كلاكيت أول مشهد:
رجل مدمن يدخل إلى صيدلية مهددًا الصيدلي بقتله إن لم يعطه المخدرات التي يطلبها. يرفض الصيدلي، يقتله الرجل، يدخل السجن ويحكم عليه بالسجن مدى الحياة. ويترك ولديه بالخارج، وفَارِقُ العمر بينهما 11 شهرًا.
كلاكيت ثاني مشهد:
بعد 25 عامًا يدخل ابن الرجل نفسه إلى الصيدلية ليطلب المخدرات -صورة طبق الأصل من والده- يرفض الصيدلي، يقتله الشاب، ويدخل نفس السجن ليلقى المصير نفسه.
كلاكيت ثالث مشهد:
الابن الثاني للرجل يعمل بوظيفة مرموقة محترمة على الرغم من سجن أبيه. متزوج وله ثلاثة أبناء، وناجح جدًّا في حياته، ويعيش حياة مستقرة.
سئل الاثنان عن سبب ما وصلا إليه، فأجاب كل منهما:
إنه أبي!!!!
الحرية إرادة
كم عدد الشماعات في حياتنا التي نعلق عليها ما وصلنا إليه سواء كان سلبيا أم إيجابيا؟ انتظرني لحظة أرجوك، لا تجب؛ فأنا أيضا عدد شماعاتي أكثر منك!! كم مرة نقف ونعلن بملء أفواهنا أننا دُفِعْنَا دفعًا إلى أن نسلك طريقًا خطأً، ولم تكن لنا يد في ذلك، ولكن الظروف والحياة والناس من حولنا هم الذين دفعونا؟
كم مرة استعبدتنا عادة فتحركنا معها كالأسرى، ثم حين وصلنا إلى نقطة النهاية اتهمنا الأصدقاء، ووسائل الإعلام، والدنيا كلها؟ كم مرة قلت لنفسك: يستحيل أن أجد فرصة عمل تناسبني؛ لأن الأعمال كلها بالوسائط؟
إذا كانت إجاباتك عن كل ما سبق: إنها كثيرة (عدد المرات)، فصدقني.. أنت تحتاج -مثلي- إلى أن تقرأ هذا المقال. وإن كانت الإجابة: قليلة (عدد المرات)، فأنت تحتاج إلى أن تنشر هذا المقال؛ فهناك شخص واحد فقط يستطيع أن يكون سببًا في تغيير حياتك على النحو الذي يرضيك.. هذا الشخص اسمه "أنت". إذن فحرر نفسك من الآن من أَسْر أن السبب في أي شيء وصلتَ إليه هو الآخرون؛ فالآخرون أيضًا يعتقدون أنك السبب فيما وصلوا إليه، ما رأيك في هذه الدائرة المغلقة؟ تعالَ نفتحها.
كن فاعلا
ليس لي علاقة بعلم النفس من قريب ولا بعيد، ولن تجد عندي ما أفيدك به إذا كنت تبحث عن إرشادات في علم النفس، لكني سمعت عن عالم روسي في هذا العلم أعجبتني حكايته مع كلبه، وأول الطريق (حدوتة).
كان "بافلوف" يملك كلبًا جميلا، وكان الكلب يسكن بحجرة في أعلى المنزل -لا تسألني لِمَ- وكان "بافلوف" يصعد إليه بالطعام في كل مرة عبر دَرَج خشبي إحدى درجاته مكسورة، وكلما صعد عليها "بافلوف" أحدثت صوتًا (ززززززز)، وكلما قدم "بافلوف" الطعام لكلبه سال لعاب الكلب. إلى هنا والحكاية عادية، و"بافلوف" وكلبه لا يعنيانا في شيء، إلا أنه حدثت واقعة غيَّرت من مجرى الأحداث؛ صعد "بافلوف" في يوم إلى حجرة كلبه، وضغط على الدرجة المكسورة فأحدثت نفس الصوت (زززززززز)، فسال لعاب الكلب، ومن يومها صارت لعبة لصاحبنا يتلهى بها؛ يضغط على الدرجة، فتحدث صوتًا فيسيل لعاب الكلب.
انتهت القصة وبقيت الدهشة، ترى لماذا يسيل لعاب الكلب عندما يسمع صوت الدَّرَجة؟ لا بد وأن هناك رابطًا ما ربط بين الصوت واللعاب.. كان الرابط هو أن الصوت هو المثير الذي يثير الكلب ليستعد للطعام، والاستجابة المبرمجة داخل الكلب أعطت إشارات بأن يسيل اللعاب عندما يسمع الصوت.
وهكذا أيها السادة والسيدات تولدت نظرية "المثير والاستجابة" أو "الاستجابة الشرطية" كما يسميها البعض؛ وهي ببساطة: أن هناك مثيرًا خارجيًّا (فعل) يحدث فتتولد لدينا استجابة (رد فعل)، ولكن كيف يحدث المثير؟ لا أعرف. وكيف تحدث الاستجابة؟
هذا ما قصدناه حينما تكلمنا عن الشابين ابنيْ مدمن المخدرات؛ كان المثير أن أباهما كان مدمنًا للمخدرات وكانت الاستجابة مختلفة، أحدهما رأى أنه مثل والده ولم يتحمل المسئولية وربما عاب على المجتمع والناس والحياة، والآخر رأى أنه مسئول عن تغيير وضعه إلى الأفضل فنجح.
نحن نحتاج إلى أن نكون فاعلين لا ردود أفعال. المبادرة والإيجابية هما اللذان نحتاج إليهما لكي نقتل الشماعات داخلنا، وأن نتقدم بخطى ثابتة في أي موقف من مواقف حياتنا؛ لا نتهم أحدًا بل نقولها بكل ثقة: أنا المسئول. ولكن كيف سيحدث ذلك؟ هذا ما سنعرفه عندما نتوقف في الطريق بين المثير والاستجابة.
بين المثير والاستجابة
هناك عناوين جاهزة دائمًا لدى (الردفعليين) عندما تسألهم: لماذا اتخذوا هذا الطريق، وتتلخص في ثلاث نقاط:
1- هذه صفات ورثناها لا نستطيع التخلص منها.
2- هذه عُقَد نفسية من أثر تربيتنا وتنشئتنا.
3- هذه أمور تفرضها علينا البيئة المحيطة.
بيد أن الله -تعالى- قد منح البشر ملكات إنسانية خاصة ليتعاملوا مع أحداث حياتهم بفاعلية، وبقدر ما نستخدم هذه الملكات بقدر ما نقترب من روح المبادرة والإيجابية، وبقدر ما نبتعد بقدر ما نقترب من روح الأعذار ورمي المواضيع على (الآخر)، وهذه الملكات هي:
1- الإدارك الذاتي: وهي أن تكون واعيًا بما يدور حولك مدركًا له، مثل صاحبنا في المثال السابق؛ لقد أدرك الناجح أن أباه لم يكن يسير على الطريق المستقيم، وأنه لو تصرف بنفس تصرفاته فسوف يجني النتائج نفسها، وبالتالي كانت نعمة الإدارك عنده مستخدمة.. بعكس الأخ الآخر الذي تجاهل هذه النعمة، ولم يرَ غير أنه لن يلام إذا فعل ما فعل.
2- الخيال: وهو القدرة على تجاوز حدود الحاضر والتجارب الشخصية. فقط تخيل العواقب التي سوف تجنيها عندما تتصرف برد فعل تجاه أي استجابة تجبرك على أن تكون سيئًا. أريدك في هذا التخيل أن تتخيل شكل المتعة التي ستحصل عليها الآن، ثم شكل الألم الذي سيصيبك إذا استجبت بطريقة سلبية للمؤثر الذي يؤثر عليك؛ مثلا: التدخين يسبب للمدخن متعة الآن، وهو استجابة لمؤثرات كثيرة عليه، ولكن ما رأي المدخن في السرطان؟ مرض رهيب، أليس كذلك؟ هل يحب أن يتألم من هذا المرض؟ بالطبع لا -عافاك الله- لذلك فإنه عندما يتخيل مقدار الألم العنيف الذي يسببه مرض مثل هذا بسبب تدخينه، فإنه بالتالي سوف يفكر ألف مرة قبل أن يُقْدم على هذه الفعلة.
3- الضمير: وهو القيم والمبادئ التي تقوم عليها النفس، فغريزة الجنس مثلا هي غريزة أساسية ويمكن أن تحدث لنا إثارة منها، ولكن ضميرنا الممثل في القيم والمبادئ التي نحملها تمنعنا من اتخاذ سلوك غير سوي إزاء هذه الغريزة. فإذا تصرفت واعتديت على ما ليس لك فيه حق فلا تلومن إلا نفسك.
4- الإرادة المستقلة: ويعني هذا أن تكون لدينا القدرة على التصرف بحرية بعيدًا عن المؤثرات الخارجية، كيف يحدث هذا؟ تخيل أن أحدهم يقول لك: إنك دائمًا تعطلنا عن العمل. هذا هو رأيه، ولكن ما رأيك أنت؟ إن إرادتك المستقلة سوف تجيب عن هذا السؤال بالطريقة التالية:
- اخرج خارج الدائرة المشتعلة في الحديث واسأل نفسك: هل صحيح أنني أعطلهم؟ وسوف تكون الإجابة واحدة من ثلاث: (نعم – لا – أحيانًا)، إذا كانت الإجابة نعم فاعتذر فورًا (قمة الإيجابية)، وإذا كانت الإجابة لا فوضح الأمر أو اتركه لحاله، وإذا كانت الإجابة (أحيانًا) فادرس الموضوع، واعرف لماذا تحدث هذه العَطَلَة، وبالتالي سوف تصبح في كل الأحوال القائد لزمام الأمور.
- لا تعتبر كل رأي يوجه إليك رأيًا شخصيًّا، ولكن حَكِّم عقلك وتجاربك وتخيلك في كل ما يعرض عليك، ومن قبلها ضميرك الممثل في القيم والمبادئ التي تحملها.
وبعد..
عندما نكون فاعلين فإن الحياة يصبح لها طعم آخر.. حركة أخرى.. رؤية جديدة. بادر من الآن إلى ما تبحث عنه أنت، لا ما أراده لك غيرك. علق على جدار الزمان لافتة مكتوبًا عليها اسمك دون أن تكون متأثرًا بأحد؛ فأنت كنت وما زلت وستظل نسيجًا وحدك.
عندما تحب أحب بالفعل، عندما تعمل اعمل بالفعل. اكتب ورقة واحدة تستند فيها على مبادئك واكتب فيها: ماذا أخذت من العالم اليوم، وماذا قدمت له؟
لا تنسَ أن ترسل سلامي إلى كل إيجابي.