شهد تقرير التنمية البشرية للعام 2007والذي أصدرته الأمم المتحدة مؤخرا تحت عنوان "محاربة التغير المناخي: التضامن البشري في عالم منقسم على نفسه" وخصص جزء منه لمتابعة وضع التنمية البشرية في العالم، شهد قفزات نوعية للمملكة في سلم الترتيب العالمي في التقرير، حيث تمكنت من تجاوز 15مركزا للأمام محققة المركز الحادي والستين عالميا والسابع عربيا، ضمن الدول ذات التنمية البشرية العالية. بعد ان كان ترتيبها السادس والسبعين في ذات التقرير للعام الماضي.
ويأتي هذا التقييم المتقدم بفضل السياسات الإصلاحية التي تضع الإنسان ركنا أساسيا للتنمية البشرية، وعطفا على التطورات التي شهدتها المملكة في كافة المجالات. كما يعتبر التقرير الحالي بمثابة الدليل على التطور الذي حظيت به المملكة في السنوات الأخيرة والذي تضمن عددا من الإصلاحات في عدد من المجالات أهمها الاقتصادية، الاجتماعية، الصحية، التعليمية. وكان الإنسان منطلقاً أساسيا ومحوريا لجميع خطط التنمية تلك.
ورغم تصنيف المملكة في هذا المركز ضمن الدول ذات التنمية البشرية العالية إلا أن كماً كبيرا من المشاريع التنموية المقررة مؤخرا لم تدخل ضمن معايير التقييم العالمية لإقرارها مؤخرا دون البدء في تشغيلها، وهو ما يعطي تفاؤلا كبيرا في استمرار التقدم نحو الأمام بعد انخراط هذه المشاريع ضمن الحركة الاقتصادية والتنموية مؤثرة بذلك في معايير التقييم الخاصة بالتنمية البشرية في العالم.
وفيما يخص أوضاع الدول العربية في سلم التنمية البشرية فقد حققت الكويت المركز الثالث والثلاثين عالميا والأول عربيا. فيما جاءت قطر في المركز الخامس والثلاثين عالميا والثاني عربيا. أما دولتا الإمارات والبحرين فقد جاءتا في المراكز التاسع والثلاثين - الحادي والأربعين عالميا والمركزين الثالث والرابع عربيا على التوالي.
في حين اعتبر التقرير الدول العشر الأولى على مستوى العالم هي: أيسلندا، النرويج، أستراليا، كندا، أيرلندا، السويد، سويسرا، اليابان، هولندا، ثم فرنسا التوالي. ويوضح الترتيب ان أيسلندا والنرويج وكندا قد حافظت كلها على ترتيب متقدم على لائحة الدول الأعلى من حيث معدلات التنمية البشرية العالمية على مدى ثلاث سنوات متتالية. فيما تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المركز الثاني عشر. كما جاءت المملكة المتحدة في الترتيب السادس عشر. في حين حققت فرنسا الترتيب العاشر بعد أن كانت غائبة عن المراكز العشر الأولى طوال السنوات الثلاث الأخيرة.
وقد صنفت الأمم المتحدة الدول الأعضاء فيها والبالغ عددهم 175دولة بالإضافة إلى هونغ كونغ الصين (منطقة إدارية خاصة) والأراضي الفلسطينية المحتلة، في تقريرها السنوي، ضمن ثلاثة مستويات في التنمية البشرية للعام 2007، مستوى الدول مرتفعة التنمية البشرية، الدول متوسطة التنمية البشرية، الدول منخفظة التنمية البشرية.
واعتمد التقرير "الذي يعتبر بمثابة دليل مركب يقيس متوسط الانجازات في البلد" على ثلاثة أبعاد أساسية للتنمية البشرية هي التمتع بحياة مديدة وصحية، حسبما يتم قياسه بمتوسط العمر المتوقع عند الولادة، واكتساب المعرفة، حسبما يتم قياسه بمعدل الإلمام بالقراءة والكتابة لدى البالغين ومجموع نسب الالتحاق الإجمالية بالتعليم العام والجامعي، والتمتع بمستوى معيشة لائق. حسبما يتم قياسه بالناتج المحلي الإجمالي للفرد في تعادل القوة الشرائية بالدولار الأمريكي.
وعمد التقرير إلى مناقشة مجمل أوضاع التنمية البشرية في العالم خلال العام المنصرم ورصد أهم التحسنات والانتكاسات التي شهدها واقع التنمية البشرية العالمية في العام الأخير. ولفت التقرير الأنظار إلى عدد من التطورات الإيجابية التي شهدها العام 2007على مستوى التنمية البشرية، ومن أبرز تلك التطورات الإيجابية ما يلي:
- ارتفاع متوسط العمر المتوقع للإنسان عند الولادة في دول إفريقيا جنوب الصحراء بمعدل عام واحد.
- ارتفاع معدل التحاق الإناث بمرحلة التعليم الثانوي في دول أمريكا اللاتينية بمعدل 4%.
- ارتفاع نسبة البشر الذين يتمتعون بمصادر مياه نظيفة بمعدل 2.5%.
- انخفاض معدل تسرب الإناث من مراحل التعليم الأساسي بنحو 3% على مستوى العالم ككل، وبمعدل 4% على مستوى كل من قارتي آسيا وأمريكا اللاتينية، وبمعدل 1.5% على مستوى قارة إفريقيا.
- زيادة نسبة الأطفال على مستوى العالم الذين يتم تطعيمهم ضد مرضى شلل الأطفال والجدري بمعدل نحو 1.5%.
- زيادة عدد مواطني الدول النامية والأقل تقدماً الذين يمتلكون أجهزة كمبيوتر شخصية بمعدل 3%، ونمو عدد أجهزة الحاسب الآلي الدفترية المحمولة على مستوى العالم أجمع بمعدل 2.5%.
وعلى الجانب الآخر، فقد رصد التقرير عدداً من الانتكاسات والتطورات السلبية التي شهدها واقع التنمية البشرية العالمي خلال العام 2007، ومن أبرز تلك التطورات السلبية ما يلي:
- ارتفاع عدد الصحفيين والمراسلين الإعلاميين المحبوسين على ذمة قضايا متعلقة بالنشر بمعدل 6%.
- تناقص القيمة الغذائية - مقيسة بإجمالي السعرات الحرارية التي يحصل عليها الفرد يومياً - للأفراد في الدول النامية بمعدل 8%، وهو ما يمكن إرجاعه بالمقام الأول إلى الارتفاع الملحوظ في أسعار الحبوب الغذائية والغلات الزراعية الاقتصادية عموماً خلال الشهور الماضية.
- ارتفاع معدل الإصابة بمرض الإيدز في دول إفريقيا جنوب الصحراء بمعدل 2% وفي دول جنوب وجنوب شرق آسيا بمعدل 0.75%.
- انخفاض العمر المتوقع للإناث عند الولادة في دول أمريكا اللاتينية وفي دول إفريقيا جنوب الصحراء بمعدل 0.5%.
- تصاعد الرقابة الحكومية على شبكة الإنترنت وتنامي أعداد المدونين والناشطين السياسيين الإلكترونيين على مستوى العالم وإن بمعدلات من الصعب الجزم بأي منها.
- استمرار ظاهرة تزوير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في عدد من دول إفريقيا وآسيا وحتى أمريكا اللاتينية.
وألقى التقرير الضوء على عدد من الإستراتيجيات التعاونية التي يمكن عبر اتباعها وتبنيها الإسهام بوضوح في تخفيف حدة تلك التطورات السلبية التي طرأت على ساحة التنمية البشرية العالمية في العام الماضي، ومن أبرز تلك الإستراتيجيات استمرار حكومات الدول النامية في دعم أنشطة التعليم والتدريب، واستمرار الدول المتقدمة والشركات ومنظمات الأعمال الكبرى حول العالم في تمويل أنشطة البحوث والتطوير بغية التوصل إلى أساليب جديدة لتعظيم الناتج الزراعي ولتحسين الصحة العامة للمواطنين، فضلاً عن التوسع في أنشطة إقراض الفقراء بنظام القروض الصغيرة والقروض المتناهية الصغر، والتوسع في تمويل عمليات بيع أجهزة الحاسب الآلي الشخصية والدفترية بنظام التقسيط، والتوسع في إتاحة خدمات الإنترنت في الدول النامية والأقل تقدماً بالمجان (بالنسبة لخدمات الإنترنت المتوسطة السرعة) أو بأسعار رمزية وغير مبالغ في تقديرها (بالنسبة لخدمات الإنترنت الفائقة السرعة).
وفي رأي واضعي التقرير، فإن تطبيق الإستراتيجيات بشكل جاد ومكثف وبتعاون وتنسيق كبيرين فيما بين كافة الدول المعنية والمنظمات الدولية بوسعه أن يسهم بوضوح في تحسين واقع التنمية البشرية العالمي بشكل ملحوظ، فما تم تحقيقه على هذا الصعيد حتى يومنا هذا ومنذ بدء إعداد تقرير الأمم المتحدة السنوي للتنمية البشرية في العام 1990هو في مجمله أمر مبشر ويمكن البناء عليه مستقبلاً.