أصدرت منظمة الشفافية الدولية التي تتخذ من برلين مقرا لها ؛ تقريرها السنوي لعام2012 ،الذي يبين مستويات الفساد التي رصدتها المنظمة في دول العالم ، وعددها 176 دولة . والذي تضمن في إحدى فقراته ترتيب الدول على سلم الفساد وفقا لمؤشر شاركت في وضعه 13 مؤسسة دولية بما فيها المنتدى الاقتصادي العالمي والبنك الدولي وبنك التنسيق الأسيوي وغيرها من كبريات المؤسسات الدولية . حيث الحد الأعلى للمؤشر 100درجة للبلد الخالي من الفساد والحد الأدنى صفر للبلد الأشد فسادا . وكما في التقارير السابقة جاءت الدول العربية – بمعظمها – في المؤخرة بينما حافظت دول شمال غرب أوربا - وأولها الدانمرك وفنلندا - على المراتب الأولى من حيث النزاهة ومعها دولتان من الشرق نيوزيلندا وسنغافورة .
وفي بيانها الذي ألقته بمناسبة صدور التقرير قالت ( هوغيت لابيل) رئيس مجلس إدارة منظمة الشفافية الدولية : لابد للحكومات من أن تضع مكافحة الفساد في أولويات عملها وعليها بالخصوص التزام الشفافية في موضوعي الإنفاق الحكومي وتنظيم العقود العامة . كما عليها توسيع صلاحيات لجان المساءلة إزاء مواضيع مثل استغلال السلطة ونهب المال العام. وأضافت نتمنى أن تأخذ الحكومات موقفا أكثر حزماً حيال مواجهة الفساد . أما الأمين العام للأمم المتحدة فقد طالب مواطني الدول بأن يرفعوا أصواتهم وأن يتصدوا بحزم للفساد والمفسدين.وأضاف ليس الفساد قدراً محتوما فهو نابع من الجشع لدى القلة غير الديمقراطية، وعلينا إماطة اللثام عن أوجهه ونبذها.واللافت للنظر إن أكثر من ثلثي الدول التي تم تصنيفها لم يتحسن مؤشرها عن السنوات السابقة بل إن الكثير منها ازداد سوءا . حيث وقعت بغالبيتها تحت خط المنتصف . أما الدول العربية، فثلاث منها تجاوزت المنتصف وهي دولتا الإمارات العربية و قطر اللتان حصلتا على 66 نقطة لكل منها وجاءتا بالمركز 27 مكرر والبحرين التي حصلت على 51 نقطة وجاءت بالمركز 53 عالميا . أما الصومال فقد جاءت بالمركز الأخير عالميا ب ثمان نقاط فقط والسودان بالمركز 173 و13 نقطة وقبلها حسب الترتيب ومن الأسفل إلى الأعلى العراق – ليبيا- اليمن ، سوريا التي جاءت بالمركز 144 على المؤشر وب26 نقطة ثم جزر القمر – لبنان- مصر- الجزائر – جيبوتي- المغرب – تونس _ السعودية التي حصلت على 44 نقطة ثم الكويت فسلطنة عمان التي تراجعت من المرتبة الثالثة في الترتيب العربي إلى المرتبة الخامسة ثم الأردن في المرتبة الرابعة عربيا و 58 عالميا رغم ضعف إمكاناتها المادية ما يستدعي أن ترفع لها القبعة. وبهذا تقف الدول العربية متقاربة على درجات سلم الفساد، باستثناء الدول الثلاث السالف ذكرها، لكونها أكثر ثراء وأقل سكاناً ؛ ما مكنها من زيادة إنفاقها على خدمات المجتمع وعلى البنى التحتية وتحسين مستوى معيشة العاملين لديها- بخاصة منهم مواطنو الدولة - إضافة إلى تحفيزها للاستثمارات الأجنبية ولرجال الأعمال من مواطنيها .ما انعكس إيجابا على قطاعاتها كافة -الحكومية منها والخاصة- وبالتالي زاد من دخل المواطن وقلل فرص الفساد . ولا شك أن النزاعات المسلحة الحاصلة في بعض الدول العربية كالصومال والسودان والعراق وليبيا واليمن وسوريا شكلت عوامل إضافية في جعل هذه الدول تقع في أسفل سلم النزاهة بالرغم من الإمكانات المادية المتوفرة لدى بعضها. إن تقرير المنظمة العالمية للشفافية الذي يعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدول تجعلنا ننظر باهتمام إلى عديد من القضايا التي عالجتها مجموعة من الدراسات في دول مختلفة منها: - ضرورة وجود مؤسسات قانونية مستقلة ونزيهة ، وقواعد قانونية واضحة .- اعتماد أساليب عمل أكثر شفافية في كافة الجهات الحكومية والخاصة التي لها علاقة بالشأن العالم . - اعتماد آليات واضحة لمكافحة الفساد على رأسها: + تشكيل لجان مكافحة الفساد من أشخاص معروفين بنزاهتهم ويمثلون شرائح المجتمع كافة+ التوسع في خدمات الحكومة الالكترونية +نشر ثقافة مكافحة الفساد بين أفراد المجتمع +تفعيل دور وسائل الإعلام بحيث تأخذ على عاتقها المساهمة في كشف مواضع الفساد والدلالة عليها- تحسين أوضاع العاملين في الدولة- توفر النية الصادقة لمكافحة هذه الآفة عند أصحاب القرار - إيجاد آليات أكثر وضوحا للتعامل مع الشركات الكبرى المهتمة بتعميم ثقافة الفساد سواء على المستوى المحلي أو الدولي حيث تشير الأدلة إلى أن أكثر من 300شركة متعددة الجنسية على مستوى العالم متورطة في عمليات فساد وإفساد كبيرين. ولهذا يقولون : إن الفساد ظاهرة عالمية زادتها العولمة واتساع أعمال الشركات متعددة الجنسيات حدة. وإن العمل للحد من هذه الظاهرة يتطلب تضافر جهود المجتمعات كافة .