بكل تأكيد انكم سمعتم هذه المقولة: "الدين لله .. والوطن للجميع"، وأنا هنا أتعجب لهذه المقولة والتي يرددها البعض دون عناء فهمها واستيعاب معانيها ومضامينها، انهم يتصورون انهم يفكون شفرة الوحدة الوطنية بهذه الكلمة، فمن يستطيع ان يقول ان الوطن للجميع او لأي كائن من كان، فالوطن كله لله وهي سنة الله التي لا تحتاج الى مراجعة او الى تفكير، فالنص القرآني واضح وصريح تجاه هذه المسألة: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ"، لا يوجد شيء لأحد، هل تعلمون ان سلوكنا لو جاء منسجما مع هذه الفكرة المتجردة ما حاول احد منا ان يفسد او ان يرتشي او يحصل على حق ليس له، فإن سعي الناس الدؤوب للملك والتملك انما هو سعي مذؤوب وراء السراب، وانا هنا سأستعير كلمة قالها الشيخ الشعراوي رحمه الله رحمة واسعة حينما قال "انه لا تآمر على الله لمُلك"، ماذا أخذ المفسدون معهم؟، هل نالهم شيء سوى سخط الناس وغضب الله عليهم، حتى وان تمتعوا بعض الوقت، فإن لكل ظالم لابد أن تكون له نهاية حتمية لظلمه، وساعتها سيقول يا ليتني كنت ترابا.
من مات منهم فيقيننا انه يعذب في قبره الآن بما كسبت يداه، اللهم إلا ان يكون قد تاب في أخر لحظة في عمرة وتكون مشيئة الله وحده وعنايته هي المنقذ له، ما دون ذلك فلاشك أن حياته لا يمكن ترجمتها في القبر إلا عذاب مقيم، والذي ظل على قيد الحياة فهو الآن طريد، فإن لم يكن طريدا للناس والقانون فإنه طريد خوفه ورعبه من ان تتكشف أعماله وان يقع كما وقع الآخرون. هذه العبرة والعظة الكبرى التي منحها الله للفاسدين ليعلموا ويتعلموا ويتأكدوا أن للظلم دوما نهاية، وأن الله اذا أمهل الظالمين ساعة فإنه ابدا لا يهملهم ولا يهمل أعمالهم الى قيام الساعة، وأنهم سيلقون جزاءهم مهما دارت الأيام.
هذا هو درس التاريخ لكل ظالم، ولكن للأسف الظالمين دوما مصابون بالعمى عن رؤية الحق والعدل، ولا يستطيعون ان يفهموا دروس التاريخ والعبرة منها، وإلا لتعلموا من أقوام قبلهم ظلموا فأنزل الله عليهم عذابا شديدا، وأذاقهم بما كسبت أيديهم.
إن الدين لله والوطن أيضا لله والنفس لله، فلابد أن ندرك ان الأمر كله بيد الله يهب الملك لمن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير، فما نفع الظالمون ظلمهم وما نفع الحاكمون حكمهم، هذه هي حكمة الله في الأرض وسنة الله في الكون، فلابد ألا نسعى لمنصب أو الى جاه، فنحن وخلال هذه الأحداث العظيمة التي مرت بها البلاد عرفنا انه يمكن لمنحة الحكم ان تتحول في اي وقت الى لعنة تصيب صاحبها وتظل تطارده لأخر الزمان.
واخيرا، فانا يحضرني قول سيد الخلق سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة واتم التسليم: "من طُــلب الى شيء اعين عليه، ومن طلب شيء وكل اليه".