سيرتك الذاتية جسر عبورك إلى النجاح
أعتقد بأننا ما زلنا في عالمنا العربي في حاجة ماسة إلى تأصيل ثقافة أهمية السيرة الذاتية كأداة فاعلة في تقلد الوظائف الاحترافية والمؤثرة في عالم الأعمال ، فالذي يرصد حركة المتقدمين للأعمال اليوم عندما يبدأون في البحث عن وظيفة ، آخر شيء يفكرون فيه هو أن يعدون سيرة ذاتية ، وإذا قاموا بإعدادها يقومون بها على استيحاء ، ويكون ذلك في الغالب بناءً على طلب صاحب العمل ، والنتيجة هي أن تخرج السيرة الذاتية باهتة ، و لا تعبر بشكل أو بآخر عن طبيعة وخبرات الشخص المتقدم ، فيخسر الكثير بسبب الانطباعات الخاطئة التي تتسلل إلى ذهن أصحاب الأعمال عنه، وأولى الخسائر التي تلحق بالمتقدم هي استبعاده من قائمة المرشحين للوظائف .
في ظل الأزمات الاقتصادية الطاحنة ، وتسريح الملايين من العمال والموظفين وتضاؤل فرص العمل ، وقد تاثرت جميع دول العالم بشكل متباين من جراء هذه الأزمة ، وأضعف الإيمان أن نقول بأن في عالمنا العربي بدا أصحاب الأعمال والشركات في حالة من التحفظ والكمون والترقب إلى أن تزول هذه الأزمة ، ففي أحسن أحوال الشركات إنها أحجمت عن تعيين موظفين جدد فضلاً عن إن بعض الشركات بدأت في تسريح العشرات والمئات من موظفيها . هذا الوضع أعطى أصحاب الأعمال فرصة أعظم لاختيار الأكفء والأقل أجرة ، فهم في الوقت نفسه يراهنون على ورقة الموظف الجدير كأداة قوية لإنجاز الأهداف واستدرار الأرباح وتحقيق النجاحات ، فالعمل لم يتوقف بعد ، والإنتاج ما زال مستمراً .
على الطرف الآخر نجد أن المنافسة تشتعل والتسابق يبلغ أشده نحو اقتناص فرص العمل ، في الوقت الذي يكافح الجميع لاكتساب المزيد من المؤهلات المهنية لإثبات وجوده ولكي يرقى إلى مستوى التحدي في سوق العمل للحصول على وظيفة محترمة تلبي له حاجاته المعيشية المتزايدة .
ولم يعد الأمر الآن قاصراً على الوظائف العادية فقط ، بل وعلى مستوى الوظائف النادرة والراقية أيضاً ، وليس على المستوى الأقليمي فقط ، ولكن على المستوى العالمي أيضاً.
لذلك أصبح اليوم من الضروري أن نكون على مستوى هذا التحدي وأن ندخل مضمار السباق وننافس بحكمة ، لا أن نتقهقهر ، وننزوي .
فالسؤال الآن من الذي يستطيع أن يحدد نقاط الالتقاء التي تتطابق عندها المواصفات المطلوبة لموظف المستقبل في سوق العمل ورجال الأعمال الذين يتحينون الفرصة لاقتناص الفرص السانحة لتوظيف الأكفاء .؟؟
أول خيط يصنع نسيج هذا التواصل هو السيرة الذاتية الاحترافية التي تغري صاحب العمل لأن يقول "إنه حقاً الشخص المناسب الذي كنت أبحث عنه منذ زمن " . فيدفع بسكرتيره لكي يتصل بك ويحدد معك مقابلة شخصية .
فإذا اجتزت هذه المرحلة ، فنستطيع أن نقول لك مبروك مقدماً للوظيفة الجديدة ، ففي الأغلب الأعم فإن اختيارك للمقابلة يزيد من احتمالية نجاحك للحصول على وظيفة بنسبة لا تقل عن 90%.
لي تجربة شخصية:
استدعيت للمقابلة الشخصية من قبل أحد رجال الأعمال المشهورين للعمل في شركته الفخمة ، والتي كان يبحث عن موظف لشغل وظيفة "مدير مكتب" وتحددت المقابلة ، وجلسنا سوياً في أحد الفنادق الفخمة ، وأثناء تصفحة لسيرتي الذاتي قال لي :
"إنت عارف لماذا وقع عليك الاختيار للمقابلة الشخصية من بين عدد كبير من المتقدمين لشغل هذه الوظيفة ؟ فاجأني بهذا التساؤل وجذب انتباهي إليه!!! ، قلت له : لماذا ؟ قال : أسلوب كتابتك وطريقة عرضك الجيدة في السيرة الذاتية . لاحظت إنه لم يتحدث عن خبرات ولا مؤهلات ، ولكنه قال طريقة العرض وأسلوب كتابتك.
إذا نستطيع أن نؤكد على شيئ أساسي في بناء السيرة الذاتية هو :
طريقة العرض بشكل عام دون الدخول في تفاصيل .
عنصر هام آخر يؤخذ في الاعتبار أثناء تصميمنا للسير الذاتية هو التركيز على الجدارات الكامنة في شخصيتك ، والجدارات الكامنة بالمعنى البسيط هو دوافع الإنسان الإيجابية نحو العمل ، وسماتك الشخصية المدفوعة بالقيم الأخلاقية العالية ، فأبرز ما يركز عليه رجال الأعمال اليوم يقع في هذه المنطقة مستخدمين أسلوب ما يسمى " ترميز المقابلات السلوكية " ، وهذا المفهوم بدأ ينتشر على يد عالم أمريكي يسمى " ماك ماكليلاند " 1971م وله قصته المشهورة مع وزارة الخارجية الأمريكية ، منشورة في كتاب طبع بمعهد الإدارة العامة بالسعودية ، تحت عنوان : " الجدارة في العمل ، نماذج للأداء المتفوق " للكاتب : د. لايل سبنسر الأصغر . هذا المفهوم تبنته كثير من دول العالم المتقدم في أوروبا وأمريكا ، وبدأت بعض الشركات الكبرى في الدول الخليجية في التسعينات في تطبيقه ليس كأسلوب في المقابلات الشخصية فقط ، ولكن أيضا كمنهج وكأسلوب أمثل في إدارة الموارد البشرية من تعيين ، ونقل وترقية وتدريب ، وإحلال .. الخ .
إذاً العنصر الآخر الهام في بناء السيرة الذاتية هو :
محاولة أن ترسم ملامح شخصيتك على صفحات سيرتك الذاتية . (قيادية ، إبداعية ، اجتماعية .. الخ) .
العنصر الأخير المهم ، هو محاولة سد جميع الفجوات الزمنية في أثناء عرضك لخبراتك الوظيفية ، سداً للذرائع ، لعدم ترك أي مجال للتساؤل أو الشك أو الريبة .
وكخطوة عملية وإيجابية أولى لمن يريد تحقيق مستقبل مهني واعد أن يبدأ في إعداد سيرته الذاتية التي تعبر عن شخصيته المهنية ومساره الوظيفي ، وسلسلة إنجازاته ، وبعض من سماته الشخصية المميزة التي هي في أغلب الأحيان تكون بمثابة نقاط الترجيح أو حجر زاوية النجاح في الفوز بالوظيفة لكي تعكس صورة صحيحة وصادقة وشاملة عن شخصيتك .
هذه أعتقد ستكون نقطة تحول كبيرة في الحياة المهنية لكل من يتطلع إلى النجاح ، ولكل من استطاع أن يستجمع قواه ويأخذ قراراً صارماً نحو التغيير إلى الأفضل ليتقلد الموقع الذي يناسبه، وستكون خطوة أيضاً محفزة لكل من يرى نفسه في المكان الخطأ ، ويعتقد إنه يجب أن يغير مساره الوظيفي ، فعليه أن يترجم هذا الشعور إلى خطوات عملية أو إعداد جاد يرقى بمستوى هذا الشعور
وربما تكون نقطة الانطلاق لمن هم حديثي التخرج الذين يرنون بأبصارهم بمستقبل واعد ليبدأوا حياتهم العملية على مسار وظيفي صحيح ومدروس ، لكي تنسجم قدراتهم مع وكفاءتهم مع الموقع الوظيفي المحتمل ، ومن ثم يأخذ الارتقاء والتطوير سبيله بهم نحو الصعود.
تحياتي للجميع ...