الطاقة البشرية هي الثروة الحقيقية لأي مجتمع، فالقدرات التنموية لأي بلد مرتبطة بما تمتلكه من طاقات بشرية مؤهلة، ومدربة ، وقادرة على التكيف، والتعامل مع أي جديد بكفاءة عالية، ووفقا لذلك وضع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP)
مقياسا جديدا للتنمية البشرية من خلال فريق عمل من الخبراء والمختصين، انشأ لهذا الغرض، واصدرا تقريرا بهذا الخصوص في عام 1990، والذي يعد مقياسا كميا لأوضاع التنمية البشرية، حيث يرتب الدول على أساس ما حققته من نجاح في تلبية الحاجات الإنسانية، وتحسين مستوى معيشتهم، ويتضمن المقياس معايير اجتماعية منها : التخصيص الأمثل للموارد الاقتصادية، الاختيارات الاقتصادية، الحرية، والأوضاع الصحية والتعليمية .
ترجمت منظمة العمل الدولية ( ILO ) مفهوم تلبية الحاجات الأساسية إلى برنامج عمل ناجح في الكثير من الدول النامية ، بحيث غطى جوانب مهمة من عملية التنمية الاقتصادية بوجهها البشري ، شملت الرعاية الصحية ، التعليم الأساسي ، ودعم المشاريع الصغيرة ، ومشاريع البنى التحتية ، كما وأعلن البنك الدولي ( WBG ) في تقريره عن التنمية البشرية لعام 1991 : " بان التحدي أمام التنمية هو تحسين نوعية الحياة ، خاصة في عالم الدول الفقيرة ، وان أفضل نوعية للحياة هي التي تتطلب دخولا عالية ، ولكنها في نفس الوقت تتضمن أكثر من ذلك ، تتضمن تعليما جيدا ، ومستويات عالية من التغذية ، والصحة العامة ، وفقرا اقل ، وبيئة نظيفة ، وعدالة في الفرص ، وحرية اكبر للأفراد ، وحياة ثقافية غنية " .
تجارب تنموية
تعد تجربة دول جنوب شرق آسيا ، إحدى أهم تجارب الشعوب في مجال تنمية الموارد البشرية ، فقد قطعت هذه الدول على نفسها التزامات هامة تجاه تجميع رأس المال البشري ، وتحويله إلى طاقة وميزة تنافسية عالية ، تم توجيهها إلى استثمارات عالية الإنتاجية، كان مبعثها إيمانها بان سر نهضتها ونموها يكمن في عقول مواطنيها وسواعدهم ، وقد كان من ثمار ذلك أن حققت اقتصاديات هذه الدول معدلات متسارعة من النمو فاقت بها أكثر بلدان العالم تقدما، حتى أطلق عليها تسمية (النمور الآسيوية)، وأصبحت مثلا يحتذى به لكل من أراد أن يلحق بركب التقدم ، وحتى عندما تعرضت اقتصاديات تلك الدول لازمة مالية كبيرة خلال السنوات الأخيرة ، استطاعت أن تسترد عافيتها بسرعة فاقت التوقعات، وهو ما ارجع الخبراء أسبابه إلى الثروة البشرية التي تمتلكها تلك الدول ، وما تتمتع به من جودة وكفاءة عالية ، والتنمية البشرية في تجربة النمور الآسيوية لا تنتهي عند تكوين القدرات البشرية مثل : تحسين الصحة وتطوير المعرفة والمهارات ، بل تمتد إلى ابعد من ذلك حيث الانتفاع بها سواء في مجال العمل من خلال توفر فرص الإبداع ، أو التمتع بوقت الفراغ ، أو الاستمتاع باحترام الذات ، وضمان حقوق الإنسان ، أو المساهمة الفاعلة في النشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية ، وبسبب كل ذلك أصبحت التنمية البشرية توجها إنسانيا للتنمية الشاملة المتكاملة ، وليست مجرد تنمية موارد بشرية .
مقياس التنمية البشرية
رغم الثراء اللامتناهي لمفهوم التنمية البشرية ، إلا إن محاولات وضع مقياس للتنمية البشرية قد اتسم بالضعف والقصور ، حيث أسفرت الدراسات والبحوث عن مقياس يجمع بين ثلاث مؤشرات لا تعبر عن المفهوم بكفاءة ، وتتمثل هذه المؤشرات في : توقع الحياة عند الميلاد ، ومعدل أمية البالغين ، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ، فكانت ابرز الانتقادات التي وجهت إلى هذا المقياس هي بساطته الشديدة التي يفتقد معها الوصول إلى فهم اشمل لمستويات الرفاهية الإنسانية ، وتغيراتها ، وذلك نظرا لإغفاله عدد من المؤشرات المعبرة عن الجوانب المختلفة للرفاهية الإنسانية ، هذا فضلا عن السلبيات التي تحيط بالمؤشرات الثلاثة ، فمثلا مؤشر توقع الحياة عند الميلاد - والذي يقصد به متوسط عمر الإنسان - قد لا يعبر بالضرورة عن مدى سلامة الصحة النفسية والبدنية للأفراد ، أما معدل أمية البالغين فانه لا يعكس مستوى التعليم ومدى مساهمته في إكساب الأفراد المعرفة وتنمية قدراتهم ، وفيما يتعلق بنصيب الفرد من الناتج فهو مؤشر مشكوك في دقته عند الأخذ في الحسبان معايير العدالة في توزيع الدخول .
يضع التقدم التكنولوجي في المعلومات والاتصالات وأساليب الإنتاج عبئا على كاهل اقتصاديات الدول النامية ، حيث جعل من رأس المال والتكنولوجيا ، وليس العمل وحده عوامل الإنتاج الرئيسة المحركة للاقتصاد المحلي والإقليمي والعالمي ، مما يخلق تحديات إضافية لتنمية الموارد البشرية واستخدامها ، وإلا ستكون النتيجة الحتمية تفاقم معدلات البطالة ، لان تخلف المهارات البشرية عن التعامل مع التكنولوجيا الحديثة يولد نوعا من البطالة يعرف بـ( البطالة الاحتكاكية أو الفنية ).
يمثل رأس المال البشري السبيل الأقدر على دعم الأمن الاقتصادي من خلال القيمة المضافة ، وترشيد استخدام المصادر الطبيعية والمحافظة على البيئة ، وحتى يكون رأس المال البشري قادرا على الوفاء بهذه المهام ، فلابد من تنمية بشرية تعتمد على تكامل ثلاثة عناصر هامة ، وهي : ( التعليم - الصحة - وحقوق الإنسان ) ، في إطار مؤسساتي ينظر إلى التنمية على إنها عملية اجتماعية يحتل الإنسان مركز الصدارة فيها ، ويشكل الجهل والبطالة والفقر اخطر أعدائها ، كما إن دور العلم والتعليم لا يمكن إنكاره في تشكيل عنصري الصحة وحقوق الإنسان ، من كل ذلك يتضح إن التعليم أعظم تحد لمستقبل الشعوب ، وان الأولويات الأمنية غير ذات جدوى إذا ما تمت بمعزل عن الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وتعتمد معدلات التنمية في أي بلد ثرواتها البشرية والطبيعية ، وإمكانية رأس المال البشري على توظيف تكنولوجيا العصر ورأس المال المادي ، وترشيد استغلال الثروات الطبيعية بطريقة تحافظ على البيئة ، ويزيد من خطورة وأهمية رأس المال البشري انه ليس فقط القادر على استخدام عناصر التنمية ، ولكنه أيضا المسؤول عن إدارة التنمية ، وعليه يظهر دور رأس المال البشري والفكري مركزيا في عملية التنمية الشاملة والمستدامة ، كما إن التنمية الثقافية والسياسية والاجتماعية لا تتم إلا من خلال وجود بعض المقومات الأخرى ، خاصة رأس المال الفكري القادر على توجيه حركة هذه الأبعاد التنموية ، وإيجاد الإطار والمناخ المناسبين للوصول بهذه الحركة إلى المستوى الذي يليق بالإنسان ويحقق للمجتمع أمنه واستقراره .
خصائص القدرات البشرية
تعتمد خصائص القدرات البشرية على ثلاثة عناصر هامة هي التعليم والصحة وحقوق الإنسان ، والتعليم والصحة يعتمدان على درجة النمو الاقتصادي ، وحقوق الإنسان تعتمد على درجة النمو السياسي والاجتماعي ، وكل ذلك يعتمد على شكل الإطار المؤسساتي للتنمية ، لأنه يشكل مناخ التنمية البشرية والتنمية الشاملة ، واهم عناصر هذا الإطار ، هي :-
* الديمقراطية والتعددية ولا مركزية الإدارة .
* مقاومة كل أشكال الفساد الإداري والسياسي .
* سيادة القانون وتخليص القانون من النصوص والإجراءات المنافية لحقوق الإنسان من ناحية والمعرقلة لجوانب التنمية بمفهومها الشامل من ناحية أخرى .
* الاستقلال الفكري للجامعات ووسائل الإعلام في إطار الانتماء الوطني، والعمل على إزالة معوقات نشر العدالة.
* حرية التعبير والتنظيم في إطار القانون ولمصلحة الوطن والمواطن .
* إنشاء نظام ضريبي عادل ، وترشيد منافذ الوعاء الضريبي .
*تقوية عناصر المجتمع المنتج ، كونه شريكا في عمليات التنمية ومستفيدا من تبعاتها . "
توفير البنية الأساسية المناسبة للتنمية البشرية والتنمية الشاملة .
* ترسيخ قيم جديدة في المجتمع تدعم التنمية ، ليس فقط كعملية اقتصادية ولكن أيضا كعملية اجتماعية تتمركز حول الإنسان وحياته وعلاقاته .
* الاهتمام بالتعليم بصفة عامة والأساسي بصفة خاصة ، كذلك الخدمات الصحية وكلاهما يمثل أساس القدرات البشرية ، ولا يجب أن يكون التعليم راقيا فقط ، ولكن يجب أن يكون مجانيا أيضا .
ترتكز تنمية الموارد البشرية على مجالي المبادرة والتغيير ، فالمبادرة هي مباشرة الفعل واخذ السبق في انجاز الأمور ومتابعة المهمات ، وهي وسيلة مؤثرة وفاعلة في تحقيق مستويات عالية من الفاعلية الشخصية، والمبادرة تنطلق من مشاعر الثقة بالنفس والايجابية ، وتحمل المسؤولية ، وهي مؤشر لمستوى عالي من النضج ، وإنها دليل على إن الإنسان يحرك حوافزه الداخلية ، فعندما نحلل حياتنا على المستوى الشخصي نجد إن المبادرة تلعب دورا كبيرا فيها ، وإتقان أعمالنا يحتاج إلى مبادرات ، ومتابعة أهدافنا تحتاج إلى المبادرات المناسبة ، في الوقت الملائم .
المؤشرات المساعدة للتنمية
ويمكن الركون إلى بعض المؤشرات المهمة المساعدة في تطوير روح المبادرة لدى الفرد ، وهي :-
* فكر في النتيجة الايجابية للمبادرة .
* فكر في النتيجة السلبية لعدم القيام بالمبادرة .
* تذكر بعض المواقف التي احتجمت فيها عن القيام بمبادرة .
* تذكر بعض مشاعرك وأحاسيسك الايجابية بعد القيام بالمبادرة .
* تذكرانطباعات الآخرين والأحكام التي يصدرونها عنك .
* حاول تقسيم المهمة الكبيرة إلى أجزاء صغيرة ثم ابدأ بمهاجمة هذه الأجزاء واحدا واحدا .
التغيير هو عملية إجرائية تستهدف في جزئها الأكبر تطوير القدرات البشرية ، وبذلك يرتكز التغيير في أساسه على إتباع جملة إرشادات من خلال مراحل التغيير ، وهي :-
* مهد للتغيير ولا تفاجئ العاملين معك بالتغيير .
* اشرح للقائمين على العملية التنموية وإدارتها أسباب التغيير .
* اظهر للعاملين معك بمظهر المتفائل لأفكار التغيير .
* ناقش المخاطر التي يمكن أن ترتبط بالتغيير .
* اشرح النتائج المتوقعة ، والمشاعر السلبية كجزء طبيعي لعمليات التغيير .
* حدد الأهداف القصيرة والبعيدة المدى للتغيير .
* أشرك الشخصيات المؤثرة في عملية التغيير .
اطلق طاقات العاملين ونبوغهم وحرك قدراتهم الإبداعية .
*توقع تقاطع الآراء وأدرها لصالح التغيير المستمر .
*اجعل الاتصالات يسيرة ومفتوحة وسهلة .
*تحلى بالصبر وخاصة مع المعارضة.
* شجع الولاء الحقيقي المبني على موضوعية دون قلق .
*تخلص من المركزية في اتخاذ القرارات بقدر الإمكان .
*فوض بقدر الإمكان .
* يجب صياغة ثقافة المؤسسة على أساس الثقة ومناخ الديمقراطية .
*لا تنس عمليات الضبط المستمرة أثناء تطبيق سياسات التغيير .
* حينما تدير التغيير حاول إشعار العاملين معك بأنك قائد ومدرب أكثر منه رئيس .
*كن مستعدا بان تكون قدوة ، من خلال الاستقامة والاتزان والتفاؤل .
*ابدأ دائما التغيير من أعلى حتى يشعر الآخرون بجدية عمليات التغيير.