السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قصيدة / أنا العبدُ
للشيخ / جمال الدين الصرصري

أنا العبد الذي كسب الذنوبا *** وصدته الأماني أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحى حزينا *** على زلاته قلٍقا كئيبا
أنا العبد الذي سُطرت عليه *** صحائف لم يخٌف فيها الرقيبا
أنا العبد المُسئ عصيت سرا *** فما لي الآن لا أُبدي النحيبا
أنا العبد المُفرط ضاع عمري *** فلم أرع الشبيبة والمشيبا
أنا العبد الغريق بلُج بحر *** أصيح لربما ألقى مجيبا
أنا العبد السقيم من الخطايا *** وقد أقبلت التمس الطبيبا
أنا العبد المخلٌف عن أناس *** حووا من كل معروف نصيبا
أنا العبد الشريد ظلمت نفسي *** وقد وافيت بابكم منيبا
أنا العبد الفقير مددت كفي *** إليكم فادفعوا عني الخطوبا
أنا الغدار كم عاهدت عهدا *** وكنت على الوفاء به كذوبا
أنا المقطوع فارحمني وصلني *** ويسر منك لي فرجا قريبا
أنا المهجور هل لي من شفيعٍ *** يكلم في الوصال لي الحبيبا
أنا المضطر أرجو منك عفوا *** ومن يرجو رضاك فلن يخيبا
فوا أسفي على عمر تقضى *** ولم أكسب به إلا الذنوبا
وأحذر أن يعاجلني ممات *** يحير لهول مصرعه اللبيبا
وياحزناه من حشري ونشري *** بيوم يجعل الولدان شيبا
تفطرت السماء به ومارت *** أصبحت الجبال به كثيبا
إذا ما قمت حيرانا ظميئا *** حسير الطرف عريانا سليبا
وياخجلاه من قبح اكتسابي *** إذا ما أبدت الصحف العيوبا
وذٍلة موقف وحساب عدل *** أكون به على نفسي حسيبا
ويا حذراه من نار تلظى *** إذا زفرت فأقلقت القلوبا
تكاد إذا بدت تنشق غيظا *** على من كان معتديا مريبا
فيا من مد في كسب الخطايا *** خطاه أما آن لك أن تتوبا
ألا فاقلع وتب واجهد فإنا *** رأينا كل مجتهد مصيبا
وأقبل صادقا في العزم واقصد *** جنابا للمنيب له رحيبا
وكن للصالحين أخا وخلا *** وكن في هذه الدنيا غريبا
وكن عن كل فاحشة جبانا *** وكن في الخير مقداما نجيبا
ولاحظ زينة الدنيا ببغضٍ *** تكن عبداً إلى المولى حبيبا
فمن يخبر زخارفها يجدها *** مخادعةً لطالبها حلوبا
وغض عن المحارم منك طرفاً *** طموحاً يفتن الرجل الأريبا
فخائنة العين كأسد غابٍ *** إذا ما أهملت وثبت وثوبا
ومن يغضض فضول الطرف عنها *** يجد في قلبه روحاً وطيبا
ولا تطلق لسانك في كلامٍ *** يجر عليك أحقاداً وحوبا
ولا يبرح لسانك كل وقتٍ *** بذكر الله ريّاناً رطيبا
وصل إذا الدجى أرخى سدولاً *** ولا تكن للظّلام به هيوبا
تجد أجرأ إذا أدخلت قبراً *** فقدت به المعاشر والنسيبا
وصم مهما استطعت تجده رياً *** إذا ما قمت ظمآناً سغيبا
وكن متصدقاً سراُ وجهراً *** ولا تبخل وكن سمحاً وهوبا
تجد ما قدمته يداك ظلاً *** عليك إذا اشتكى الناس الكروبا
وكن حسن الخلائق ذا حياءٍ *** طليق الوجه لا شكساً قطوبا
فيا مولاي جد بالعفو وارحم *** عُبيداً لم يزل يشكي الذنوبا
وسامح هفوتي وأجب دعائي *** فإنك لم تزل أبداً مجيبا
وشفِّع فيّ خير الخلق طراً *** نبياً لم يزل أبداً حبيبا
هو الهادي المشفّع في البرايا *** وكان لهم رحيماً مستجيبا
عليه من المهمين كل وقتٍ *** صلاة تملأ الأكوان طيبا