فانظر إلى التعامل مع الوقت بكل دقة، عندما علم صلى الله عليه وسلم بقيام هرقل ملك الروم، بتجهيز جيش أربعون ألف مقاتل لسحق المسلمين في المدينة، رغم شدة الحرِّ وقلة العُدَّة والعتاد، فقد عرف صلى الله عليه وسلم، أنه لو انتظر إلى حين وصول الرومان إلى المدينة مع من معهم من قبائل العرب المتنصرة والمنافقين، الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر، لتلقَّى الإسلام ضربة قاصمة، بعد أن أصبحت الجاهلية على وشك أن تلفظ نفسها الأخير بعد غزوة حنين.
لذلك قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إليهم، وأعلن ذلك صراحة دون تورية، واستنفر القبائل، وتحرك إلى تبوك في جيش يبلغ ثلاثين ألف مقاتل، وهو رقم لم يبلغه جيش للمسلمين من قبل؛ لذلك لم يكن كامل التجهيز، ولقلة المركب فقد كان 18 رجلًا يتعاقبون على البعير الواحد، وكانوا يأكلون أوراق الشجر حتى تورمت شفاهم؛ لذلك سمي هذا الجيش (جيش العسرة).
ومع ذلك فقد هابته صلى الله عليه وسلم القبائل التي مر بها وصالحوه، ودفعوا له الجزية، وأيقنت كل القبائل التي تعمل لحساب الرومان، أنه لم يعد بإمكانها الاعتماد عليهم فانقلبت لصالح المسلمين، وتوسعت دولة الإسلام، حتى حدود الرومان مباشرة، دون قتال ولا خسائر في الأرواح.