(المداومة والمثابرة والإصرار على الرغم من كل العقبات والإحباطات والمستحيلات، هي العوامل التي تميز صاحب الروح القوية، عن صاحب الروح الضعيفة في كل الأمور)
توماس كارليل
قام الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة سرًا ثلاث سنوات، ثم جهر بها بين عشيرته الأقربين، ثم بين قريش في مكة، ثم لم يكتف بذلك، بل وسع دائرة الدعوة إلى خارج مكة، فذهب إلى الطائف، وكان كلما مر بقبيلة في الطريق دعاها للإسلام، فلما آذوه ورموه بالحجارة، عاد إلى مكة مستجيرًا بالمطعم بن عدي، حتى يدخل مكة ويكمل مشوار الدعوة الخالدة.
وهنا كانت الخطة الجديدة، وهي أن يستغل صلى الله عليه وسلم الموسم؛ حيث كانت الناس تأتي إلى الحج من أقطار الدنيا، فأتاهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام، ويدعوهم إليه بعد أن انتشر ذكره صلى الله عليه وسلم في العرب، رغم معارضة قريش له واتهامه بالسحر، إلا أنه نجح في إقناع بعض الأفراد بالدخول في الإسلام، مثل سويد بن صامت من يثرب، وأبو ذر الغفاري، وطفيل بن عمرو الدوسي، وضماد الأزدي.
والحقيقة أن أولى بذرات النجاح تحققت في بيعة العقبة الأولى في السنة الثانية عشرة من النبوة، عندما بايعه صلى الله عليه وسلم نفر من أهل يثرب، ودخلوا في الإسلام فبعث فيهم صلوات الله وسلامه عليه أول سفير في الإسلام مصعب بن عمير؛ ليعلمهم شرائع الإسلام، ويفقههم في الدين، ولم تأت السنة التالية، حتى لم يبق في يثرب بيت لم يدخله الإسلام.
أما في بيعة العقبة الثانية، فقد نجح الإسلام في تأسيس وطن جديد له، بعد أن قطعت الخزرج على نفسها عهدًا بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم ومناصرته، وهم يعلمون خطورة ما هم مقدمون عليه، ومن هنا بدأت هجرة المسلمين إلى هناك سرًا وجهارًا، حتى لحق بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم، في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر سنة 14 من النبوة.
وكم تصدى النبي صلى الله عليه وسلم للناس، حتى أثر ذلك على عبادته في أخر حياته، فتقول عائشة: (كان أكثر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل في آخر حياته وهو جالس بعد أن حطمه الناس)، حطمه الناس بقضائه لحاجاتهم وخدمته لهم.