أيام الله
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) – إبراهيم
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) – الجاثية
أيام الله هي الأيام التي يرى فيها الإنسان سنن الله تتحقق أمام عينيه واضحة صريحة .. هي أيام ينتقم سبحانه فيها من الظالم أو يرد للمظلوم حقه أو يجازي فيه المحسنين وينتقم فيها من العصاة أو يرد لكل ذي حق حقه وما إلى ذلك ..
تحقق سنن الله تلك هي أيام الله
منذ تنحي مبارك ونحن نمر في مصر بأيام هي أيام الله. البعض يظنها فوضى ولكن لا شئ عند الله يقع تحت مسمى فوضى فكل شئ بقدر، لا يضار أحد إلا بقدر الله لحكمة يعلمها سبحانه عن خلقه وهو العليم الخبير. أيام الله هي حصاد كل إنسان لما فعل قبل هذه الأيام.
قانون هذه الأيام يقر بأن كلٌ يعاني بقدر عمله فمن عمل عملا صالحا يجزى به ومن عمل غير ذلك يجزى به بقدر عمله.
وهي أيام إبتلاء للمؤمنين قد يأتي في صورة خوف أو نقص من الأموال والأنفس والثمرات فمن ذكر وشكر ورضي فله الحسنى.
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) - العنكبوت
يتخذ سبحانه من البعض شهداءا إكراما لهم وتكليلا لعملهم.
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) – آل عمران
وهناك من الناس من يحتاج إلى التمحيص (التخلص من كل عيب)، ولا يكون ذلك إلا بالإبتلاء.
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) – آل عمران
أيام الله تتحقق كل يوم في حياة بشر لكن حدوثها بهذا الشكل المكثف والواضح للجميع يترك في نفوس الناس عبرة أكبر من العبر اليومية ويهيئ مجالا للتفكر في خلق الله واستنباط الدروس التي تثري حياة الإنسان، فقد يكون لك صديق يمر بظلم سنوات طويلة ثم يرد الله له حقه من ظالمه بشكل ملفت، ولكنك في النهاية صديقه، وقد لا يؤثر فيك الموقف مثلما يؤثر على هذا الصديق فيعتبر به طوال عمره.
وقد يتساءل البعض ما هي العبرة التي يجب أن نضعها نصب أعيننا في الوقت الحالي من مثل هذه الأحداث؟
العبرة هنا تكمن في أن قدرة الله لا حدود لها وأن غضبه شديد وأن رحمته بالمؤمنين عظيمة، وأنه يمهل ولا يهمل، وأن الله لا ينسى مقدار ذرة من عمل فكما عملت تجازى به في الدنيا قبل الآخرة وإن طال بك الوقت، وأنه لا يغرنك تقلب الظالمين في الأرض فمهما كان نفوذهم ومهما كانت سطوتهم ومناعتهم يأتيهم الله من حيث لا يحتسبوا وإنما طول الوقت كان لإستدراجهم وإقامة الحجة عليهم.
قال تعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) – يونس
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) - الأنعام
وعليك أن تعلم أنك تحيا بعملك وأنه لا قيمة لحياتك إلا به وكل مرحلة في حياتك مترتبة على العمل الذي قمت به، فتمر عليك أيام الله لتصيبك بخير أو بسوء وفقا لما جاهدت به.
أصبح من الواضح أنك إذا أردت الخير فعليك أن تقدم خيرا أما أن تجلس بلا حراك وتطلب الخير فلن يكون لك ذِكرا سواء في السراء أو الضراء.
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) - فصلت
مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) – الروم
ولكن هناك مشكلة في قوة العبرة التي تأتي بعد حدث كهذا وهي أن الله سبحانه وتعالى بعدها يحاسبك محاسبة أشد. أنت لا تعامَل قبل العبرة كبعدها، فإن شاهدت وعرفت ثم تجاهلت كانت معصيتك أكبر لأنك أضفت على المعصية الأساسية تحدٍ لله وإن قلت أنك لم تقصد هذا المعنى.
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) - إبراهيم
وما يؤكد اشتداد العذاب مع رؤية آيات الله عدة مواقف للأنبياء مع أقوامهم حين يطلبون معجزات بعينها فمنهم من آمن ومنهم من كفر. من هذه المواقف موقف حواريي سيدنا عيسى رضي الله عنه حين طلبوا مائدة من السماء ولكنهم في النهاية آمنوا فوقاهم الله عذابه، قال تعالى:
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)
ومن قبلهم قوم صالح طلبوا الناقة وكفروا بالله من بعدها، قال تعالى:
مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَٰذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) – الشعراء
علينا أن نعي الدرس جيدا وأن نخطط للمستقبل واضعين في اعتبارنا ما رأيناه من إنتقام الله من الظالمين فلقد تعلمنا أن نهايتهم مهينة ولا يغني عنهم مالهم من الله شئ. النصر من عند الله وهو حصاد أعمالنا فلنبادر بما يرضي الله حتى نرتفع عن غضبه فكم نحن بحاجة لرحمته ورضاه ومغفرته وما أجملها حين تزين حياة عباد الرحمن.
بقلــــم داليــــا رشــــوان