يقـول الله تعـالى فـي كتابـه:" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" (الأحزاب21 )، فكل مؤمـن بالله متبع لرسوله صلى الله عليه وسلم أمامه طريق واحد وقدوة واحدة.
ولأن مواطن القدوة في سيد البشرية كثيرة فإذا أراد العابد أو الزاهد أو المجاهد أن يقتدي، فأعظم قدوة له هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . وإن كان كل ما في رسول الله حسن يستوجب التأمل والتأسي فإن الكلمات التي تكلمت بها السيدة خديجة رضي الله عنها تحتاج منا إلى وقفه. لقد قالت له السيدة خديجة، وهي في معرض التسرية عنه - تخفيفا لألام التكذيب به والمعاندة لدعوته- قالت له (إنك لتصل الرحم, وتقري الضيف, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتعين على نوائب الدهر, والله لن يخزيك الله أبداً).
ولقد تناولنا في إصدار سابق الصفة الأولى وهي صلة الرحم، كيف نطبقها عملياً في إصدار خاص بها وهو صلة الأرحام، ونتناول في هذا الإصدار الصفة الثانية وهي تكسب المعدوم. وإكساب المعدوم هو تحويل الأيدي العاطلة إلى أيدي منتجة من خلال وسائل عديدة علمنا إياها الرسول الكريم إما بقوله أو بفعله ولقد اقتدى بهدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم السابقون فأوجدوا مجتمعا غنيا عاملا لا مجتمعا فقيرا تأكل الحاجة عزته وكرامته حتى رأينا من ألجأته الحاجة إلى بيع دينه وشرفه.
إن مشكلة المشاكل التي أوجدها النظام غير الإسلامي الذي نعيشه هي البطالة ومهما حاولوا من خطوات لعلاج هذه المشكلة نجدها تبوء بالفشل لأن الله ( لا يصلح عمل المفسدين ) ولأن ( من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) لذلك على كل مسلم غيور على بلده ودينه أن يجتهد قدر استطاعته على إيجاد حل لهذه المشكلة ويكون رائده قول الله تعالى ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ..... ) وقوله ( قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ).
إن كثيرا منا يتفقد مواطن القدرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الطاعة والعبادة، وكذا في مواطن الجهاد والسير، وما أحوجنا أن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم حينما وصفته السيدة خديجة قائلة ( إنك اتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر، والله لن يخزيك أبداً) فعلينا أن نكسب المعدوم ولنتعرف على مواطن القدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم في إكسابه المعدوم.

تكسب المعدوم

لقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الكامل لتشغيل البطالة وإيجاد فرصة عمل لمن يريد في مواضع عدة نسوق على سبيل المثال هذه الحادثة في الحديث التالي:
روى أصحاب السنن من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه-: " أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبيصلى الله عليه وسلم: أما في بيتك شيء ؟ قال: بلى: حِلْسُ نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه الماء، قال: ائتني بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من يشتري هذين ؟ قال رجل: أنا آخذهم بدرهم، قال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً وانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فائتني به... فشد فيه رسول الله عوداً بيده ثم قال: اذهب فاحتطب وبعْ.. ولا أرينًّك خمسة عشرة يوماً. فذهب الرجل يحتطب ويبيعن فجاءه وقد أصاب دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما.." (رواه أبو داود, ح/1398).
في هذا الحديث نجد ما يلي:
أولا: حوَّل الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل من سائل إلى منتج.
ثانيا: أوجد رأس مال المشروع من السائل نفسه ( باع شيئا من ممتلكات بيته ) حتى يحافظ الرجل على رأس مال المشروع.
ثالثا: هناك مساعدة خفية للرجل حيث بيع الحلس والقعب بأكثر من سعره المعتاد ( لذلك تردد الصحابة أن يشتروه بدرهمين).
رابعا: راعى الرسول صلى الله عليه وسلم الاحتياجات العاجلة للرجل وهي الطعام والشراب " اشتر بأحدهما طعاما وانبذه إلى أهلك ).
خامسا: عاونه في إنشاء المشروع ليشعره بالاهتمام بالأمر ( فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ).
سادسا: اختار صلى الله عليه وسلم مشروعا مناسبا لإمكانيات الرجل البدنية والعقلية (اذهب فاحتطب وبع ).
سابعا: أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الفترة الزمنية الكافية لتقييم المشروع ولا أرينَّك خمسة عشرة يوماً.
ثامنا: المتابعة للمشروع (فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما.. ).
وهكذا نتعلم من حادثة واحدة كيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع البطالة وأوجد لها فرصة عمل تكفيه ذل السؤال. وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة نحو العمل والسعي على الرزق وجعله بابا منن أبواب الطاعات وسببا من أسباب المغفرة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " من بات كالاً من عمل يده أمسى مغفورا له" وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " هناك ذنوب لا تكفرها صلاة ولا زكاة ولا حج، قيل وما يكفرها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: السعي على الرزق"وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل حلال ممدوح في الإسلام وقد امتهن الأنبياء مهن وحرف عديدة فمنهم من مارس التجارة مثل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من مارس الحدادة مثل نبي الله داوود عليه السلام ومنهم من قام برعي الغنم كنبي الله موسى عليه السلام ومنهم من كان بنَّاء مثل نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقد سار على هديهم ورثة الأنبياء من العلماء الربانيين فاشتهرت أسماء أمثال البزَّار والخوًّاص والقطَّان والزجَّاج وغيرهم.
وقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم صناعات وحرف عديدة: ففي البخاري يقول رسول الله: " ما أكل أحدٌ طعاماً قَطُّ خيراً من عمل يده " (رواه البخاري، ح/1930). وقد سئل رسول الله:" أي الكسب أفضل؟ قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" (رواه أحمد، ح/16628) ومدح الزراعة قائلا " ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة) ( رواه البخاري) وفي صحيح البخاري ومسلم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلمالبطالة قنبلة موقوتة .. يبطل مفعولها الإسلام لأنْ يحطب أحدكم على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه)(رواه البخاري، ح/1932 ).
وقد كان منادي عمر بن الخطاب ينادي كل يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغنى كلا من هؤلاء "
وفي تاريخ الخلفاء يذكر السيوطي:" قال عمر بن أسيد: والله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله، وقد أغنى عمر الناس"

البطالة قنبلة موقوتة

إن الله عز وجل اعتبر الإنسان نعمة وثروة وقال تعالى " َقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً. َيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً" (سورة نوح) " ولذلك فعد استغلال هذه الثروة تعتبر خسارة عظيمة، وكم من دول نظرت إلى شعبها على أنه ثروة واستفادوا منها فتقدمت واغتنت، وأقر بمثال على ذلك الصين ومن قبلها اليابان. فعدم الاستفادة من الثروة البشرية ليست خسارة بإهدار الطاقة فحسب ولكن البطالة تدفع الشباب إلى الفساد والانحراف.
يقول الشاعر: " إن الغنى والفراغ والجدا....مفسدة للشباب أي مفسدا "، فهذه الطاقة التي تعطلت لا بد وأن تجد لها منفذاً، فإن لم يوجد في الخير فالشر أحرى أن يفترس هذه الطاقة. فهؤلاء الشباب الذين يعانون من فرغ شديد ويدفعون دفعا إلى انحراف بعيد يقعون فريسة لوساوس الكفر بعد أن طمست بصيرتهم من شدة الفقر فالكفر والفقر صنوان استعاذ منهما الرسول العدنان صلى الله عليه وسلم قائلا " اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر".
إن البطالة تجعل الشباب أسيراً لروح اليأس فهي تقتل الأمل في نفس الشباب، فقد وجدوا من سبقهم قد كابدوا الليالي سهراً وتعبا وحصلوا على شهادات علية وبعدها وجدوهم بجيوب خاوية قد اجتمعوا في جماعات على المقاهي ونواصي الطرقات، وكثير من هؤلاء قد يدفع في لحظة يأس إلى الحرام فيقع في هوة سحيقة من تعاطي المخدرات وبعدها أصناف المحرمات وثالثة الأسافي ارتكاب الجرائم المروعة والتي وصلت إلى قتل الآباء والأمهات.
وإذا سالت نفسك ما هذا العري الفاضح وهؤلاء البنات الذين هم من أصول طيبة وعائلات قد انحرفوا إلى عرض أجسادهم على كل راحٍ وآت، فلا تحير نفسك في الجواب فالفقر بسبب البطالة هو السبب ولا عجب. ماذا تقول لفتاة تجد المرض يفتك بأبيها وأخوتها الصغار يتضورون جوعا وإخوانها من الشباب لا يجدون عملا وحبائل الشيطان تنسج من حولها لتبيع شرفها، ودافع الثمن من أبناء المليارديرات موجود وأموال البنوك تمد لهؤلاء بكل جود بينما الفقير على فقره محسود.
ثم ماذا تقول لشاب بعد كثرة علم وتعلم يجد نفسه ساعياً أو خادماً بجنيهات قليلة في ساعات عمل عديدة لأنه لا يجد غير ذلك، وليت الأمر عند ذلك بل يسام الإهانات ألواناً وأشكالاً ويشر معاني الذل والهوان.
إن البطالة سبب لكثير من مظاهر المرض الذي يعصف ببلدنا ولذلك فقد نبه الرسول إلى أهمية استفراغ جهد الإنسان في عمل مفيد فقال ( النفس إذا أحرزت قوتها استقرت ) فكل نفس لها مواهب ومواطن قوة سواء حرفية أو مهنية أو إدارية أو بحثية، فإذا وضعت هذه النفس في غير موطن قوتها وتميزها أو لم تفرغ قوتها من أساسه فيكون عدم الاستقرار وكثرة المشاكل. وقد نبه سيدنا عمر بن الخطاب أحد ولاته على هذا المعنى ناصحا له بتوفير فرص عمل لرعيته قائلا ( إن لم تشغلهم بطلب الحلال شغلوك بطلب المعصية ).

الإسلام يعالج مشكلة البطالة ويمنع ظهورها

وقد عالج النظام الإسلامي مشكلة البطالة وقطع دابرها بعدة إجراءات ووسائل منها:
1)أوجد الدافع الذاتي لدى الإنسان للعمل وجعل السعي على الرزق عبادة تكفر بها الذنوب
2) نهى عن السؤال والعيش عالة على الغير وقال صلى الله عليه وسلم " لا تصح المسالة لغنى أو لذي مرة " وقال عمر بن الخطاب لعابد في المسجد ينفق عليه أخوه " أخوك اعبد منك "
3) ربط الرزق بالسعي عليه قال تعالى" فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه " وقال صلى الله عليه وسلم " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتعود بطانا "، وجعل الله تعالى الرزق بيده حتى لا ييأس أحد في طلبه.
4) جعل من مسئولية الحاكم والمسئول أن يوفر فرص عمل لرعيته, يقول صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته " وقال عمر بن الخطاب لأحد ولاته " إن الله استعملنا على الناس لنوفر حرفتهم ونستر عورتهم ".
5) أوجد الإسلام نظاما ماليا يمنع تكدس الثروة في أيدي قلة من الناس حتى لا تمنع نمو مشاريع صغيرة وظهور كفاءات جديدة ومن أمثلة هذه التشريعات:
• تشريع الميراث ليوزع الثروة
• تحريم الاحتكار والربا
• تحريم الأعمال التي تدر دخلا دون عمل مثل القمار
كما ضمن الإسلام تمويلا ذاتيا للفقراء لإيجاد فرص عمل لهم من خلال تشريع الزكاة والصدقات والوقف وغيرها، وأوجد مواسم رواج للتسويق والتسوق مثل موسم الأعياد والحج وغيرها.
وحتى يأتي اليوم الذي يطبق فيه النظام الإسلامي كاملا غير منقوص فتسعد البشرية، لا بد لنا من أدوار عملية لمكافحة البطالة نقتدي فيها بخير البرية الرسول صلى الله عليه وسلم وسوف نطرح جانبا من هذه الصور العملية.

أكسب المعدوم بصدقة السر

يقول المعصوم صلى الله عليه وسلم " صدقة السر تطفئ غضب الرب " وصاحب صدقة السر يفوز بظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله ويقول صلى الله عليه وسلم " سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.... ورجل تصدق بصدقة أخفاها فلا تعلم يمينه ما أنفقت شماله " وصدقة السر قد لا يعلمها إلا منفقها وآخذها ولكن هناك صدقة سر أكثر خفاء وهي التي لا يعلمها إلا من أنفقها يحتسب فيها علم الله بها.
وقد قيل أن صدقة السر أحيانا في البيع والشراء وفي عصرنا قد يكون أيضا في استعمال عامل لا لشيء إلا لإعطائه مالا مقابل عمل تسد به حاجته وتحفظ له كرامته ولذلك يمكنك أن تنوى صدقة السر وإنما الأعمال بالنيات. وفي هذه الصدقة تكسب معدوما فتنال ثوابا كثيرا من عمل واحد وأمثلة ذلك...
1) كلف واحدا بعمل ما قد تستطيع أن تؤديه أنت ولكن تقصد بهذا إعطائه أجرا يكفيه مذلة السؤال ومن أمثلة ذلك
• عامل أو عاملة نظافة لمنزلك أو محل عملك
• سائق خاص
• وظيفة جديدة: مثلا إن كنت طبيبا ورزقك الله في عيادتك، فَلِمَ لا تجعل اثنين في الاستقبال بدلا من واحد وكلٌ يأتيَ برزقه.
• عامل حراسة إضافي.
• محاسب إضافي.
والأمثلة كثيرة لمن أراد أن يفتح باب رزق لمحتاج وسوف يرزقك الله برزقه ويجعلك سببا في سعادته رغم أن الرزاق هو الله.
2) تعمد أن تشتري من صاحب مشروع جديد أو من تاجر بسيط واجتهد أن تترك له ما تبقى إن أمكن إن كان ذلك مناسبا للبائع، وقد يقف بائع متجول يبيع للسيارات مستلزماتها أو بائعة تقف بشيء من التجارة " مثل الخضروات " وهي تسعى على أيتام من ورائها فاجتهد أن تشتري من هؤلاء تقصد إكرامهم وفتح باب ربح لهم، ولا تجعل للشيطان سبيلا إلى نفسك أن بعضهم قد يغالي في ثمن بضاعته فقد تكون هذه المغالاة بضع قروش تمثل دخلا له ولا تمثل شيئا لك.
3) ولابد أن تشجع المنتج الوطني حتى لو كان أقل جودة وأغلى سعرا، فمع الوقت سيكون أعلى جودة وأقل سعرا، لأنك بتشجيع منتج بلدك أو بلاد المسلمين معناها مصانع مفتوحة وأيدي تعمل بها تكسب من حلال. يقول صلى الله عليه وسلم ( لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ) فعليك أن تضع قرشك في يد مسلم تكون قوته قوة لك ولا تضع قرشك في يد من قوته حربةً موجهة إلى صدرك.

اجعل علمك في خدمة دينك ولإرضاء ربك

يقول صلى الله عليه وسلم " إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له " وهنا ذكرت كلمة علم نكره لتفيد الشمول، فكل علم نافع للبشر يسعدهم في دنياهم هو في ميزان حسنات من علم هذا العلم ولذا قد يكون هذا العلم، تعليم حرفة، أو إكساب مهارة، أو توريث خبرة.
وللأسف من موانع نشر العلم بأنواعه وخاصة العلم الذي يكون سببا في الرزق، أن يخاف المعلم أن يكتسب المتعلم الحرفة فيزاحمه في رزقه وهذا مخالف لعقيدة المسلم الذي يعتقد أن كل نفس لها رزقها وأجلها ولا يأخذ أحد رزق أحد، يقول صلى الله عليه وسلم:" لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب "، ويقول الله تعالى " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" ( البقرة268)، فقد يخوفك الشيطان فوات رزقك لأن غيرك قد يتعلم منك ويكون " منافسا لك " ولكن الله يعدك بركة وفتحا في الرزق إن كنت سببا في إسعاد غيرك، يقول صلى الله عليه وسلم " الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " ولذلك عليك يا من اطمأن قلبك بالإيمان أن تقوم بما يلي:
إن كنت صاحب حرفة فاجتهد أن تكون قبلة لمن يربد التعلم وقد يكون ذلك على شكل تدريب عملي معك أو دورة تدريبية تشارك فيها من خلال جمعية خيرية أو مركز شباب أو خلافه ويمكنك أن تكون ساعيا في الخير لأن "خير الناس أنفعهم للناس" فتكون وسيطا بين صاحب الحرفة ومن يريد تعلمها ويشمل هذا عدة مجالات:
¨ دورات تدريبية تنظمها جهات رسمية مثل التدريب المهني
¨ دورات صناعات غذائية تنظمها كليات الزراعة ومعاهد الكفاية ومراكز متخصصة
¨ دورات صناعات منزلية مثل الحياكة وأنوال السجاد
¨ دورات حرفية تخصصية مثل صيانة المحمول – صيانة الكمبيوتر – صيانة ال##### الفضائية ومستلزماتها.
¨ دورات تعليمية تكسب صاحبها علما تخصصيا مثل دورات جليس المسن تهيئ صاحبها لمجالسة وخدمة المسن ـ دورات مربى الأطفال ـ دورات تدريبية في مجال التسويق والعلاقات العامة والإدارة. والمجالات في هذا الباب كثيرة وتحتاج إلى:
• معلم يريد أن يمد الله في أثره بتعليم علم ينتفع به.
• متطوع ينظم الجهود وينسق الرغبات ليكون خيرا لناس " خير الناس أنفعهم للناس "
• تمويل من أهل الخير لمصاريف أساسية يستلزمها كل نشاط على حدة.
• وقد يقوم بالأدوار كلها من شرح الله صدره من أصحاب الأعمال وخاصة الصناعية منها بفتح قسم للتدريب يدرب فيه عمالا لتكون لهم حرفة يمتدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ( إن الله يحب المؤمن المحترف ) وتكون سببا لرزق الله لهم.

اجعل تجارتك رابحة في الدنيا والآخرة
وساهم بها في إيجاد فرصة عمل

لقد جاء الإسلام وأرسى أسسا أخلاقية لكل شيء فالسياسة محكومة بالأخلاق وكذلك التجارة فأساس رواجها وتنزيل رحمة الله بها هي مجموعة من الأخلاق الحميدة يتخلق بها صاحب التجارة يقول صلى الله عليه وسلم " رحم الله امرئ سمحا إذا باع وسمحا إذا اشترى وسمحا إذا اقتضى"
وقال صلى الله عليه وسلم " أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" فليس أي بيع ولكنه البيع الذي فيه بر وهذا البر يشمل الرحمة والشفقة والصدق والصدقة وقد أورد د.يوسف القرضاوى في كتابه القيم " الإيمان والحياة " قصة الزائر الغربي الذي جاء إلى مصر وقد اندهش من مواقف عديدة منها أن صاحب المتجر إذا جاءه مشتري في صباح يوم ما ثم جاءه الثاني فإنه يقول له اذهب إلى جاري فلان فاشتري منه حتى يأخذ " الاصطباحة" أي حتى يرزق رزق الصباح: هذا حدث في الأربعينات من القرن الفائت ولكن في هذه الأيام يحدث ما يحدث من تنافس غير شريف وسعار في تحصيل المال والإضرار بالغير.
ولذلك علينا أن نعود بأخلاق التجارة إلى ما أراده الرسول صلى الله عليه وسلم من تجارة رابحة في الدنيا والآخرة يقول صلى الله عليه وسلم " التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء " فإذا كنت من أصحاب تجارة كبيرة... فهل يمكنك أن تجعل تجارتك بابا من أبواب فنح فرص عمل لكثير من العاملين أو تحسين دخل لغير القادرين.
إن الأمر بسيط ألا وهو أن تجعل جزءا من صدقاتك أو زكاة مالك عبارة عن جزء من تجارتك تعطيها كمشروع صغير لمبتدئ في هذا المجال وتراعي ما يلي:
1) أن تعطيه من الأصناف التي عليها إقبال وبيع وشراء وليس من الأصناف الراكدة
2) أن تمنحه بعض النصائح من واقع خبرتك في مجال عملك.
3) أن تعطيه السلعة بسعر مناسب حتى يحقق البائع الجديد هامش ربح مناسب له.
4) أن تنظر المعسر وتمهل المتأخر. يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أن رجلا فيمن قبلكم وقف للحساب وحاسبته الملائكة فوجبت له النار فقال تعالى للملائكة انظروا لعبدي حسنة وهو أعلم، فسألت الملائكة الرجل: أما من حسنة كنت تعملها ؟ قال الرجل نعم كانت لي تجارة وكان لي غلمان فكنت أبعثهم لتحصيل المال وأقول لهم إذا وجدتم معسرا فتجاوزوا عنه. فقال الله تعالى " أنا أحق بالتجاوز عنه " وأمر ملائكته بالتجاوز عنه وإدخاله الجنة).
5) أن تتابعهم وتسأل عنهم وتعينهم وتنصحهم فهذا مشروعك مع الله في التجارة الرابحة.
ويشمل هذا المجال من كان له تجارة بقالة وخاصة الجملة وتجارة الملابس وغيرها ومن له تجارة مستلزمات البناء وغيرها وهذا المجال مفتوح لكل راغب في الخير ليساهم في علاج مشكلة البطالة متأسيا بسيد البرية محمد.

نعم المال الصالح للرجل الصالح

لقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم المال حينما يكون في أيدي صالحة تكتسبه من حلِّه وتنفقه في محلِّه. وقد فرض الله تعالى في المال زكاة هي زكاة النقدين وعروض التجارة وغيرها كما أن في المال حق سوى الزكاة مثل الصدقات والوقف وغيرها.
والمشروعات الصغيرة أو المتناهية في الصغر تحتاج إلى تمويل مالي من الزكاة والتبرعات والصدقات والهبات والقرض الحسن. لذلك عليك أخي المسلم أن تجعل لهذا المجال" مجال المشروعات الصغيرة للفقراء " جزءا من نفقتك في الخير ويكون هذا الجزء من أبواب الخير الكثيرة التي تنوى بها التقرب إلى الله ومنها:
1) إخراج زكاة المال يقول الله تعالى في وصف المؤمنين ( الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ومما رزقناهم ينفقون )
2) ثواب القرض الحسن: يقول صلى الله عليه وسلم " رأيت مكتوبا على ساق العرش الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر "
3) ثواب الصدقة: وقال تعالى " مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (البقرة261 ) مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ). يقول صلى الله عليه وسلم " ما نقص مال من صدقة " وقال صلى الله عليه وسلم ( داووا مرضاكم بالصدقة ) .
وأحيانا للحفاظ على المال ولضمان الجدية لمن يقام له المشروع الصغير، قد يعطي صاحب المشروع المال على صور عديدة تضمن الجدية ومنها:
- إعطاؤه المال كقرض حسن يرد بعد زمن محدد.
- نظام المشاركة المنتهية بالتمليك.
- البيع بالأجل البعيد مع وجود فترة سماح كافية.
- نظام التأجير الشرائي.
وغيرها من النظم التي يعلمها المحاسبون المتخصصون،وإليك بعض الأمثلة للمشروعات الصغيرة والتي تختلف من مكان إلى آخر...
1) مبرد عميق ( ديب فريزر ) لبيع المجمدات.
2) تجارة محدودة ( خضروات – فواكه – أحذية – ملابس ).
3) دراجة بخارية ( تستخدم كوسيلة مواصلات مؤجرة في بعض الأماكن ).
4) ماكينة خياطة أو تطريز.
5) نول منزلي لصناعة السجاد.

الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يمتدح الأسرة المنتجة

لأن الإسلام دين حياة وفي مقومات الحياة السعيدة المال الصالح لذلك مدح الرسول صلى الله عليه وسلم الأسرة التي تستفيد من جهدها البشري في الإنتاج وتحسين الدخل.
يقول صلى الله عليه وسلم ( نعم المغزل للمرأة في بيتها ) أي أفضل مغزل هو الذي يكون للمرأة في بيتها فتنتج به ما يبيعه الزوج ليعود بالنفع على البيت. وحينما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو الفقر فقال له صلى الله عليه وسلم تزوج فلما تزوج ازداد فقرا فجاء للرسول صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية تزوج وتكرر الأمر أربعة مرات حتى جاء الرجل بعد الزوجة الرابعة وقد أغناه الله.. فماذا حدث؟ لقد كانت المرأة الرابعة تجيد الغزل فعلمت ضرائرها صناعة الغزل وكان الزوج يتاجر بمنتجاتهن ففتح الله عليه وعليهن.
وقد كانت زوجة بن مسعود امرأة صناع تجيد الغزل وتنفق على زوجها وأيتام في حجرها وسألت صلى الله عليه وسلم فلم يعب عليها انشغالها بالعمل داخل البيت بل مدح لها فعلها.
وقد قامت في عصرنا الحديث نهضات صناعية كثيرة اعتمدت في بدايتها وحتى الآن على الأسر المنتجة. مثال ذلك الصين الشعبية في عصرنا الحالي.
ولذلك علينا أن نحول البيت إلى خلية نحل تنج وتعمل أو على الأقل تقتصد ولا تستهلك.والأسر المنتجة ليست علاج للبطالة فحسب بل هي علاج لمحدودي الدخل وتربية للنشء على احترام قيمة العمل.
وتشجيع الأسر المنتجة بشراء منتجاتها أو التسويق لها نوع من أنواع القربات إلى الله تعالى بنوايا عديدة تشمل إعانة العبد، وصدقة السر، والسير في حاجة المسلم، وتفريج الكرب، وإكساب المعدوم
وهناك أمثلة عديدة لمشاريع الأسر المنتجة ومنها حياكة ملابس الأطفال، وملابس النساء، حياكة أغطية المفارش،صناعة المخللات والمربات، صناعة بعض الحلوى، صناعة أغذية نصف مطهية، تطريز لوحات ومفروشات .... وغيرها.

وصايا عملية

1) اجتهد أن تعلم أبنائك حرفة ما حتى لو لم يعملوا بها.
2) اكتشف فيمن حولك قدراتهم وميولهم واصقلها بالتدريب العلمي حتى تكون له فرصة في سوق العمل.
3) حاول أن تنتج جزءا كبيرا من مستلزمات بيتك حتى لو لم تتاجر بها "صناعة المربات – المخللات ".
4) تذكر في البيع والشراء السماحة وصدقة السر.
5) إذا فتح بجوارك مشروع صغير فبادر بتشجيعه والشراء منه.
6) اجتهد أن تشتري منتجك الوطني.
7) افتح باب رزق لمحتاج سيفتح الله عليك أبواب رزق كثيرة.
8) اجعل جزءا من نفقتك في سبيل الله في تشغيل البطالة.
9) كن وسيطا بين صاحب عمل ومحتاج إلى عمل.
10) اعلم أن البطالة تضرك في دنياك وأخراك وعلاجها صلاح في الدنيا وثواب في الآخرة.



د. أمير محمد بسام النجار
مدرس يجامعة الأزهر الشريف