أما التخطيط في أجمل صوره وأبهاها، فقد ظهر في صلح الحديبية، الذي اتفق فيه صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش بمكة، على أن يرجع المسلمون عن العمرة عامهم ذاك، وأن يدخل الطرفان في هدنة لمدة عشر سنوات، وأن يترك من أراد أن يدخل في عقد أي من الفريقين وعهده أن يفعل، وأن يُردَّ إلى المشركين من أتى محمدًا صلى الله عليه وسلم هاربًا من وليِّه، ولكنه مع ذلك يستطيع الفرار بدينه إلى أي مكان آخر في أرض الله الواسعة، أما من جاء إلى المشركين فارًا من محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أمر مستبعد الحدوث فلا يُرَدُّ.
رغم أن هذا الصلح في ظاهره مجحفٌ بالمسلمين، إلا أنه اعترافٌ لم يسبق له مثيل من قريش بوجود المسلمين وهيبتهم، ثم إنه نصرٌ للإسلام والمسلمين؛ حيث رضيت قريش التي تخلت عن صدارتها الدينية في مكة أن تترك الناس يدخلون في دين الإسلام، فبينما كان عدد المسلمين قبل الصلح لا يتجاوز ثلاثة آلاف، صار جيشهم عند فتح مكة بعد الصلح بسنتين عشرة آلاف مقاتل، ذلك كله مقابل أن تكسب قريشًا صد المسلمين عن البيت الحرام عامًا واحدًا.