يساهم وجودنا الطويل في العمل يوميا في تعرضنا لضغوطات نفسيه وجسديه، تختلف درجاتها من شخص إلى آخر،وبغض النظر عما إذا كان ذلكشيئا سليما أم لا، فإن العمل ليس كله نجاحات و قفزات،بل هناك الكثير من الإحباط والفشل والمعوقات والتحديات.
وحتى عندما يأتي النجاح لا يأتي سهلا، بل يجيء غالبا على حساب أشياء أخرى، وبعد كثير من الجهد والمشقة ومغالبة النفس والصراع مع الآخرين، ولكن النتيجة دائما واحدة، فقد أصبح مكان العمل هو مصدر توترنا، في الوقت نفسه الذي لانستغني فيه عن العمل، فكيف يمكن تحويل العمل إلى متعة؟
هناك ثلاثة أسس يمكن أن تحول عملنا إلى متعة، وجهدنا إلى راحة وسعادة، وهذه الأسس هي:
أولا: الإيحاء للذات:
_كثير من مشاكلنا تبدأ وتنتهي من داخلنا:فتوقع البلاء يأتي به بالفعل. والعكس صحيح.فإذا أوحيت لنفسك بالسعادة والاستمتاع بالعمل مثلا، فستستمتع به حقا. لذلك حاول أن تنال حضك من السعادة. فكثيرون يخلطون بين الكآبة والجدية، أو بين الهزل والسعادة. فالإنسان السعيد في نظرهم هو من لا يحمل هما، لأنه إنسان غير مسؤول. أما الإنسان الذي لايتنصل من مسؤولياته فهو الجاد الذي يحمل هموم الدنيا كلها على أكتافه، فأصبحت الكآبة رمزا لأمر إيجابي، ودلت السعادة على أمر سلبي. ومن هنا أصبح الناس ينفرون من السعادة، لأنها تمنح الآخرين انطباعا خاطئا عنهم.
و لكن لأن الإيحاء الذاتي له تأثير قوي فستجد نفسك مكتئبا حقا. وهذا الإكتئاب لن يدفعك للأمام في عملك، وإنما سيؤثر سلبيا على عملك وعلى غيره، لذا افهم السعادة بمفهومها الصحيح، و تأكد من أنها تدفع للأمام وتقودك على طريق النجاح، ليس في العمل فقط بل في كل شأن من شؤون حياتك، ثم حاول أن تبحث عن مصادرها، وأن تقنصها قنصا. وثق أن السعادة تزداد كلما اقتربت منها، وتقل كلما نفرت وهربت منها.
_ لاداعي لتوقع الإجهاد: كثيرون منا يبدؤون يومهم بالشعور بالإجهاد والتعب، ويتساءلون ويتساءل معهم الآخرون عن سبب هذا الإحساس وماهية أسبابه. فهم لم يبذلوا جهدا، ولم يخرجوا للعمل بعد!
والحقيقة أن السبب الرئيسي وراء الشعور بالإجهاد دونما سبب واضح هو تأثير نفسي أو إيحاء ذاتي، فإذا كنت تكره عملك أو حتى كنت غير مقبل عليه فستنتابك هذه الأعراض يوما بعد آخر. والكارثة أن هذه التهيئات يمكن أن تتحقق لصاحبها بالفعل فيزداد قناعة بصدق أحاسيسه وإيمانا بأنه مضطهد ومظلوم وأكثر الناس تعبا على وجه الأرض. والحل هنا هو أن تسد على نفسك طرق هذا الحديث الذاتي السلبي بأن تأخذ قسطا وافرا من الراحة يبعد عن ذهنك أية أفكار خاصة بتعب مقبل.
_تجنب عبارة "أنا مضطر للذهاب إلى عملي"معظمنا يفكر ويقول صراحة منذ الصباح الباكر"أنا مضطر للذهاب إلى عملي " وبذلك يكون قد أوحى لنفسه بالإضطرار القهري القسري للقيام بذلك الشيء رغما عنه، وهو كاره له.
في حين أن الأمر لن يكلفك أكثر من تغيير مقولتك تلك إلى"أنا ذاهب للعمل" وبذلك ستوحي لنفسك وللآخرين المحيطين بك بأنك ذاهب لشأن عادي، وهناك سترى ماسيسفر عنه اليوم.
_لاتتوتر مقدما: نواجه جميعا متاعب في العمل، قد تكون متوقعة غالبا، فهي متاعب مكررة، تمثل جزءا من المهنة، ولاتخصنا وحدنا، وكونها متوقعة يجب أن يجعلها عادية بالنسبة لنا. ومعنى ذلك ألا ننفعل بها كثيرا، ونجعلها تؤثر على إنتاجيتنا.
_فكر إيجابيا تسعد: تحتوي الحياة على حلو الأشياء ومرها: النور والظلام، السعادة والشقاء، الحب والكره.. هكذا خلقها الله وهكذا أرادها: مليئة بالمتناقضات التي علينا أن نختار منها مانريد. فنحن مخيرون في الكثير من الأمور. أما البكاء بسبب الظلم الواقع علينا وقسوة الحياة فليس من الواقع، ولا يعبر عن الإرادة الإنسانية القوية. ومايحدد حياتنا هو أولا نظرتنا لها، فكل شيء حولنا له جانبه المضيء وجانبه المظلم، وحتى نحن هكذا، فليس هناك إنسان كله خير تماما وإلا كان من الملائكة.ولا إنسان مليئ بالشر تماما وإلا كان من الشياطين.
فإذا وعينا هذه الحقيقة فسنبحث داخل كل مشكلة أو عائق يقابلنا عن الجانب المشرق، فهناك مثلا من لا يسمي المشكلة "مشكلة" بل "تحديا". وهو بذلك قد غير نظرته إليها وبحث عن الجانب المضيئ فيها. فكلمة التحدي ستوحي له بمواجهة هذه المشكلة ومحاولة التغلب عليها.
ثانيا: ابتعد عن المثالية الزائدة
_ هون على نفسك: كونك إنسانا يعني أنك معرض للخطأ. فنحن لسنا من الأنبياء المعصومين ولا من الملائكة المنزهين. كثيرون منا ينسون هذه الحقيقة،ويعاقبون أنفسهم أشد العقاب كلما أخطؤوا، وهو أمر متكرر الحدوث بالطبع. وفي مجال العمل بوجه خاص يعتبر الخطأ واردا بشكل مؤكد. فالأمر فيه كثير من التجارب والمحاولات والتحديث، وكلها أمور ذات نتائج غير مؤكدة النجاح.
_لاتبالغ في التمسك بالمواعيد: من أثقل ضغوط العمل التي نتعرض لها مواعيد التسليم أو الانتهاء من المشروعات، أيا كان نوعها. والإلتزام أمر جميل ومطلوب. أما أن يتحول إلى عبء إضافي عليك، فليس بالأمر المطلوب على الإطلاق. ومن أكبر مضيعات وقت من يدمنون عادة تسليم الأعمال المطلوب إنجازها،ومتى،وأين،...وهكذا. ولو أنهم لم يفكروا بهذا الأمر بتلك الكثافة لأمكنهم إنجاز المطلوب منهم في الموعد المحدد. والأهم من ذلك هو أنهم يصابون بالتوتر والعصبية في سبيل الالتزام بالموعد،مما قد يؤثر على علاقتهم بالآخرين وعلى جودة العمل.
_لاتلتزم بقاعدة%80/%20: تبعا لهذه القاعدة ينجز %20 من الأشخاص%80 من المهام.
فإذا كنت من المؤمنين بهذه القاعدة،فتجد أنك تحمل نفسك فوق طاقتها، لأن الإنسان عادة مايوقن بأنه من ال%20 المقدر لهم تحقق الإنجازات على أيديهم.
والحقيقة أن هذه القاعدة متشائمة بعض الشيء. كما أنها بعيدة عن الواقع تماما. فالإعتماد على الآخرين ليس شيئا معيبا. وفرق العمل أثبتت أنها من أفضل أساليب الإنجاز، سواء من حيث السرعة أو الآداء أو كم الإنتاج. فلا تتوقع الإنجاز من نفسك فقط، لأنك بذلك توتر أعصابك وتفسد على نفسك متعة العمل. إنما كن واقعيا، وارسم خريطة لتوقعاتك من الآخرين. وإذا استلزم الأمر غير القاعدة واضعا النسب الصحيحة التي تستقيها من الواقع.
_لاتتمسك بآمالك وأحلامك حرفيا: قد يبدو هذا المطلب متناقضا مع أن تكون إنسانا طموحا يعمل على تحقيق أحلامه ولايعرف كلمة المستحيل. ولكن المسألة نسبية. فبعض الناس إذا قرروا شيئا أو تمنوه، أيقنوا في قرارة أنفسهم بأنه حادث لا محالة. فإذا لم يحدث يصيبهم الإكتئاب والحزن وينقمون على الدنيا ويصيبهم اليأس. لذلك عليك أن تتحلى ببعض المرونة، فمن حقك أن تتمنى وأن تحلم. ولكن من واجبك أن تكون واقعيا وان تعرف أنه"ليس كل ما يتمنى المرء يدركه". وأن معنى تحقق الأحلام أن يحدث ذلك جزئيا. فهل سمعت عن شخص تحققت جميع أحلامه حرفيا؟
إن الراضين عن أنفسهم ليسوا من تحققت جميع أحلامهم، لكنهم هؤلاء الواقعيون الذين عرفوا أن الآمال لا تتحقق مائة بالمائة، فلما حدث ذلك فعلا لم يهتزوا أو يحزنوا، إنما تقبلوا الواقع بروح راضية تعرف أن ذلك جزء من الواقع المتوقع. وفي مجال العمل لا تملك أنت وحدك زمام الأمور كلها. قم بواجبك و اسع نحو هدفك. أما النتيجة فلن تتحكم فيها. فإذا لم تأت الرياح بما لا تشتهي السفن، فلا تؤنب نفسك ولا يصيبنك الإحباط والإكتئاب. ويكفيك أنك قمت بواجبك على أكمل وجه حتى ترضى عن نفسك وعن الدنيا بأكملها.
ثالثا: تخل عن سلبياتك
ليس فينا إنسان كامل الصفات، فالكمال لله وحده،وصفاتنا السلبيه لا تؤثر فقط على محيطنا الشخصي، بل وعلى مجال العمل.ومن بين وسائل علاج بعض هذه الصفات السلبية:
_ أن تتعلم التفويض لمساعدين:فالتفويض في العمل من أهم المهارات التي يجب أن يتعلمها كل مدير.فمحاولتك القيام بكل شيء بنفسك لاتعني سوى نتيجة واحدة:أنك لن تتمكن من إنجاز أية مهمة على الوجه الأكمل. فعادة ما تكون المهام أكثر من الوقت المتوافر. وإذا لم يشاركك أحد في إنجازها، ستجد نفسك تدور في حلقة مفرغة من عدم الانجاز والإحباط والاكتئاب.
أما إذا تعلمت أن تفوض شخصا يقوم ببعض أعمالك فستجد نتيجة أفضل بكثير.
_ ارفض بعض الأعمال دون إحساس بالذنب: قد يظن بعضنا أن كلمة"لا" ستغضب الآخرين منا. فإذا وصلت هذه القناعة إلى مجال العمل وجب أن نتوقف عندها لنمنحها بعض التفكير الجدي.
_ لاتكن أنانيا: الشخص الأناني لايفكر سوى في ذاته وفي آدائه وفي أهمية وقته وفي ألا يستغله الآخرون. والأدهى من ذلك أنه لا يستمع للآخرين، ويعتبر العمل سلما لنجاحه على حساب الآخرين أو بتسلق أكتافهم.
على أن هناك فرقا كبيرا بين الأنانيه واحترام الذات. فالأولى صفة سلبية لها آثارها الوخيمة على صاحبها وعلى الآخرين. أما احترام الذات فينبع من الرغبة في المحافظة على الكبرياء والكرامة،وهو أمر مطلوب، ويؤدي إلى الحفاظ على مشاعر الآخرين واحترامهم،مما يؤتي نتائح إيجابيه للغاية.
_توقف عن الشكوى المستمرة: كثرة الشكوى لن تجدي شيئا في حل مشكلة قائمة. ويكون من الأوفق لو استثمر هذا الشخص وقته في محاولة جدية وعملية لحل مشكلته،كما أن الواقع لايمكن أن يكون سيئا إلى درجة الشكوى المستمرة منه.
إنما يكمن الخطأ بالتأكيد في نظرة هذا الشخص المتشائمة التي لا ترى سوى الجانب المظلم لأي موضوع، فيصاب بالتوتر العصبي المستمر، لا لشيء سوى أنه لايعيش الواقع بحلوه ومره، إنما بمره فقط!
ويتطلب الأمر منا إبراز نواحي الجمال في حياتنا مهما كانت صغيرة.
_لاتعد بما ليس في مقدورك: الحنث بالوعد نوع من أنواع الكذب. فأنت تعد بشيء تعلم مقدما أنك لست بقادر على تحقيقه.فإذا امتد ذلك إلى مجال العمل كان له عواقب وخيمة. والأجدر بنا أن نتريث قليلا قبل أن نندفع في الوعد بشيء ما. وأن نضع في أذهاننا ملحوظة هامة، هي أن من حولنا يصدقوننا ويثقون في أننا نقصد مانقول.
وتذكر أن عدم الوفاء بالوعد من أكثر ما يسيء لسمعتك في عملك، ويثير التذمر من حولك، وقد يهدم مجهوداتك الأخرى كلها. أما إذا وعدت بشيء بالفعل فعليك أن تعمل جاهدا على الوفاء به.

(هذا الموضوع نقل بتصرف من مجلة المعرفة العدد147).

Best Regards,