبدال جزءً من الراتب التقاعدي لأن القول بذلك يؤدي إلى تسويغ مبادلة المال بالمال متفاضلاً ، فتصبح عملية الاستبدال من قبيل الربا ، و ليس الأمر كذلك كما انتهت إليه هيئة الفتوى بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت وعلى هذا يكون المطلوب سداده هو وجيبة مالية التزم بها الموظف طبقاً للتنظيم المتبع في الاستبدال ويحصل مقابل بين الالتزامين : ذلك الالتزام الصادر لصالح الموظف ، وهذا الالتزام الصادر منه ،. وهما التزامان معلقان على متطلبات لم تحصل بعد ، وهي انقضاء الأزمنة ( سنوات الخدمة الباقية ، والمواعيد الزمنية لسداد الأقساط ) وبما أن مبالغ كل من الالتزامين لم تدخل في الوعاء الزكوي فإن الفرق لا يحسم ، لأن الحسم من الوعاء متلازم مع دخول المحسوب منه فيه.
أما لو حصل الاستبدال بعد نهاية الخدمة أي بعد حصول الأمر المعلق عليه الاستحقاق ، فإن مبلغ الاستبدال هو مال مستفاد مقبوض فيضم إلى مال المزكي ، ويحسم منه حينئذ القسط السنوي فقط من أقساط السداد طبقاً لفتوى ندوة الزكاة الثانية . لقضايا الزكاة المعاصرة
(بند ثالثاً) التي اختارت أن لا يحسم من الديون الطويلة الأجل إلا القسط السنوي لئلا يؤدي حسم جميع الدين إلى تعطيل إخراج الزكاة . ومن هذا يتبين أن الموظف يعتبر غارماً بنسبة الفرق بين ما يستحقه وبين ما يلتزم بسداده.
هذا ما يتبادر من الرأي في السؤالين ، وقد يقال بعدم الغرم بالنظر إلى طبيعة الراتب التقاعدي من حيث عدم التمام في الملك ، وكذلك عدم استقرار الالتزام بالسداد ، لاقتضاء النظام سقوطهما ، أي الراتب التقاعدي لو مات الموظف وليس وراءه من يعيله ، وكذلك أقساط السداد لو مات الموظف والله أعلم.
----------------------------------------------------------
(1 ) المواد التدريبية لاختبار زمالة المحاسبة السعودية 7/55.
(2) عقد العمل في المملكة العربية السعودية. د. طلبة وهبة خطاب 178.
(3) عقد العمل في المملكة العربية السعودية ، دراسة لنظام العمل والعمال لسنة 1989م، د. طلبة وهبة خطاب 179.
(4) فقه الزكاة د. يوسف القرضاوي 1/139 : والزكاة د. محمد السعيد وهبة وعبد العزيز محمد جمجوم 141.
(5) ألف الخطاب المالكي في تفصيل ما يتعلق بالالتزام بالتبرعات كتاباً مستقلا سماه " تحرير الكلام في مسائل الالتزام " ويورد فقهاء المالكية قواعد وفروع هذا الموضوع في باب الهبة.
(6) عقد العمل في المملكة العربية السعودية د. طلبة وهبة خطاب 179.
(7) المواد التدريبية لاختبار المحاسبة السعودية 7/60.
(8) قانون الخدمة المدنية الكويتي الجديد ، دراسة تطبيقية. د. عادل الطبطبائي 223.
(9) المادة 25 ـ 26 من قانون التأمينات الاجتماعية الكويتي ، قرار مجلس المدينة رقم 6/1979م ( قانون الخدمة الكويتي الجديد ، دراسة تطبيقية ، د. عادل الطبطبائي.
(10) قرار مجلس الخدمة المدنية بالكويت رقم 6 لسنة 1979م.
(11) المادة 88 من نظام العمل والعمال السعودي بالمرسوم 21 لتاريخ 6/9/1389هـ بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 745 بتاريخ 24/8/1389هـ وشرح قانون المعدل من الدكتور محمد لبيب شنب 470 رقم 304 والوسيط في شرح نظام العمل السعوديةد. نزار كيالي 370 ـ 373.
(12) قانون التأمينات الاجتماعية الكويتي وشروحه رقم 61 لسنة 1976م المعدل بالقانون 126 لسنة 1977م وقرار مجلس الخدمة المدنية بالكويت رقم6 لسنة 1679م قانون التأمينات الاجتماعية . د. عبد الرسول عبد الرضا 11 ـ 17.
(13) دليل الإرشادات إلي حساب زكاة الشركات 47.
(14) المواد التدريبية لاختبار زمالة المحاسبة السعودية (7/56 ) .
(15) وثيقة المادة العلمية لمشروع فقه ومحاسبة الزكاة بالحاسوب ( البند 2 ـ 2 ـ 7 ) .
(16) دليل الإرشادات 47 محضر الهيئة الشرعية لبيت الزكاة رقم 15/87 بتاريخ 7/11/87.
* أصل البحث قدم إلى بيت الزكاة الكويتي ضمن ندوة أبحاث و أعمال الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة عام 1415هـ وانتهت الندوة إلى الفتاوى والتوصيات التالية:
الفتاوى والتوصيات
أولا: زكاة المكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي
1- مكافأة نهاية الخدمة هي مبلغ مالي مقطوع يستحقه العامل على رب العمل في نهاية خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت الشروط المحددة فيها.
2- مكافأة التقاعد هي مبلغ مالي مقطوع تؤديه الدولة أو المؤسسات المختصة إلي الموظف أو العامل المشمول بقانون التأمينات الاجتماعية إذا لم تتوافر جميع الشروط المطلوبة لاستحقاق الراتب التقاعدي.
3- الراتب التقاعدي مبلغ مالي ، يستحقه شهريا ، الموظف أو العامل على الدولة أو المؤسسة المختصة بعد انتهاء خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت الشروط المحددة فيها.
4- لا تجب الزكاة على العامل أو الموظف في هذه الاستحقاقات طيلة مدة الخدمة لعدم تحقق الملك التام الذي يشترط لوجوب الزكاة.
5- هذه الاستحقاقات إذا صدر القرار بتحديدها وتسليمها للموظف أو العامل دفعة واحدة أو على فترات دورية أصبح ملكه لها تاما ويزكي ما قبضه منها زكاة المال المستفاد وقد سبق في مؤتمر الزكاة الأول أن المال المستفاد يزكي بضمه إلى ما عند المزكي من الأموال من حيث النصاب والحول.
6- أما التكييف الشرعي لأموال مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي في ميزانيات الشركات قبل صدور قرار صرفها هل هي ديون على الشركة أم لا ؟ وأثر ذلك في زكاة أموال الشركة ، فقد أرجئ البت فيها لمزيد من البحث بالتعاون مع هيئة المحاسبة والمراجعة للمصارف والمؤسسات المالية من خلال لجنتها الشرعية.