إلهي.. يا منبع جميع الأنوار
ترى من نحب حينما ننظر إلى بعضنا البعض..؟!
و هل نحب إلا نورك أنت و أثر يديك على الصلصال
و هل يسكرنا إلا نفخة روحك التي نفختها فينا
و هل نطالع في كل جميل إلا وجهك
و هل كل يد شافية و كل قبلة رحيمة إلا ترجمان رحمتك
فكيف يا إلهي تضل بنا الأودية و تتفرق بنا السكك و نخرج من اسمك إلى أسمائنا فنسجن أنفسنا في هذا الصدر أو نتوه في ذلك العنق أو نهاجر في تلكما العينين و تتسكع أيدينا على نحاس الأضرحة فنلثم الشفاه و يخيل إلينا أننا نذوق خمرك و ما نذوق إلا زجاج الكؤوس التي أودعت فيها ذلك الرحيق الخفي الذي هو سر أسرارك.

و يخيل إلينا أننا بلغنا المنتهى و ما بلغنا إلا لمس الغلاف و تحسس المحارة أما اللؤلؤ داخل المحارة.. و النور المغيب في شغاف القلوب و السر المودع في العيون فليس لنا منه إلا حظ القرب و المطالعة و الاستشراف من بعد حيث لا وصال و لا اتصال و لا انفصال و لا نوال.. و إنما في الذروة من الاحساس.. يأتي ذلك الإغماء.. و تلك الغيبوبة الصاحية.. و تلك النشوة الغامرة.. حينما نوشك أن نكون قاب قوسين أو أدنى من لقاء السر بالسر.

و لا سر إلا سرك و إن تعددت الأسماء و تنوعت المفاتن و اختلفت الوجوه.
إنما هو أنت وحدك المحبوب أينما توجه قلب محب.. و أنت وحدك المعبود أينما توجهت نظرات عابد.
و أنت وحدك الرزاق و إن تعددت الأيدي التي تعطي.
إنما تستمد جميع المصابيح نورها من نورك.
كل مصباح يأخذ منك على حسب استعداده. و يعطي من نورك على حسب شفافيته.
و لكن العطاء في الأصل منك و الجمال منك و النور منك.

سبحانك لا شريك لك.
سبحانك و الحمد لك.
سبحانك والحب لك.

يارب.. سألتك باسمك الرحمن الرحيم أن تنقذني من عيني فلا تريني الأشياء إلا بعينك أنت و تنقذني من يدي فلا تأخذني بيدي بل بيدك أنت تجمعني بها على من أحب عند موقع رضاك.. فهناك الحب الحق.. و هناك أستطيع أن أقول.. لقد اخترت.. لأنك أنت الذي اخترت.. و أنت الوحيد الذي توثق جميع الاختيارات و تبارك كل الحريات.. أنت الحرية و منك الحرية و بك الحرية و أنت الحب و منك الحب و بك الحب.

أنت الحق و الحقيقة.
و ما عدا ذلك أضرحة و نحاس و خشب و صلصال و حجارة و أهداب و عيون و محاجر و أوثان تسجد لأوثان.

لا تدعني يا إلهي في الظلمة ألثم الحجارة و أعانق الصلصال و أعبد الوثن.

بشفة الشيطان لثمت هذه الأشياء و ظننت أنها شفتي و بذراعي الشيطان عانقت و ظننت أنهما ذراعاي.

استحلفتك بضعفي و قوتك
و أقسمت عليك بعجزي و اقتدارك
إلا جعلت لي مخرجا من ظلمتي إلى نوري و من نوري إلى نورك

سبحانك...
لا إله إلا أنت
لا إله إلا الله.

المصدر : كتاب (( أناشيد الإثم و البراءة ))
للدكتور مصطفى محمود