كانت إحدى الجمل التي أكتبها على صفحتي على شبكة الفيس بوك الإجتماعية أمس السبت 20 نوفمبر كفيلة بأن استقبل عليها عدد كبير من الردود والخبرات الشخصية لعدد من الأصدقاء، وكان نص عبارتي" إذا انخدعت في شخص او شئ أو إتجاه فانخدع بمنتهى الضمير والصدق ، فإن صِدقَك في الإنخداع سوف يجعلك تستطيع بعد ذلك - ومن خلال خبرتك الأولى - أن تميز بين الذهب وبين إصفرار أوراق الأشجار المتساقطة على الأرض لأنها ماتت ولم تعد صالحة للبقاء" تناولها كل شخص بحسب خبراته الشخصية وتعامل معها من منطلق ما أصبح راسخ في عقله عن الشخص الخادع وعملية الخداع.
وجاء رد زميلي الفاضل الصحفي مجاهد شرارة – وزمالتي له تأتي من عملنا معًا في حرب لبنان 2006 ، حيث كان يغطي الحدث إعلاميًا وكانت مشاركتي في الدعم النفسي- بسؤال مفاده : لماذا تحدث حالة غضب وكراهية شديدة للشخص الذي خُدعنا فيه؟؟ وهل هذا أمر طبيعي نفسيًا؟؟ وكيف نتخلص منه أو نتعامل معه لنبقى أصحاء بعيدًا عن الألم النفسي؟؟
وحينما وجدت أن الأمر ربما يكون عام، حيث لا يكاد أحد منا سلِمَ من الإنخداع في شخص أو مجموعة أو قدوة أو رمز أو هيئة أو إتجاه، قررت أن أكتب عنه لأوضح ما يحدث في حالة التعرض لخديعة ، وكيف يمكن أن نتعامل مع هذا الأمر.
ما هو الخداع ؟؟
الخداع هو أن يصلك من الشخص أمور غير تلك التي أوضح لك سابقًا وجوده لديه، أو خروجه عن عهد عاهدك به أو عاهد نفسه عليه أمامك ، أو هو وجود باطن مختلف تمامًا عما هو ظاهر لك وجعلك تقترب منه، سواء كان ذلك بهدف إستغلالك أو حتى الحصول على تأييدك وحبك فقط.
لماذا يحدث الخداع ؟؟
أسباب الخداع متعددة لكن يمكن إجمالها في مجموعتين هما :
الأولى - مجموعة أسباب ترجع إلى الشخص الخادع ، ونذكر منها :
1-سمات شخصية ، فهناك شخصية بحكم تكوينها تميل لإظهار ما لا تُخفي بشكل تعمدي ضمن تركيبة الشخصية.
2- للحصول على مكاسب مادية أو معنوية .
3- وجود مشكلات مثل عدم الثقة بالنفس مما يجعل الفرد يدعي بعض الأشياء.
4- حالة من العدوان على الشخص الأخر ، لسبب معروف لدى الخادع أو غير معروف ، فهناك أشخاص يقولون ( أستمتع بخديعته لكني لا أعرف لماذا).
5- ردًا على عدوان سابق من شخص ينتمي لجماعة أو لفريق من تلك التي ينتمي لها المخدوع الجديد ( مثًلا تعرض شخص لمشكلة مع فتاة، فهو يميل إلى رد هذا الثأر لكل فتاة يتعرف عليها بإعتبارها تنتمي لنفس الجنس الذي سبب له ضرراً ) .
الثانية - مجموعة أسباب ترجع إلى الشخص المخدوع ، ونذكر منها :
1-غياب اليقظة مما يجعله صيد سهل للخداع ويُغري بعض الشخصيات خاصةً ذات الطبيعة الشخصية التي تميل للخداع.
2- وجود مشكلات نفسية لديه تجعله يميل لمن يخدعه إما بإعتباره تخليص ذنب، أو إعتباره أحسن الحلول أو أفضل الإختيارات السيئة مثل (حبيبي شخص سئ وأعلم أنه يخدعني لكني لا أتخيل الحياة دون حب وشخص يسأل عني ) ، أو (زوجي يخدعني وأعلم ذلك جيداً لكني لا أملك أن أخرج من هذه الخدعة لأن الحل وقتها الطلاق وهو ما لا أستطيع تحمله) ....
3- إنتقام الشخص المخدوع من الخادع ، من خلال تركه له ليظل الأخر يتألم من مشاعر الذنب التي قد تصيبه، وهو ما يسمى بالعدوان السلبي(سأتحدث عنه في مقال لاحق إن شاء الله)
والعوامل الموجودة لدى الشخص المخدوع هي ما تبرر لنا – واحدة منها أو أكثر – لماذا يستمر الأشخاص مع أشخاص يعلمون تمامًا أنهم يخدعونهم .
الآثار النفسية المترتبة على الوقوع في الخداع؟؟
تتمثل الآثار النفسية التي يتعرض لها الشخص بعد الإنخداع فيما يلي :
1-تأثر الثقة بالنفس تأثر سلبي، خاصةً إذا مرت فترة طويلة مع الشخص الخادع دون إكتشافه.
2- حالة من الغضب الشديد على الأخر ربما تؤدي إلى إيذائه الذي قد يتضمن إيذاء الذات من باب هدم المعبد على الجميع.
3- حالة من لوم الذات لأنها لم تفهم هذا الشخص، فيظل الفرد يلوم نفسه كل لحظة ويصفها بالغباء وينعتها بعدم التمييز وهو ما يزيد من الإحساس بإنعدام الثقة بالنفس.
4- حالة من التعميم العقلي حول كل ما ينتمي له الشخص الخادع، فلو خدعتني محجبة فالمحجبات كذا أو رجل مُلتحي ، فالمتدينين كذا ، صحفي ، فالإعلام كذا ..
5- توقف عن إقامة علاقات مع الأخرين حتى يستعيد الفرد قدرته على الثقة بالأخرين فكثيرا ما يقع الناس بعد الإنخداع في حالة من الإنطوائية والبعد عن الناس.
6- ذاكرة سلبية تؤثر على حالة الفرد ، فدائمًا ما تداهمه جملة قالها للشخص الخادع أو موقف ثقة منحه إياه أو تسليم تام له ، أو ...
7- نقص في التركيز في العمل وقلة الإنجاز نتيجة لسيطرة الحالة الإكتئابية مع إنهيار الثقة.
8- إزدياد ساعات النوم هروبًا من اليقظة التي قد تأتي بالشخص في ذكرى أو موقف .
أعتقد أنني أطلت ، في الجزء الثاني إن شاء الله نستكمل الحديث عن الخداع والمخادعين ، كيف نكتشفهم وسبل التعامل مع الحالة النفسية للفرد بعد الإنخداع في شخص أو جهة أو إتجاه.

لمتابعة المقالة من خلال موقع عين على بكرة .. استخدم الرابط التالي:
https://www.3ain3alabokra.com/article-534.html