تمتاز الشخصية القوية بقدرتها على مواجهة المشاكل وعدم التهرب منها ، أو تأجيلها . ومواجهة المشكلة أمر له أهميته الكبيرة في القضاء عليها . أما التظاهر بأن مخاوفنا ومشاكلنا لا تصاحبنا على الدوام ، والقيام بإغلاق أعيننا عنها ، ونحن نأمل أن تبتعد عنّا وتتركنا في حالنا من تلقاء نفسها ، فهو أمر غير مجدي ، فمن النادر أن تدعنا وشأننا في هدوء ، إنّها تحتاج في العادة إلى المعالجة والحل ، فإذا ما تظاهرنا بأنه لا وجود للمشاكل ، وإذا ما تجاهلنا وجودها ، فإنها سوف تنمو وتكبر وتمتد في ظل نعيم ظلام إهمالنا ، وكلما طال الإهمال والتجاهل ، كلما زاد احتمال تضخمها وتغلغلها ، وكلما كان التعرف على المشكلة أكبر وأسرع ، كلما بات الأمر والوضع أفضل وأحسن. فإذا كان وقع هذا صعباً ، فمن المهم الإمساك بتلك الحقيقة المشجعة من أن معظم المشاكل ، وعندما ترى بوضوح ، فإنها تظهر كمجرد جزء من الحجم الذي تظهر به ، إذا ما نظرنا إليها من الجوانب ، ونحن على حال من التخوف والاكتئاب ، ويتقلص حجمها أكثر وأكثر عندما نقوم بمواجهتها. لذا فمن الأفضل أن تواجه المصاعب بدلا من تجنب التعرّض لها ، وأن تعترف بوجودها بدلا من إنكار وجودها ، وأن تتقبل ما يجري بدلا من محاولة نبذه ، وأن تعترف بالحقائق على ما هي عليه دون تشويهها . هذه الطرق المختلفة للتعبير عن فكرة لها ظلال مختلفة خفية في معناها ، إلا أنها ترتبط مع بعضها البعض في خيط واحد ألا وهو : أن مواجهة المصاعب أمر مفيد رغم انه قد يكون مؤلماً . ولتحقيق ذلك ، فأنك بحاجة أولاً إلى أن تعترف بأن المصاعب موجودة ، أو أن تعترف بأنك تتحاشاها ، أو تتجنبها ، تخيّل مثلاً أنك تشعر بالإرهاق في العمل إلى الدرجة التي تدفعك إلى أن عليك التفكير بالقيام بشيء حياله ، لكن لا تعرف ماذا تفعل ، وتتجنب الحديث مع أي شخص عمّا تشعر به خوفاً مما سوف يظنه بك . في حين أنك تعمل بجدية أكبر حتى لا يلحظ أحد أن ثمة أمر غير عادي يأخذ طريقه .

إن تجنب التعرض للمشاكل ومواجهتها يمنعك من إيجاد الحل لها بنفسك ، طالما أنك لا تجد الوقت أبداً للتوقف والتفكير ، ولا لأن تأخذ الحكمة من الآخرين أو الالتجاء إليهم لمساعدتك ولذا ، فعند مواجهة الصعاب ، يبدو الأمر ملحّاً لأن نولي المشاعر القلقة الاهتمام ، وأن نستخدمها لكي تدفعنا إلى أن ننظر ملياً إلى ما يحدث ويجري ، وأن نوضح بدقة هذه المصاعب. ومن الصعب أحياناً أن تعرف ما إذا كنت بالفعل تتجنب شيئاً ما أم لا ، وعلى ذلك ، فمن المفيد أن تكون يقظاً لدلائل التجنب ، وهناك خطوتين أساسيتين في دراسة دلائل لاختيار الموقف أولهما أن تستشعر ما في نفسك فإذا ما كان سبب عدم إقدامك على أداء فعل ما هو أنه يسبب لك القلق والإزعاج ، فإنه يبدو بأن هناك احتمال تجنبك عمله ، فإذا ما ثابرت على تنفيذ شيء ما ، ووجدته صعباً ، لكن ليس هناك ما هو أفضل منه ، فإنه من المحتمل تجنبك لبعض الجوانب الملغمة بالمكر فيه ، لذا وجّه لنفسك السؤال التالي : ماذا علي أن أفعل لكي أشعر بثقة أكبر في نفسي ؟ وإذا ما وجدت نفسك متورطاً أو ساعياً بين اتجاهين ،عليك عندئذٍ بالتفكير ما إذا كنت تتجنب شيئاً ، ولو كان الأمر كذلك ، عليك بأن ترى ما إذا كنت قادراً على معرفة السبل للتعامل معه بدلاً من التجنب والتفادي .







الإصرار على الحق يبني قوة الشخصية
أحد أهم المقومات التي تساعد في بناء الشخصية المقنعة هي الإصرار على الحق وعدم التنازل في أي حق تعتبره صادقاً ومحقاً لآرائك وأهدافك بشكل عام ، والإصرار على الحق يساعدك على بناء القوام والقوة التي تشمخ بها لنفسك ، ويساعدك أيضاً على تقوية علاقاتك.والإصرار على الحق مهارة تعتمد على فكرة أن احتياجاتك ومطالبك ومشاعرك ليست أكثر أو أقل أهمية من تلك التي تخص الآخرين ، إنما تتساوى معها في الأهمية .

لذا عليك أن تطالب بما لك من حقوق بطريقة مناسبة، وبأمانة ووضوح ، ومعرفة كيفية إتمام ذلك ، يساعدك على أن تضمن أنك لن تخرج من المواقف وأنت تشعر بعدم ارتياح من نفسك أو تترك الآخرين وهم يشعرون بعدم الارتياح ، فالإصرار على الحق يدور حول أن تكون عادلاً مع نفسك ومع الآخرين كذلك ، ولكل منّا الحق في مشاعره وأفكاره الخاصة ، غير أنه قد يريد منك الآخرون أن تفكر بطريقة مختلفة .

ولكن تلك مشكلتهم هم وليس مشكلتك. فإذا ما كنت تقدّر وتقيّم نفسك وتثق في مشاعرك ذاتها ، فإنك تعبّر عن نفسك للآخرين بطريقة فعّالة ومؤثرة . والشيء الغريب ، هو أن الناس سوف يقومون وقتها بتقديرك والوثوق فيك أكثر مما لو انحنيت لترضيهم ، والسؤال الذي يمكن أن يخطر ببالك الآن عزيزي القارئ هو ، ما هي آلية الإصرار على الحق ؟ يمكن القول أن هذه الآلية تتلخص بخمس مهارات أساسية هي :

1- الإنصات إلى الآخرين :

فكّر في سلوك العدوانيين الذين يقدمون المطالب التي يعلوها الضجيج والجعجعة دون أن تكون لديهم أي فكرة عمّا يفكر به الآخرون. وبدلاً من النجاح في محاولة السيطرة على الآخرين ، فإنهم كثيراً ما يضعون أنفسهم في موقف أضعف وأكثر انكشافاً للغير ، ويفشلون في الإنصات لهم ، إن الإنصات بعناية لما يقوله شخص آخر يعني منحهم اهتمامك الكامل ، إن المستمع الجيد سوف يفهم ما يقال ، ولكنه سوف يكون قادراً أيضاً على التقاط الكيفيّة التي يشعر بها الشخص المتحدث ، وقد تحتاج إلى التيقن من صحة تخمينك .

2- استخدام ( أنا ) أخرى غير أنانية :

كثيراً ما يرتبط استخدام كلمة ( أنا ) الأنانية ولكن لا بد أنك تحتاج في كثير من الأحيان للتعبير عن نفسك وذلك باستخدام هذا ( أنا ) دون أن يكون فيها أي تعدي على الآخرين ، فمن العدل أن تعبر عن نفسك بوضوح وخصوصاً عندما تريد شيئاً ما ، لا داعي (للّف والدوران) أو أن تكون غامضاً أو خجولاً أو محرجا ً. فإذا كان للآخرين حقهم في التعبير لأنفسهم وعن أنفسهم وأن يتوقعوا لوجهات نظرهم أن تحترم ، فالأمر ينطبق عليك أيضاً . أقبل بمشاعرك على ما هي وليس كما لو أنت وضعتها في الحسبان ، فسوف تصبح أنانياً . إن شعرت بالغضب ، فإن ذلك هو ما تحس به . اعترف بالإحساس حتى تستطيع أن تعبّر عنه أو ( إدارته) بطريقة مناسبة ، والأمر ذاته ينطبق على الآخرين، إنهم يمتلكون المشاعر التي لديهم والحق في امتلاك هذه المشاعر ، وفي الاعتراف بها وقبولها ، لكنهم لا يملكون الحق بأن يقذفوا بها ضد إرادتك، لذا فإن الشعور بحاجة إلى الاعتراف به.



3- تمسك بالنقاط الهامة :

إذا ما قدمت إليك دعوة ما ولم تكن متأكد من حضورك لها واختلفت أقوالك في قبول أو رفض هذه الدعوة فستجد نفسك في موقف غير واضح المعالم من حيث الرد ، ولكن لا يوجد أي عذر ، وكل ما تقوله يمكن أن يكون مقنعاً ، ويمكن التصدي لجميع هذه المواقف . فإن لم تكن متأكداً مما سوف تقوم به ، فلماذا لا تجعل نفسك متأكداً من قبولك للدعوة ، بوسعك أن تذهب إليها متأخراً أو تغادرها مبكراً .

إن أكثر الأجوبة إقناعاً هي أكثرها استقامة وبساطة، كأن تقول: شكراً، ولكن لدي الكثير بين يدي كي أؤديه.
لن يكون هناك عودة ظهور للأمر ثانية . لقد وضعت قرارك، وقدمت سبباً واحداً واضحاً. فإن لم يقبل ردك ، قم بتكرار الرسالة ، إما باستخدام نفس الكلمات أو مع الاختلاف البسيط الذي يحمل نفس المعنى (كلا ، أخشى لا أستطيع ..) ، (آسف ، فأنا مشغول للغاية..) ، ( كم كنت أود ذلك ، إلا أنني لا أستطيع .. ) .تلك استراتيجية مفيدة للغاية والتي يمكن تعديلها للعديد من المواقف المختلفة ، وتعلّم التمسك بمدفعك كما يقول التعبير ، وأن تبقى على القضبان ،وأن تستخدم الجل المحكم ، وكل ذلك يتطلب الممارسة، وأهم خطوات التمسك بالنقاط الهامة :

أ - قرر ما تريد.
ب- ضع هذا بصورة واضحة.
ج- فكر في أكبر عدد ممكن من طرق التعبير عن قرارك قد استطاعتك.

4- إدارة النقد والشكوى :

يسبب النقد والشكوى غلياناً للمشاعر الذي يوصلها إلى الانفجار بصورة عدوانية ، والانفجار بفعل عواصف الغضب ، أو الغليان بالانفعال المكتوم الذي لا يعبّر عنه ، يشكل طرفين مدمرين ، إنه الوقوع بين نارين ، وأن تكون عادلاً لنفسك وللآخرين فهذا يساعدك على أن تمضي بينهما .

من الأشياء الجوهرية أن تجري التمييز بين النقد وبين اغتيال الشخصية. فكل إنسان يقع في الأخطاء في بعض الأوقات ، يقوم بالغلط ويسبب الحرج ويتصرف بلا تفكير أو بوقاحة ، إلا أن كل ذلك يشكل أنواعاً معينة من السلوك تثيرها أنواع معينة من المواقف .
وليس من المعقول أن تستخرج نتائج عامة منها ، وأن توهم الشخص الذي يقوم بها بأنه سيئ . تماماً كما تستخرج نتائج عامة عندما يقوم شخص بشيء مفيد له اعتباره . والتصدي للاتهامات الباطلة أسهل إن استطعت الاعتراف بنقاط الضعف بدقة ، دون المبالغة في أهميتها ، ودون أن تنبذها باعتبارها خارجة عن الموضوع . ونشرح لك هنا ثلاث استراتيجيات تساعد على الرد على عمليات الانتقاد :

أولاً: ارفض أن توصم بشيء ، أو توضع في خانة محددة لوضعك : يقول نقّادك، (إنك دائماً غير منطقي إلى درجة كبيرة ،إنك لا تستطيع الاحتفاظ بفكرة في رأسك مباشرة أكثر من عشر ثوان) ، ويكون ردك (أحياناً ما ، أردد أشياء غير منطقية ، ولكني في معظمها أقدم ما يتمشى مع الإدراك السليم) .
ثانياً: اتفق مع الناقد واعتذر بطريقة لائقة : يقول الناقد دورة اساليب الاقناعها أنت قد تأخرت مرة أخرى). وتجيب ( إني آسف ، إنني كنت مشغولاً فعلاً وتأخرت).

ثالثاً: اطلب التوضيح : يقول ناقدك ( إنك مرتبك وغير منتظم ) ، وتجيب ( وما الذي يدفعك إلى هذا القول ؟) أو ( هل صادفت شيئاً من ذلك في طريقك؟)أو ( هل تفضل أن أعيد ترتيب الأمور ؟).

وحتى تكون عملية عرض المشكلة أكثر وضوحاً قم بما يلي :

1- قم بتسمية المشكلة : كن مختصراً، ومحدداً وواضحاً وليس بالتخمين بالنسبة لمواقف ودوافع الشخص الآخر . تمسك بالحقائق .
2- عبّر عن مشاعرك وعن آرائك : عليك فقط بعرض مشاعرك وآرائك ، وضع في اعتبارك عدم المبالغة في التعبير عنهم. احتفظ بالهدوء والنبرة الهادئة دون لوم الآخرين ، تذكر أن يكون تركيزك على أنا وليس على أنت .
3- حدد ما تريده : اطلب تغييرات محددة واضحة ، اطلب واحد في كل كرة حتى يمكن التوقيع من الآخرون تحقيقه بصورة معقولة.

5- استخدام جسدك في مساندتك:

هناك جانب جسماني للسلوك المصر على الحق ، إن كيفية الاعتداد بنفسك تتبدى في وقفتك، في تلامس العيون ، وفي نغمة صوتك ، وفي الإيماءات والحركات ، في تعبيرات الوجه وفي المسافة التي تضعها بينك وبين الآخرين ، وغيرها من الطرق .

وهناك العديد من التمارين التي تساعدك على التفكير في الإرشادات التي تلخصها في الآخرين وفي تلك التي تنبعث أنت بها. وعموماً فإن السلوك الأكثر اعتداداً يتضمن أخذ نفسك بالاستقامة ، والنظر إلى الآخرين بقلب متفتح ، فعلى سبيل المثال فكّر في شخص تعرفه ويتصرف باعتداد وليس بعدوانية أنهض وأمشي عبر الحجرة بالطريقة التي يمشي بها ، وعندما تواتيك الفرصة لاحظ كيف يبدو هذا السلوك المعتد ، قل ، ماذا تلاحظ؟

جرب هذا الأسلوب وحاول التعرف على أساليب أخرى من خلال مراقبة الآخرين وأخذ أمثلة مختلفة لتصرفاتهم وحاول إيجاد حلاً وسطاً تعتبره الميزان السليم بالنسبة إليك . هل تستطيع التعرف على لغة جيدك ؟ هل هناك أي شيء تود تغييره في الطريقة التي تستخدم بها جسدك؟ إن وجد ذلك، حدّده بوضوح ، ومارس السلوك الجديد بأكثر ما تستطيع .