ثم إلى أي حد يبدو التعبير دقيقا وشفافا، عندما نتبنى مفهوم هجرة الأدمغة. أو ليس الأصدق أن نقول إن ما يحصل في الدول العربية منذ السبعينات إلى اليوم، هو تهجير للأدمغة العربية أكثر منــــــه هجرة، حتى لو كان هذا التهجير من النوع غير المباشر.
وللعلم فإن عبارة هجرة العقول أو الأدمغة، ابتدعها البريطانيـــون لوصف خسارتهم من العلماء والمهندسين والأطباء بسبب الهجرة من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في حين تــعــــرف منظمة اليونسكو هجرة العقول بأنها «نوع شاذ من أنواع التبــادل العلمي بين الدول يتسم بالتدفق في اتجاه واحـــــد، ناحيـــة الــدول المتقدمة أو ما يعرف بالنقل العكسي للتكنولوجيــــا، لأن هـــجــرة العقول هي فعلا نقل مباشر لأحد أهم عناصر الإنـــتـــاج وهــــــو العنصر البشري».
واستنادا الى لغة الأرقام البليغة نذكر أنه جاء في دراسة لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية صدرت في مايو 2004 أن الدول الغربية الرأسمالية، قد استقطبت ما لا يقل عن 450 ألف من العقــول العربــيــة، وأن الوطــن العربي يسهم بـ31% من هــجرة الكفـــاءات مــن الدول النامية إلى الغرب الرأسمالي بنحو 50% من الأطــبـــاء و23% من المهندسين و5% من العلمــــاء من العــالــم الثالث.
الإنفاق السنوي للدول العربية على البحـــث العلـــمي لا يتجاوز 0.2% من إجمالي الموازنات العربيــة. وكــي نحدد بدقة ضعف هذا الإنفاق تكفي الإشارة إلى أن مـــا تنفقه أمريكا على البحث العلمي يساوي 3.6% والسويد 3.8% وسويسرا واليابان 2.7% وفرنسا والدنمــــارك 2%.
وفي هذا السياق نعتقد أنه من الخطأ الاستهانــة بتدهـــور نظم التعليم في الوطن العربي، فهو الفضاء الــذي يبنـــي العقول حسب تعبير بيار بورديو وفضاءاتنا التعليمية، قد نخرها سوس التسييس والإهمال فكانت النتيجة أن تقريرا نشر في2009 يضم أفضل 100 جامعة في العــالــم لـم يتضمن ولو جامعة عربية واحدةأن اقتصاد العولمة يفرض على الأدمغــة العربيــة، بــل وحتى الأوروبية أن تتجه إلى حيث يمكــنها أن تــكــون مفيدة. ومن غرابة الأمور في الدول العربية أنها رغـــم تحققها من تأثر اقتصادياتها من نزف أدمغـــتهـــا نـحــو الخارج، فإنه على المستوى العملي نلحظ استغناء عـــن خدماتهم ولا مبالاة من حجم الخسائر الناتجة عن ظاهرة الهجرة، لاجئة في إطار مزيد تكبد الخسائر إلى الاعتماد على كوادر غربية في مشاريعهـا الكبرى. لذلك فإنــهــم يحملون الحقيبة من دون عودة، مع تحياتي : ماهر محمد رمانه